لم أخش يومًا على مستقبل لبنان كما خشيت ساعة قرأت مقال الأستاذ غسان تويني، " "لبنان الرسالة"... إلى رحاب المعارضة الحرّة". بلى خشيت مثلها يوم انضم الدكتور شارك مالك، الذي ساهم في كتابة شرعة حقوق الإنسان العالمية، إلى "الجبهة اللبنانية" مباشرة قبل الحرب اللبنانية وساهم في صياغة نظرتها العنصرية والترويج لها، فأصبح بذلك رمزًا من رموز تلك الحرب، وقضى بذلك على عطائه الإنساني الحضاري.
أما سبب الخشية فهو أنه حين يتحول مثقف مثل الأستاذ غسان تويني إلى مروج لتحالف إقطاعي ـ طائفي في بلد مثل لبنان، مضفيًا كلمات تقارب القدسية على رموز هذا التحالف، نكاية بتحالف إقطاعي ـ طائفي آخر، مستعملاً في ذمّه لغة "غلمانية"، فهو، يستعمل علياء منبره الصحافي ليقدم للشعب سرابًا خادعًا، وليعلله بأمل كاذب. لعله من المفارقات أن أقرأ مقالة الأستاذ تويني متأخرًا، في نفس اليوم الذي قرأت فيه الحلقة الثانية من مقالة للأستاذ هنري حاماتي، في عدد السفير تاريخ 25 كانون الثاني، (يناير) 2005 . فماذا يقول كل منهما؟
يقول تويني: " عظيم كم هي الذاكرة التاريخية حاضرة في عقل وليد جنبلاط وبواطن نفسه!... اذ ماذا غير الوعي "التاريخي" كان جعله "يحجّ" الى الفاتيكان يوم وجود البطريرك الماروني هناك..." ويقول، " المفارقة الكبرى ان جنبلاطياً وحده عرف كيف ومتى يستظل، في زعامته المعارِضة، مكانة وجوهر "لبنان الرسالة" الذي كان قد جاء البابا يوحنا بولس الثاني..." ويقول "وحدها مبادرات وليد جنبلاط تكفي لمصالحة الذات اللبنانية مع ذاتها الاخرى، كما اراد بطريرك لبنان عندما قدّس للمصالحة في دير القمر وحجّ الى المختارة..." ويقول، "فليخرس الغلمان".
ويقول الأستاذ حاماتي بعد أن يشرح المواثيق الثلاثة التي صاغها أقطاب لبنان عبر تاريخه المعاصر: "لبنان لن يعرف خلاصه إلا في lt;lt;ميثاق شعبيgt;gt; يصنعه اللبنانيون في ما بينهم لأنفسهم، لا في مناخ اقتتال، وتذابح، وتشرذم، بل في مناخ تفاهم، وتدارس، وتصارح... فمن الغباء أن ننتظر ميثاقاً وطنياً رابعاً تقتضيه مجزرة رابعة ندفع ثمنها من أرواحنا وعمراننا وأخلاقنا وكرامتنا... لن يكون، في اي حال، خيراً من المواثيق الثلاثة السابقة..." ويقول، " ميثاق شعبي يؤسس لوحدة الشعب وحدة تصنعها إرادة الحياة، والتقدم، والرقي... وحدة لا تسمح لأقطاب العصبيات المذهبية العنصرية، ومرجعياتها العلمانية والدينية، بتدمير البلاد وسوق الناس إلى الاقتتال كلما وجدوا، أو وجدت أطراف منهم أن الظروف الإقليمة والدولية باتت مؤاتية لتعديل حصتهم من جبنة الحكم".
معيب أن يروج غسان تويني لـ "حج" إلى الفاتيكان لصيانة إقطاعية طائقية تتكئ على مرجعية طائفية أخرى، تحت مظلة مرجعية دينية عالمية، من أجل خلاف مع ضابط أمني، أو من أجل كرسي في البرلمان لبناني. معيب، بل مخيف، أن يطلب منا الأستاذ تويني أن نكون ديموقراطيين على مذهب الديموقراطية الغربية، العلمانية، التي قضت على الإقطاع في بلادها، وألا يكون في "جعبة عقاقيره" سوى إقطاعية زمنية "تستظل" إقطاعية دينية.
لا أدري ما الذي دفع شخصًا مثل شارل مالك أن يمسح تاريخه الإنساني بالدخول في جبهة طائفية عنصرية، ولا أدري ما الذي يدفع شخصًا مثل غسان تويني ليمسح تاريخه الثقافي بالترويج لإقطاعية زمنية ـ طائفية متجددة. إنها واحدة من أشد المفارقات اللبنانية إيلامًا.

الروابط:
مقالة الاستاذ تويني: http://www.annaharonline.com/htd/GASSAN050124-1.HTM
مقالة الأستاذ حاماتي، الحلقة الأولى: http://www.assafir.com/iso/oldissues/20050124/opinion/10.html
مقالة الأستاذ حاماتي، الحلقة الثانية: http://www.assafir.com/iso/today/opinion/8.html