بغداد: كان العراق وقبل دخول قوات الاحتلال الامريكي من الدول التي تكاد تكون خالية من مرض “الايدز” ولكن الوضع الامني غير المستتب وعملية فتح الحدود التي ساهمت بدخول الاجانب الذين يزورون العراق او يتسللون الى داخل اراضيه من دون ان يخضعوا للفحص الطبي، بالاضافة الى قيام بعض “الجهلة” ببيع الادوية على ارصفة الشوارع أدى الى حدوث اصابات عديدة لدى العراقيين، مما جعل الاطباء يتوقعون ارتفاع عدد المصابين بهذا المرض الفتاك.

“الخليج” زارت مركز بحوث المتلازمة الخاصة بمرض الايدز وخرجت بالحصيلة التالية:
* الدكتور عمانوئيل توفيق مدير مركز بحوث المتلازمة والخاصة بأمراض الايدز يقول: في البداية لا بد من تعريف مرض الايدز وهو فقدان جسم المريض القدرة على مقاومة الامراض في المرحلة النهائية للعدوى، حيث تنهار دفاعات الجسم الطبيعية ويصبح الجسم عرضة للاصابة بالعديد من الجراثيم والفطريات والاورام، وهذا ما يسمى طبياً العوز المناعي المكتسب. ومن اعراضه ان يصاب المريض بتضخم الغدد اللمفاوية وخاصة في العنق والابط وثنية الفخذ من دون سبب ويصاحبه اعياء يستمر عدة اسابيع ونقص واضح في الوزن وارتفاع درجات الحرارة مع العرق الليلي الغزير. وينتشر هذا المرض بوساطة الشذوذ الجنسي والمدمنين على الحقن والاطفال المولودين من امهات حاملات للمرض وعن طريق الدم الملوث المنقول من شخص مصاب بمرض الايدز الى شخص سليم.

وأضاف: ان مرض الايدز غير قابل للشفاء ويبعث على القلق والخوف وبالرغم من تطور العلم والتكنولوجيا لكن لحد الآن لم يتم ايجاد علاج معين يمكن ان يقضي على هذا المرض الفتاك، حيث اغلب الادوية التي تمنح للمصابين لم تستطع ايقاف تدهور صحتهم. ولكن يمكن تجنب المرض عن طريق المعرفة والتثقيف الصحي والجنسي.

ومعهدنا متخصص في هذا المجال من خلال رصد الحالات في الفئات المعرضة للخطورة ومجاميع الاختيار وهي كثيرة مثل الغجر ودور البغاء والوافدين للعراق والمصابين بالامراض الجنسية الاخرى والمسجونين بسبب اعمال غير اخلاقية والمقبلين على الزواج وهدفنا الآخر هو التثقيف والاعلام والتربية الصحية ونهتم ايضاً بالامراض الجنسية الاخرى ولدينا عدة اقسام منها قسم الرصد وقسم الوافدين وقسم الامراض المنقولة.

وأكد: ان اول اكتشاف للايدز في العراق كان عام 1988م ويوجد لدينا 247 مريضاً بالايدز مسجلون في سجلاتنا. وبسبب الظروف التي مر بها العراق من حصار اقتصادي واحتلال امريكي ادى الى حصول نقص في الدواء والاجهزة الطبية الاخرى، مما ادى الى وفاة اعداد كبيرة من هذا العدد ويوجد لدينا الآن 66 مريضاً يحملون الجرثومة وهؤلاء مسجلون رسمياً في سجلاتنا وقسم آخر لم يتم التبليغ عنه ونتوقع ان يكون هذا الرقم مضاعفاً عدة مرات.

وتابع: المصاب بمرض الايدز يكون على حالتين، فهناك مصاب بالمرض والثاني حامل لجرثومة المرض وهو خطر على المجتمع رغم انه يعيش داخل المجتمع وقسم منهم موظفون في دوائر الدولة المختلفة فنقوم بنقل خدماتهم الى وزارة الصحة من اجل السيطرة عليهم واخضاعهم الى فحوصات شهرية منظمة، وتقديم منحة شهرية مقدارها خمسة عشر الف دينار ونصرف لهم ستة الاف دينار عراقي بدل ملابس ونطمح بزيادة هذه المبالغ من قبل الدولة لكي يتم انتظام هؤلاء في عملية الفحص الصحي وتنفيذ البرنامج الصحي المطبق عليهم. وتوجد في بغداد ثلاثة مراكز لفحص الايدز وفي كل محافظة هناك دائرة خاصة بمرض الايدز. والمرضى المصابون بالايدز توجد مصحات خاصة بهم لكن لا يوجد علاج رسمي للمرضى في العراق بسبب ارتفاع تكاليفه لأنه يكلف مبالغ كبيرة والحكومة السابقة لم تكلف نفسها وتقوم بتخصيص المبالغ المناسبة لعلاج المصابين بهذا المرض، بالرغم من ان العراق يعد من البلدان الغنية. ونقدم من جهتنا ثلاثة انواع من الادوية البسيطة منها اعطاء الام اثناء فترة حملها العلاج لتقليل الاصابة لدى طفلها وأمراض اخرى بسيطة. واما بعد الاحتلال الامريكي للعراق فكل شيء انهار بسبب الاوضاع الامنية غير المستتبة وغياب السلطة وحالات السرقة والنهب مما ادى الى هروب جميع المرضى من المستشفيات الخاصة بهم وانطلقوا في المجتمع وهم مرضى وأدى ذلك الى ارتفاع حالات الاصابة بالايدز المسجلة وغير المسجلة.

