يبدو أن القلم فارق أصابعي إلى الأبد. وبات محكوما عليّ بالإملاء عندما أجد من أملي عليه. لأن مساعدي يقوم لي بجميع شؤوني الضرورية بما فيها ارتداء ونزع الملابس، وهذه لا تترك للإملاء، الذي لم أتعود عليه، إلا سويعات تمثل عشر معشار الوقت الذي كنت أخصصه للكتابة قبل أن تحل بي هذه الكارثة الصحية من حيث لا أحتسب. من هنا ارتأيت أن أعلق كلما أتيحت لي الفرصة بملاخظات، لا تجمعها وحدة الموضوع وبأسلوب برقي أحيانا، على بعض قضايا الساعة خاصة في الفضاء العربي الإسلامي الذي تسارع فيه التاريخ، وبدأت جميع تناقضاته المزمنة والمتفجرة وأسئلته المحرجة تطرح نفسها عليه بحدة. وهنا بعض مما تجمع من أوراق:

مصر بالإجماع إلى عضوية مجلس الأمن

سمعت في إحدى الإذاعات أن مؤتمر الجامعة العربية الأخير قد يرشح مصر إلى عضوية مجلس الأمن الدائمة لكن، حسب المراسل، الجزائر تطمح هي أيضا إلى هذا المنصب. ذكرني ذلك بالمنافسة العربية على رئاسة اليونسكو حيث تنافست كل من مصر والسعودية على رئاسة اليونسكو فخسرتاها معا. وكان واضحا أن المرشح السعودي لا حظ له في النجاح، كما لاحظت وسائل الإعلام العالمية، لأن بلاده تطبق شريعة العقوبات البدنية وتحرم المرأة من أبسط حقوقها بما فيها قيادة السيارة والحال أنها كانت على عهد نبي الإسلام " تقود الجمل وهو أشد مراسا من السيارة " كما قال الأمير المصلح طلال بن عبد العزيز. أتمنى إذن أن يكون ترشيح مصر بالإجماع هو تغريدة التم الأخيرة للجامعة العربية قبل أن تلفظ أنفاسها. لماذا مصر وليست الجزائر أو أية دولة عربية أخرى؟ أولا لدورها كقابلة للسلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني اليوم والإسرائيلي ـ السوري غدا. رغم الأزمة الإقتصادية العميقة، أساسا بسبب قنبلة الإنفجار السكاني التي يفجرها المصريون في أنفسهم بمساعدة الإخوان المسلمين الحاضرين في كل مأتم عربي إسلامي، فإن القيادة المصرية لم تحول أزمتها إلى وسواس يحاصر وعيها بدورها الإقليمي القيادي كإطفائي في حقول ألغام الشرق الأوسط وخاصة في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني حيث غدت، خاصة بعد إزاحة عقبة عرفات، تلعب دورا أساسيا في دفع بارقة الأمل في السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني إلى أقصى وعودها : قيام الدولة الفلسطينية. حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني هو اليوم أم المعارك السلمية. من دون قيام دولة فلسطينية مقبولة من غالبية الشعب الفلسطيني سيظل الجرح النرجسي، أي مشاعر الهوان والإذلال التي كابدها العالم العربي إثر قيام الدولة اليهودية في فلسطين، نازفا. ومعنى ذلك أن يظل العرب رهينة لمشاعر الثأر من اليهود والغرب بسلاح الإرهاب ؛ ذاهلين كل الذهول عن مهام تحديث بلدانهم أي فتحها دون عقد ودون تردد أمام حداثة المؤسسات وحداثة الإقتصاد والعلوم الحديثة والقيم الحديثة التي لا مستقبل لأية أمة في العالم لا تفتح لها وعيها الجمعي، والتي ستشكل بلا شك ثأرهم الصحي لهزائمهم التاريخية.
