الكراكيب كلمة شهيرة في قاموس البشر.. تعني الأشياء التي نحتفظ بها.. ولا نستعملها.. ولا نحتاج إليها.. ولا نستطيع التخلص منها.. ورغم أننا نتعامل مع هذه الكلمة باستهتار واستخفاف قد يصل الى حد الاستهانة فإنها في الحقيقة كلمة تسيطر على حياتنا.وتعطلها.. وتفرض عليها الكسل والترهل وتبديد الطاقة الهائلة الكامنة في نفوسنا وعقولنا للتجديد والتغيير.
إن الكراكيب أخطر مما نتصور.. فهي نوع من العبودية.. تصيب عالمنا الخارجي بالزحمة.. والفوضى.. وسطوة النفايات.. وهي مشاعر تعكس نفسها على عالمنا الداخلي.. فيضطرب.. ويمرض.. ويفقد همته.. ويتوقع الخراب.. وينتظر اليأس.. ويستسلم للإحباط.. كل ذلك بسبب ملابس لا ترتديها.. وكتب لا تقرأها.. ومقاعد لا تجلس عليها.. وصحون لا تأكل فيها.. وأشياء لا تستعملها.
صاحبة هذه الصيحة التحذيرية من الكراكيب خبيرة بريطانية في النفس البشرية اسمها كارين كينج ستون.. وقد صاغتها بأكثر من طريقة في كتابها "عبودية الكراكيب".. ترجمته مروة هاشم.. ونشرته دار شرقيات.. فهي مرة تقول: إن التخلص من الكراكيب يطلق سراح حجم هائل من الطاقة المحتجزة حولها ويوجد مساحة واسعة لشيء جديد سيأتي.. وهي مرة أخرى تروي قصة فتاة شابة كانت تعالجها من المخدرات انتكست أكثر من مرة قبل أن تتماثل للشفاء فقررت أن تعالجها في بيتها الذي يشبه المستنقع.. فعملت الفتاة جاهدة على أن تزيل كل ما فيه من كراكيب ونفايات حتى يكون مناسبا لجلسات العلاج.. وبعد أن تحول البيت من مستنقع الى واحة.. شهدت الجلسات العلاجية القليلة تقدما مذهلا.. وبعد عدة أعوام لاحقة قابلتها بالصدفة في أحد الأماكن العامة ولم أستطع التعرف عليها لأول وهلة.. فقد كانت امرأة جميلة مشرقة تمتلئ بالحب والحيوية.. وأخبرتني أنها لم تعد ثانية للمخدرات لأنها استطاعت أن تقوم بإعادة تنظيم حياتها حينما تخلصت من الكراكيب.
وكتب لها شخص آخر يؤكد فيما يشبه المعجزة إنه عندما تخلص من الكراكيب في آخر أسبوعين فاز ثلاث مرات.. مرتان في عجلة الحظ.. ومرة في اليانصيب.. ونادرا ما كان يفوز في مثل هذه الأشياء.. وأعتقد أنه من الصعب أن يكون ذلك مصادفة.
ان الكراكيب حسب قاموس اكسفورد الانجليزي هي مجموعة من الأشياء المزدحمة وغير المرتبة.. لكنها في عرف مؤلفة الكتاب أربعة أنواع من الأشياء.. أشياء لا تستخدمها ولا تحبها.. أشياء غير مرتبة.. في حالة فوضى.. أشياء كثيرة في مساحة صغيرة.. وأشياء ناقصة غير مكتملة.
وأغلب الناس لا يدرون.. كيف تؤثر عليهم الكراكيب.. وبعضهم يتصور أنها أشياء سوف تساعده في حياته.. أو على الأقل سوف يستخدمها فيما بعد بمجرد تصنيفها وترتيبها.. إنهم لن يكتشفوا أن شعورهم سيكون أفضل بدونها الا عندما يبدأون بالفعل في التخلص منها.. إن معظم الأشخاص الذين يحتفظون بالكراكيب يعترفون بأنهم لا يملكون الطاقة الكافية كي يبدأوا في التخلص منها.. إنهم يشعرون بالتعب على الدوام.. والحقيقة أن الطاقة الثابتة المتكدسة حول الكراكيب هي التي تسبب الشعور بالتعب والكسل.
لقد مكث شخص ما لوقت متأخرا وهو يقرأ هذا الكتاب حتى أنه تأثر به فلم يستطع النوم.. فترك فراشه وراح يتخلص من الكراكيب حتى الرابعة صباحا.. ورغم ذلك لم يشعر بالتعب عندما ذهب الى العمل.. لقد اعتاد على الكسل.. فبعد الانتهاء من العمل كان يجلس كل ليلة أمام التليفزيون.. لكنه.. بعد التخلص من الكراكيب أكتشف أن التلفزيون أصبح من ضمن تلك الكراكيب التي لا يستخدمها كثيرا.. لذلك تخلص منه أيضا.. فقد أصبحت له اهتمامات جديدة أفضل.. ولم يعد لديه وقت لمشاهدة التلفزيون كما مضى.
