يكشف بيل كلينتون في مذكراته "My life" عن أن الرئيس السوريّ السابق حافظ الأسد قد رفض فرصةً تاريخية للإنسحاب الأسرائيلي من الجولان بنسبة 99 %. ولم يكن هذا الرفض حرصاً منه على تحرير "كامل التراب السوريّ" كما يتشدق إعلام البعث الغوغائي، بل لأنّ الأسد ـ حسب ما يورده كلينتون ـ كان منشغلاً آنذاك بتهيئة إبنه "بشّار" لخلافته، وإنّ أيّة مفاوضات مع إسرائيل تنتهي باستعادة الجولان، ستقطع الطريق على تلك الولاية بانتزاع مبرراتها "الثورية" لبقاء السلطة العسكرية الحاكمة بحجة "الصمود والتصدي"، لذلك فقد آثر الأسد الأب أن يستبدل ولاية إبنه بقطعةٍ عزيزة من وطنه. وفي الواقع، فإنّ استرداد مرتفعات الجولان التي التي تضمّ بعض الأراضي الخصبة ومنابع للمياه لا تهمّ النظام الطائفيّ العسكري الحاكم في سوريا بقليل أو كثير، لأنّ كل ذلك قد تمّ الاستعاضة عنه عندما وضع السوريون أيديهم على ضرع البقرة اللبنانية الحلوب، إضافة الى الإستحقاقات الوطنية الأخرى التي سيترتب عليها التحرير وتتمثل في الشروع بإلغاء الأحكام العرفية والتمهيد لإقامة الديمقراطية وبناء الاقتصاد الوطنيّ ومحاربة الفساد والرشوة، مما يعني القضاء على سلطة البعث والمخابرات والإمتيازات الذي تحضى بها الطائفة العلوية العسكرية المتسلطة على رقاب أبناء الشعب السوري المغلوب على أمره.

*

إنّ التحذيرات التي اطلقها الثوريّ المذعور حسن نصر الله في يوم عاشوراء، من وراء الزجاج المضاد للرصاص "بأن الغضب الشعبي المناهض لقبضة سوريا على لبنان، بعد إغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريريّ، يمكن أن يعيد البلاد الى هاوية الحرب الأهلية مرة أخرى"، ما هي إلاّ تهديدات مبطنة من فئةٍ خارجة عن الإجماع الوطنيّ لإفزاع المناهضين للوجود السوري، فئة يقوم وجودها على المال الإيراني والسلاح السوريّ، خصوصاً وأنهم الآن يمرّون بمرحلة من العطالة الثورية بعد إنسحاب إسرئيل من جنوب لبنان فيقضون أوقات فراغهم في تدريب الإرهابيين على قيادة السيارات المفخخة وإرسالهم عبر سوريا أو إيران للفتك بابناء الشعب العراقي. إن عصابة حزب الله المافوية قد إدارت ظهرها منذ زمن بعيد للشعب اللبناني وإجماعه الوطني ولم تعد سوى قبضة إرهابية تلوح بها سوريا لمن يناهض وجودها غير المرغوب به في لبنان، واضعةً نفسها في خدمة "الأخوة الأعداء" بالنيابة عنهم في تدبير الإغتيالات والتصفيات السياسية بالتنسيق مع دائرة المخابرات السورية في لبنان التي تسمّى، وياللإسم المضحك!: "الضابطة الفدائية السورية "، فأية فدائية تُرجى من نظام لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير أرضه المحتلّة من عام 1967 لحد الان!؟

*

لقد شهد العالم في الأشهر الأخيرة ثورتين هزتا مشاعر الأنسانية، الثورة الاولى هي "الثورة البرتقالية" التي هبت ضد تزييف الانتخابات التي تمّ تزويرها في أوكرانيا بمباركة الدبّ الروسيّ، وأجبرت السلطات على إعادة تصحيحها. والثورة الثانية هي "الثورة البنفسجية" التي كشف فيها الشعب العراقي عن معدنه الأصيل، الشجاع في توجهه للإنتخابات رغم التفجيرات والتهديدات الإرهابية في "واحدة من لحظات التألق الكبرى في التأريخ " كما وصفها أحد علماء التأريخ في جامعة أوكلاهوما. فهل سنشهد الآن "الثورة الحريرية" التي سيفجّرها دمُ الوطنيّ الشجاع "رفيق الحريريّ" والتي ستطيح بالإحتلال السوري البغيض وتعيد الوجه الحضاري المشرق للبنان؟

*

إنّ دعوة المعارضة السورية للعصيان المدنيّ والثورة السلمية هي دعوة حضارية لمواجهة قوات البطش السورية وذراعها المافوية عصابة حزب الله التي تعتاش على تصدير المخدرات وتجنيد الإرهابيين، وتستوجب وقوف كل أحرار العالم ومثقفيهم معها، خصوصاً العراقيين الذي يعرفون جيداً معنى أن تكون تحت رحمة البعثيين، وبذلك فهم يسددون ديناً للأحرار من المثقفين اللبنانيين "وهم قلّة"، لكنهم بالتأكيد يمثّلون الوجه الأنصع للشعب اللبنانيّ وإنسانه الأصيل. إن عيون العالم أجمع تتجه الان صوب الشعب اللبناني وهو يقوم بثورته الحريرية بعد إغتيال رمزه الكبير "رفيق الحريري"، فهل سيشهد العالم سقوط "الفردة اليسرى" من حزب البعث على يد اللبنانيين بعد أن تكفّل الشعب العراقيّ بقلع فردته اليمنى؟ الأيام ستجيب.

[email protected]