الخطوة الآولى في مسيرة الألف ميل، المحفوفة بالأخطار، إلى الدولة الفلسطينية هي بعث السلطة الفلسطينية من الرماد الذي حرقها في ناره كل من عرفات، المسكون بوسواس كل شيء أو لا شيء، وحماس المسكونة بجنون المطالبة بالثأر العشائري ل" شفاء صدور قوم مؤمنين " كما تقول بيانات عملياتها الإنتحارية، بدلا من المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني كما أقرتها له الشرعية الدولية التي يُعاقِب من تحدثه نفسه بانتهاكها بخسران جميع حقوقه. سيقول التاريخ عن مصر، التي اضطلعت بهذه المهمة منذ اختفاء عرفات، أنها كانت قابلة الدولة الفلسطينية التي وأدتها القيادات الفلسطينية، الجهادية والإستشهادية، المتعاقبة منذ حليف هتلر، المفتي الحاج أمين الحسيني، الذي رفض قرار لجنة بيل سنة 1939 إعطاء الفلسطينيين 80 % من فلسطين، ثم رفض قرار مجلس الأمن سنة 1947 الذي أعطاهم 45% منها، إلى عرفات الذي رفض مقترحات كلينتون التي أعطتهم 97 % من الضفة الغربية.
لن تستطيع السلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس، أن تكون مفاوضا كفؤا لإسرائيل والرباعية إلا إذا كانت قوية. ولن تكون قوية إلا إذا احتكرت صنع القرار العسكري والسياسي. تقوية السلطة الفلسطينية هو ما سهرت ولا تزال على تحقيقه مصر بإقناع جميع الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس، بالتسليم بحق السلطة الفلسطينية في الإستأثار بالقرار الفلسطيني. الجنرال عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة، هو الذي قرأ في مؤتمر القاهرة الأخير، الإتفاق على الهدنة الذي توصل إليه بعد جهود مضنية استغرقت شهورا. نائبه، الجنرال مصطفى البحيري، الذي اختار الإقامة في السلطة الفلسطينية، هو الذي ينشط " خلية تفكير استراتيجي " فلسطينية ـ مصرية لمعالجة المشاكل التي تطرأ بين الفصائل والسلطة الفلسطينية، وبين هذه الأخيرة وإسرائيل التي يساعد حلها على التقدم إلى السلام.
هذا ما ينبغي أن لا ينساه كل المحبين للسلام في العالم العربي والعالم. أما يتامى القومية العربية والإسلاميون خاصة التونسيون، الذين تواطؤوا مع حسن الترابي في محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أديس أبابا، فقد وجدوا أن كيل الشتائم لمصر أسهل من تقديم البراهين على وجاهة مزاعمهم. تستحق مصر أيضا دخول مجلس الأمن لرمزية هذا التكريم الدولي الهائل بالنسبة للوعي الجمعي العربي المشلول بجروحه النرجسية المتعاقبة منذ قرنين. حصول بلد عربي كمصر، بكل ما يمثله ويرمز إليه، من شأنه أن يخفف من عقدة الإضطهاد التي يكابدها الوعي الجمعي العربي وأن يضمد تاليا الجرح النرجسي العربي الذي أصاب العرب لأول مرة في مصر بالذات إبان حملة نابليون 1798 : فلأول مرة يتحول العرب من أمة فاتحة، شعارها قولة هارون الرشيد للغيمة التي أبت أن تجود بمائها في بغداد " امطري حيث شئت فخراجك لي "، إلى أمة مفتوحة يسومها " الكفار" كل يوم سوء العذاب. حصول مصر على مقعد دائم في مجلس الأمن، تماما كما حصول الفلسطينيين على دولة ترضي طموحاتهم الوطنية، سيكون بلسما لهذا الجرح النرجسي الذي هو في العمق مصدر هوسنا الجنوني بالجهاد والإستشهاد اللذين ذبحانا من الوريد إلى الوريد ولم يسببا ل" اليهود والصليبيين " إلا خدوشا آثمة بقدر ما هي عقيمة.