ولمعرفتنا السابقة بهذا المرض وكما تعلمون فإن الحدود العراقية كانت مفتوحة عندما كان المحتلون يديرون شؤون البلاد، لذلك لم يتم فحص الوافدين الى العراق كما كان يحصل في السابق ولكن بجهودنا الذاتية وطوعية الوافدين في المجيء الى مراكز فحص الايدز، اكتشفنا حالات عديدة من المصابين اكثرهم من الاجانب وقسم آخر من العراقيين المقيمين في خارج العراق. وقد قمنا بمساعدة بعض المنظمات الصحية بإعادة قسم من المصابين عن طريق اغرائهم بالمال من خلال اعطائهم مبلغ 60 دولاراً للمريض الواحد كإعانة له وهذا الاجراء جعل بعض العوائل تجلب مرضاها الى المراكز الصحية المتخصصة وما زال القسم الآخر في الخارج يعيش داخل المجتمع ولا يهمه ما يسببه هذا المرض للآخرين. وأما الجانب الآخر الذي حدث بعد سقوط النظام السابق فتمثل في انتشار المخدرات في العراق من خلال الحقن الطبية التي يتم استعمالها لأكثر من مريض نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة مع العلم ان العراق بقي لسنوات طويلة خالياً من المخدرات.

اما ما يقال ان الدم المنقول الى المريض لا يخضع لفحص فهذا خطأ لأننا نقوم بفحص الشخص المتبرع بالدم ونتأكد منه قبل اعطائه للمريض. ويوجد في مركز التبرع بالدم اجهزة وكادر متخصص لهذا الغرض، وإننا نعاني في المعهد والدوائر التابعة له من صغر المبنى وقلة الكادر المتخصص وعدم عودة الخبرات والعقول العراقية في هذا المجال من الخارج لأسباب امنية واقتصادية بالاضافة لنقص الادوية الرئيسية وعدم وجود أي نوع من الدعم من أي جهة رسمية او غير رسمية، كما ان الامريكان اهملوا هذا المرض بتعمد. وتبقى الوقاية من المرض اهم شيء في الموضوع ولا يخفى رغم هذه الاسباب ان مجتمعنا من النوع المحافظ والملتزم وعدم وجود أي نوع من الشذوذ الجنسي الا ما ندر فإن المخدرات التي دخلت في السنة الاخيرة بسبب غياب السلطة الرادعة من اهم المشاكل التي نعاني منها وان كانت الآن قليلة فإننا نتوقع في المستقبل انعكاسات خطرة.

توقع ارتفاع العدد

اما الدكتور سعد فاضل الجنابي، فيقول: ان مرضى الايدز في العراق وان كان عددهم فاق ال (200) مصاب فإن العراق يعد من الدول الجيدة والخالية نسبياً من هذا المرض ونحن نتوقع زيادة اعداد المرضى نتيجة الظروف التي يمر بها البلد وان اهم اسباب الايدز هو الشركة الفرنسية (ماريو) التي وردت الدم الملوث للعراق ودولتين اخريين ونحن اقمنا دعوى قضائية على هذه الشركة وما زالت في طور المحاكم ولدينا لجان قضائية لمتابعتها.

