نعم هناك ازمة في لبنان، بل هناك ازمة حقيقية وعميقة في لبنان، ولكن في اساس هذه الازمة ،الازمة التي تعيشها سورية والتي كان اوضح تعبير عنها قرار التمديد للرئيس اميل لحود. وهو قرار فًُرض على اكثرية النواب اللبنانيين بطريقة اقل ما يمكن ان توصف به انها فظة. وادى التجديد، شاءت دمشق ام ابت، الى صدور القرار 1559 الذي جعل سورية ولبنان في مواجهة مع العالم بما في ذلك دول الاتحاد الاوروبي بعدما كانت هذه الدول تسعى في الماضي الى الحد من السياسة العدائية التي اعتمدتها الولايات المتحدة تجاه سورية وحتى تجاه "حزب الله" في لبنان.
الآن، هناك فرصة. وتتمثل هذه الفرصة بتطبيق سورية القرار 1559 بدقة من دون اي تفكير في ان في استطاعتها اعادة عقارب الساعة الى خلف عن طريق خلق مشاكل في لبنان. بكلام اوضح على سورية تنفيذ القرار 1559 من دون التفكير في ان الوقت سيأتي للانتقام من لبنان، وكأن الانتقام من لبنان كفيل باعادة الاعتبار الى سورية والى الدور الاقليمي الذي تعتقد انها مؤهلة لأن تلعبه.
قبل كل شيء، لم تعد هناك ادوار اقليمية لأحد لا لسورية ولا لغير سورية. ان مرحلة الادوارالاقليمية انتهت. واذا كان مطلوباً تسمية الاشياء باسمائها، يمكن القول ان سورية كانت مهمة عندما كان صدام حسين مهما، في حين كان مطلوبا من سورية اقامة توازن مع العراق الذي كان على رأسه حكم اقل ما يمكن ان يوصف به انه مجنون ومتهور. اما الآن فان الطرف الذي على حدود سورية اسمه الولايات المتحدة التي تحتل العراق، والى اشعار آخر لا يمكن لأي نظام عربي من المحيط الى الخليج ان يكون مع سورية في اي مواجهة يمكن ان تخوضها مع الولايات المتحدة. هذا هو الواقع الذي لا بد من التعامل معه، وهو يفرض على النظام في سورية التعقل اذا كان يريد المحافظة على نفسه.
في ظل هذه المعطيات، يفترض في سورية التصرف بطريقة عاقلة تفرض اول ما تفرض التخلص من عقدة الاعوام 1982 و1983 و1984 اي مرحلة العودة الى لبنان بعد الخروج منه. ان العودة الى لبنان في تلك المرحلة كانت عائدة الى ظروف اقليمية ودولية مختلفة، في حين ان الاوضاع في السنة 2005 مختلفة جذرياً. انها مختلفة الى حد يمكن القول ان مستقبل النظام السوري مرتبط بخروجه من لبنان وليس بعودته اليه وذلك على العكس تماما مما حصل في السنوات 82 و83 و84. هل تنجح سورية في الخروج من لبنان؟ ذلك هو السؤال المطروح حاليا ببساطة متناهية.
ومن اجل ان تنجح سورية في الخروج من لبنان، عليها ان تبرئ نفسها من دم رفيق الحريري الذي يختلف قتله عن كل عمليات الاغتيال السابقة بدءاً من كمال جنبلاط وانتهاء برينيه معوض مروراً بالمفتي حسن خالد وبشير الجميل وكثيرين غيرهم. ما كان مقبولاً لدى اغتيال هؤلاء لم يعد مقبولا الآن وذلك بغض النظر عما اذا كانت سورية وراء اغتيالهم ام لا. هناك الآن دم رفيق الحريري، وفي حال كانت سورية تريد المحافظة على نفسها وعلى النظام القائم فيها، فان الخطوة الاولى التي عليها الاقدام عليها ترك اللبنانيين يصفون حساباتهم في ما بينهم. وهذا معناه بكل بساطة رفع الغطاء عن الرئيس اميل لحود اولا وتشكيل حكومة حيادية تتولى الاعداد لانتخابات نيابية ينبثق عنها مجلس نيابي ينتخب رئيساً جديداً للجمهورية يمكن ان يكون اسمه نسيب لحود او اي شخص آخر يمكن ان يقارن به ان من حيث النظافة او من حيث الفهم السياسي للاوضاع الداخلية والعربية والاقليمية او من حيث الحس العربي الحقيقي، هذا اذا كان في الامكان ايجاد مثل هذا الشخص. انه حس لا يقاس بمدى الولاء لـ"حزب الله" او غير "حزب الله" الذي يقف على طرفي نقيض من السياسة الاميركية. فهو يطلق شعار الموت لاميركا في لبنان في حين يسكت عن اميركا في العراق لاسباب مذهبية لا اكثر ولا اقل. اميركا ضد الديموقراطية في لبنان واميركا مع الديموقراطية في العراق. يا لها من معادلة لا تحتاج الى منجم لفك احاجيها بمقدار ما انها تحتاج الى من يفهم ان "حزب الله" ادخل نفسه في لعبة ليس معروفا كيف يمكن ان تستفيد منها سورية حتى لا نقول لبنان،وذلك عن قصد او غير قصد.
في استطاعة سورية لملمة اوضاعها مع التأكد ان ما يصنع نفوذها في لبنان ليس قواتها ولا اجهزتها الامنية، بل ان مصدر هذا النفوذ الجغرافيا لا اكثر ولا اقل، وكلما احسنت سورية التملص من الشباك اللبنانية، كلما كان ذلك افضل لها. والتملص يعني الخروج من عقدة الثمانينات والتطلع الى المستقبل بطريقة اخرى تتجاوز اميل لحود وغير اميل لحود، من دون تجاهل ان قضية اغتيال رفيق الحريري ليست قضية سهلة وان من الصعب القول ان التضحية باميل لحود ستكون كافية كي ينسى العالم ان المطلوب في النهاية محاكمة المسؤول عن الجريمة اكان في لبنان او في سورية او خارجهما.