ساعدوا الفلسطيني الفذ : أبو مازن

حكومة فلسطينية قوية هي وحدها القادرة على توقيع السلام اليوم وبداية تعميرما دمره الإحتلال الإسرائيلي والإنتفاضة الإنتحارية. تقوّّي السلطة الفلسطينية نفسها بأمرين. الأول نسيان كل انتفاضة، ولو سلمية، لأنها لن تلبث أن تقدم لمتطرفي الجهاد وحماس وحزب الله، الأداة التي تستخدمها دمشق وطهران لإرهاب الشرق الأوسط، الفرصة الذهبية لنسف الجهود الدبلوماسية الجارية ؛ ولأن الدبلوماسية الدولية ـ وهي ملاذا للشعب الفلسطيني الأخير ـ لم تعد تريد أن تسمع إلا المعجم الدبلوماسي والمهموس فضلا عن ذلك. لماذا؟ لأن الدبلوماسية الدولية لا تريد أن تعطي الإنطباع بأن الإرهاب كوفىء بجائزة، وخاصة لأن إسرائيل لا تريد بأي ثمن إعطاء الإنطباع ـ مجرد الإنطباع ـ بأنها انسحبت من غزة، كما انسحبت من الشريط الحدودي، تحت النيران. إذا حاول أحد في الإسلام الجهادي الفلسطيني، بوحي من عنترياته أو من حزب الله، أن يغطي الإنسحاب من غزة بإطلاق صواريخ القسام على مؤخرة القوافل المنسحبة " فسيأمر شارون بمحو مناطق كاملة من قطاع غزة من على وجه الأرض " كما يقول المحلل السياسي لليومية " يديعوت أحرنوت "، شمعون شيفر. لكن العقاب السياسي سيكون أدهى : لن يقدم شارون بغد ذلك أي تنازل يذكر في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهما رهان التسوية الحقيقي، وستتحول الشكوك في أن يكون الإنسحاب من غزة هو الأول والأخير، إلى يقين، ويتحول مشروع شارون لدولة في حدود مؤقتة على 42 % من الضفة، مع رفض تحديد موعد للتسوية النهائية، إلى خيار غير قابل للتفاوض. وأخيرا لن يشجع سيناريو محاكاة حزب الله الضغط الدولي على إسرائيل لقبول تسوية قريبة من مقترحات بيل كلينتون التي رفظها عرفات سنة 2000. يليق بالمثقفين والإعلاميين الفلسطينيين أن يوعوا جمهورهم بأن انتفاضة الجهاد والإستشهاد هُزمت ولم تبق إلا السياسة ـ والسياسة وحدها ـ لمحاولة ـ مجرد المحاولة ـ الحصول على دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا. ربما ـ في السيناريو المتفائل ـ كان انخراط حماس والجهاد أخيرا في منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترف ميثاقها بإسرائيل فأقام الحداد على فلسطين الإنتدابية، السنونو الذي يبشر بربيع الواقعية الفلسطينية، التي ليست شيئا آخر غيرالشجاعة السياسية التي لا تغالط في الحقائق نفسها، فتعتمد على التفاوض بدلا من الكفاح المسلح، وتتعلم أخيرا قراءة موازين القوة على الأرض. أما الأمر الثاني لتقوية السلطة الفلسطينية لنفسها فهو محاربة الفساد. ال75% من الرأي العام الفلسطيني الذين يساندون أبو مازن هم سلاحه الضارب لمهاجمة قلاع الفساد المدنية والبوليسية، داخل السلطة وداخل فتح. تداول الأجيال داخل السلطة وداخل فتح عامل مساعد على محاربة الفساد وطرد بقايا قيادة عرفات الذين شكلوا ومازالوا عقبة كأداء أمام هذا التداول الضروري لإنهاء التناقض الفاضح بين شعب من الشباب وقيادة من الشيوخ. كما أنه قد يكون ضروريا لإيقاف عملية تدمير فتح لنفسها. يملك الرئيس الفلسطيني أوراقا بإمكانه أن يلعبها جيدا، في ملف مكافحة الفساد وضرورة تداول الأجيال، أي تعويض العرفاتيين برجال ونساء جُدد وشباب. مثلا ورقة فتح ملف فساد عرفات الذي قدمت عنه مؤخرا الأسبوعية الفرنسية " نوفيل أبسرفاتور " وقائع مذهلة سواء في ما يخص أهمية المبالغ المختلسة ( حوالي مليار دولار ) أو الأشخاص الذين تواطؤوا معه في جريمته : عملاء في الموساد!