وأما بخصوص ما ذكرناه فإن العدد سيرتفع بسبب غياب الرقيب الصحي والقانوني في مراكز الحدود من خلال عدم فحص الوافدين للعراق وعدم استطاعة اللجان الصحية التفتيشية في زيارة بعض شرائح المجتمع بسبب عدم استباب الامن والنظام. فقد شكلت وزارة الصحة لجنة برئاستها وعضوية الوزارات الاخرى من اجل السيطرة على المرض من خلال الفحص الاجباري لكل من يشك في أنه حامل للمرض لأن هؤلاء يمثلون خطراً على المجتمع لأنهم ينقلون المرض الى المواطنين رغم معرفتهم بحالتهم الصحية المريضة. اما الجديد في الامر فهو بيع الادوية وخاصة امصال الدم (dtd) على ارصفة الشوارع العامة في مدينة بغداد وهذا شيء خطير لو علمنا بأن هناك جهات خارجية مغرضة تهدف الى نشر امصال مريضة اصلاً وخاصةتلك التي تتعلق بتطابق الدم اثناء الولادة حيث يؤدي ذلك الى اصابة الشخص بمرض الايدز. ونحن نحذر المواطنين كافة بعدم التعامل مع باعة الادوية على الارصفة ولدينا دلائل على هذا.

وأضاف: ان معظم المصابين بالايدز يصاحبهم نزف الدم الوراثي ونعطيهم العامل التام وهو مستورد من الخارج لذلك قامت الوزارة ومركز فحوص المتلازمة بفحص هذه الامصال المستوردة للتأكد من صلاحيتها.

ولدينا رجل متزوج يعاني من هذه الحالة وهو امامنا وقد اشترى مصلاً من باعة الارصفة فشعر بالخوف لذلك جاء الينا لغرض الفحص وجلب معه زوجته للتأكد من تعرضه للاصابة بمرض الايدز ام لا ونحن الآن نجري الفحوص لهما فإننا نحذر الناس من عدم شراء الادوية الا من الصيدليات المجازة رسمياً حتى لا يتعرضوا للاصابة بمرض الايدز.

بائع رصيف

ولقاؤنا الآخر مع حسين زعلان الساعدي بائع ادوية على احد ارصفة الشوارع في الباب الشرقي وسط بغداد الذي طلب عدم تصويره حتى يتحدث الينا عن هذا الموضوع اذ يقول: نحن وبعد سقوط النظام السابق عملنا في مجال بيع مختلف الادوية على الرصيف للمواطنين ونحن نتأكد من صلاحيتها قبل بيعها ونحصل عليها بعدة طرق منها الادويه التي سرقت من المستشفيات اثناء عمليات السلب والنهب التي تلت دخول قوات الاحتلال كذلك فإن بعض المخازن تمتلك كميات كبيرة من الادوية حصلت عليها بعد دخول الاحتلال.

وأضاف: نحن نبيع بأسعار تكون اقل بكثير من اسعار الصيدليات، والمواطن يشتري منا برغبته ولدينا انواع من الادوية النادرة لعدة امراض التي لا يوجد منها في المراكز الصحية وهي كثيرة فنقوم ببيعها للناس وحسب حاجتهم من الدواء. وأؤكد بأن كافة الادوية صالحة للاستعمال لأننا لا نبيع الادوية المنتهية المفعول، فنحن عراقيون ونرتزق من هذه المهنة بسبب البطالة المتفشية في البلد وعدم وجود أي فرصة للعمل في دوائر الدولة.

ولقاؤنا الاخير مع الشيخ عدي الدهلكي إمام جامع السامرائي، الذي يقول: ان الايدز مرض خطر جداً وهو آفة نقلت الينا من الدول الغربية التي لا تحب ان ترى مجتمعنا آمناً وخالياً من هذا المرض. وكما نقرأ في الصحف اليومية فإن المرض قد انتشر في العالم بشكل كبير ونحن كرجال دين ننصح المواطنين في حلقات درسنا بأن يلتزموا بتعاليم ديننا الحنيف فهو المنقذ الوحيد من المرض.

وأضاف: ان دين الاسلام يدعو الى التمسك بالاخلاقيات الرشيدة والتعاليم القويمة لديننا، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تدعوا الى العفة، ان العلاقات الزوجية السليمة القائمة على الوفاء المتبادل وفقا لتعاليم ديننا الحنيف والاخلاقيات القويمة هي التي تحمي الناس من شر الايدز الذي ينشره الانحراف الجنسي وهو ما يبغيه اعداء الاسلام في ظل هذه الظروف العصيبة من خلال الاحتلال الامريكي وما يبثه من سموم المخدرات في المجتمع وهو اهم اسباب انتقال الايدز بين الشباب.

وأكد: اننا ندعوا شبابنا المسلم الى التمسك بتعاليم الدين الحنيف وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام فهما الدرع الواقية للمجتمع من الانحراف. ونحن واثقون بأن اغلبية ابناء بلدنا وشبابنا هم مثقفون دينيا وعلمياً فهم عماد المستقبل وما يشيعه الاعداء حول الفساد والانحراف وجميع طرقه واغراءاته سيصطدم بجدار الايمان الراسخ في قلوب الشباب.