لكن المساعدة الحاسمة لتقوية السلطة الفلسطينية تأتي من الخارج : من إسرائيل التي مازالت تتلكأ في رفع الحواجز والإغلاق وإطلاق سراح المساجين ووقف بناء الجدار العازل فوق الأراضي الفلسطينية ووقف الإستيطان، هذا السرطان الذي يلتهم الأرض الفلسطينية وكل أمل في السلام الدائم. وباختصار تطبيق خارطة الطريق. هذه الإجراآت ضرورية لفتح نافذة أمل أمام الفلسطينيين كي لا يستسلموا لحلول اليأس. غلق إسرائيل لهذه النافذة هو الطريق الملكي إلى العودة إلى سياسة الأسوأ : سياسة النحر والإنتحار ؛الإنتحاري هو من فقد الثقة في المستقبل. والتدابير الإسرائيلية ضد الفلسطينيين توشك أن تفقدهم الثقة في مستقبل السلام لتحولهم إلى انتحاري جماعي شعاره " عليّ وعلى أعدائي يا رب "!
حكومة إسرائيل، عاجزة عن التقدم الحقيقي إلى السلام بدناميتها الخاصة. لأنها مشلولة بالخوف من السلام. يخيفها السلام لأنه قد يحمل في طياته الحرب الأهلية بين دعاة إسرائيل الكبرى ودعاة " الأرض مقابل السلام "، كما يخيفها احتمال الحرب الدينية بين المتدينين والعلمانيين بعد زوال الخطر الوجودي الخارجي الذي جمد تناقظات المتجمع الإسرائيلي في ثلاجة النزاع العربي الإسرائيلي، مثلما هي مشلولة الآن بمعارضة طيف عريض للسلام يمتد من المستوطنين التوراتيين إلى جيوب في المؤسسة الأمنية مرورا بصقور ليكود الذين مازالوا مصرين على أن السلام يشكل خطرا على بقاء دولة إسرائيل التي لا تجد تماسكها القومي إلا في مناخ الحرب. لذلك لا بد من تدخل العالم وخاصة الولايات المتحدة والإتحاد الآوربي لدفع الحكومة الإسرائيلية دفعا إلى السلام. نعرف تاريخيا أن الرأي العام الإسرائيلي يتفهم جيدا الضغوط الدولية وخاصة الأمريكية ولا يحاسب حكومته على الإنصياع لها.
يساعد العالم تقدم الفلسطينيين إلى السلام بتعزيز شرعية الرئيس محمود عباس بوسيلتين : إعطاؤه مكاسب سياسية ومكاسب اقتصادية. الآولى تعطي الشعب الفلسطيني الأمل في الحصول على دولة مستقلة ومتواصلة جغرافيا، والثانية تخفف عنه الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يتخبط فيها منذ انتفاضة الأقصى التي دمرته اقتصاديا وسياسيا ونفسيا. وهاهو بعد أربع سنوات عجاف يجد نفسه يناشد إسرائيل إعادة جيشها إلى المواقع التي كان يحتلها في 28/9/2000، تاريخ اندلاع هذه الإنتفاضة. بل أن الإستطلاعات تشير إلى أن اهتمامه بتحسين وضعه المعيشي يفوق اهتمامه بتحرير فلسطين!

الفريضة الغائبة في العالم العربي

وعد الرئيس بوش بتقديم مئة دولار شهريا لال77 % من الفلسطينيين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، ووعد دنيس روس بإنشاء صندوق لتمويل التنمية الفلسطينية. تحقيق الوعدين في أقرب الآجال يشكل دون شك رافعة قوية للتقدم إلى السلام، ويساعد على تجميل وجه " الأمريكي البشع " في مرآة الشارع
العربي. هل تسمعيني يا مستر كارين هيوغ، نائب وزير الخارجية الأمريكية، المسؤولية على " تغيير صورة أمريكا في العالم ". وهاقد مضت شهور ولاشيء يلوح في الأفق. والحال أن مقاومة الفقر وما تحت الفقر هي السلاح الضارب ضد الإرهاب عكس ما يعتقد العقيد القذافي وبعض الإقتصاديين الليبراليين من أنصار الداروينية الإجتماعية. لا تعود شعبية حماس إلى شعاراتها الجهادية والإستشهادية التي تخاطب غرائز الثأرو النقمة لدى الجمهور الفلسطيني بقدر ما تعود إلى المساعدات الغذائية والطبية والتعليمية التي تقدمها له يوميا ؛ لم تكتسب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ملايين أصوات الجزائريين في الإنتخابات البلدية والتشريعية إلا بفضل ملايين البترودولارات السعودية التي أقامت بها إمبراطورية خيرية عوضت دولة الرعاية الجزائرية المستقيلة ؛ لم يكتسح الإخوان المسلمون المجتمع المدني المصري ولم يكسبوا الفقراء إلى شعاراتهم الظلامية إلا بشبكة الجمعيات الخيرية التي تقدم لفقراء مصر، الذين يشكلون ثلثي الشعب، الغذاء والدواء والكساء، ولأبنائهم، التلامذة والطلبة، الأدوات المدرسية والدروس الخاصة المجانية ؛ لم يكسب حزب الله تعاطف الشيعة، وهم أكثر الطوائف اللبنانية غبنا وفقرا، بتأجيج ثقافتهم الإستشهادية وحسب بل أيضا ـ وربما خصوصا ـ بالمستشفيات والمستوصفات والمدارس والمآوي والمساعدات الغذائية التي يقدمها لهم! دمج الشيعة اقتصاديا وسياسيا في النسيج اللبناني وتقديم 100 دولار شهريا لكل أسرة شيعية [ ولبنانية ] فقيرة هو الطريق الملكي لتجريد حسن نصر الله من سلاحه الضارب : فقراء الشيعة الذين استخدمهم ويستخدمهم لإرضاء غريزة الموت التي تسكن شعوره ولا شعوره. شخصية أمين عام حزب الله النفسية السادية ـ المازوخية رصدته ليكون مشروع شهيد لا يشفي غليله إلا أن يكون قاتلا و قتيلا. حتى لو حدث ودمر زلزال كل من إسرائيل والولايات المتحدة، فإن الشيخ سيبحث عن مكان ما في " دار الحرب " ليجاهد طلبا للإستشهاد من أجل الإستشهاد! جففوا مستنقع الفقر اللبناني، اعطوا للفلسطينيين خبزا ودولة وأعيدوا الجولان إلى سوريا. وأراهن على أن حسين نصر الله سيتحول إلى سمكة تتخبط في مستنقع مجفف!
لم تهزم تونس إسلامييها، الذين سبقوا إسلاميي الجزائرإلى الإرهاب ضد السياح، وأئمة المساجد وحراس التجمع الدستوري الديمقراطي الذين سكب " مجاهدو " " النهضة " البنزين عليهم ثم أحرقوهم أحياء، إلا بفضل " الصندوق الوطني للتضامن " ( 26 ـ 26 ) الذي حول مدن الصفيح التي تطوق المدن، من مساكن لا تليق بالبقر إلى مساكن لائقة بالبشر، ولبَّى حاجات الفقراء الأساسية. هؤلاء الفقراء الذين شكلوا خزان العنف في " ثورات الخبز "، خلال السبعينات والثمانينات، التي استخدمها الإسلامييون لحرق كل ما تصل إليه أيديهم.
لماذا استطاعت النخبة السياسية التونسية أن تجرد إسلامييها من سلاح الفقر بينما قصرت في ذلك باقي النخب العربية؟ لأنها وحدها التي كانت تحمل مشروعا مجتمعيا الحداثة رائده والعقلانية منطلقه. وهذه هي الفريضة الغائبة عن مشارق العالم العربي ومغاربه.

اللهم اشهد فقد بلغت.