إن سيطرة الكراكيب على كل ما حولنا يجعل من الصعب ايجاد مكان لشيء جديد في حياتنا.. ودائما ما تظل أفكارنا.. في وجود الكراكيب.. محصورة في الماضي.. وعندما تقابلنا مشكلة فإننا نبحث عن حلها بصورة تقليدية قديمة.. ولن تستطيع أن تفكر في مستقبل مناسب وكل ما حولك من كراكيب يذكرك بما كان.
ولاحظت المؤلفة أن كل الأشخاص الذين لديهم كراكيب لا يمارسون الرياضة.. ويصابون بالإمساك.. ويعانون من زيادة الوزن.. وكأن زيادة الوزن وزيادة الكراكيب شكلا من أشكال حماية النفس.. فعن طريق بناء طبقات من السمنة أو الكراكيب من حولك تأمل في تحصين نفسك ضد صدمات الحياة.. وخاصة ضد المشاعر التي لا تستطيع السيطرة عليها.. تقول أوبرا وينفري صاحبة البرنامج التليفزيوني الشهير الذي يحمل اسمها: إن ما تعلمته خلال محنتي مع السمنة طوال ثلاثة عشر عاما هو أنك لن تستطيع البدء حقيقة في التعامل مع زيادة الجسد الا عندما تصل أولا الى السبب النفسي الذي يعوقك عن ذلك.. إن سبب عدم تقدمنا في الحياة هو الخوف الذي دائما ما يأخذنا الى الوراء.
وعندما تعيش وأنت محاط بالكراكيب فإنه يستحيل عليك أن تعرف بدقة ما تقوم به في حياتك.. وعندما تتخلص من هذه الكراكيب يمكن أن تفكر بصورة أوضح.. وتصل الى قرارات حياتك بسهولة.. إن الناس تعاملك بالطريقة نفسها التي تعامل بها ذاتك.. فإذا كنت تقدر نفسك وتعتني بها فسوف يتعامل معك الناس بنفس الطريقة.. ولكن.. إذا كنت لا تقدر نفسك ولا تعتني بها وتتركها كما هي تعيش وسط مخلفات تتراكم حولها.. فربما تجذب إليك أشخاصا يسيئون معاملتك بطريقة ما لأنك سوف تشعر بلا وعي أن ذلك ما تستحقه.
وإذا كان لديك الكثير من الكراكيب ستميل الى تأجيل عمل أي شيء الى الغد.. فالكراكيب تتسبب في ركود وتعطيل طاقتك.. ويصبح من الصعب عليك أن تحفز نفسك لفعل أي شيء.. ولكن بعد أن تتخلص من الكراكيب سوف تندهش أنت والآخرون لرغبتك في عمل أشياء أرجأتها لوقت طويل.. تقول أرملة مات زوجها منذ خمس سنوات: إنها ظلت تؤجل التخلص من الأشياء التي تخصه.. ثم استجمعت شجاعتها وتخلصت منها.. فشعرت بأن هواء منعشا دخل حياتها على الرغم من أنها تجاوزت السبعين عاما.. ومن الصعب تصديق أنها التحقت بجامعة كي تتعلم الحاسب الآلي.. وتحلم بأن تكون المبرمجة الأولى في العالم.
وتعد الكراكيب سببا رئيسيا للنزاعات التي تحدث داخل العائلات وبين رفقاء المكان الواحد.. كما تعد الكراكيب سببا للشعور بالخجل.. خاصة إذا وصل بيتك الى درجة من الفوضى يصعب معها أن تدعو أحد أصدقائك إليه.. وتخاف أن يأتي أحدهم إليك فجأة.. يمكنك أن تعيش وحيدا في عزلة مع تلك الكراكيب.. ولكن الا تفضل أن تتخلص منها وتستعيد ثقتك في نفسك ومظهرك أمام الآخرين؟.
والاحتفاظ بالكراكيب يمكن أن يعطلك عن ممارسة حياتك.. والاستمتاع بها.. كما أنه قد يصيبك بالإحباط.. ويضاعف من عملية التنظيف.. ويجعل الأتربة رفيقا مزمنا يصعب أن يتركك بعيدا عنه.. ويجعلك إنسانا فوضويا.. فوسط الكراكيب يصعب عليك العثور على مفاتيحك أو نظاراتك أو محفظتك.. وكثيرا ما تيأس في العثور عليها إلا مصادفة وبعد عدة أسابيع.. وأحيانا تجد أن من الأسهل شراء الشيء المفقود بدلا من البحث عنه.. إن كونك فوضويا يضيع الكثير من الوقت.. وهو أمر محبط في حد ذاته يجعلك تشعر بالفشل.
والاحتفاظ بالكراكيب يمكن أن يصرف انتباهك عن الأشياء المهمة.
لكن.. لماذا يحتفظ الناس بالكراكيب؟.. وكيف تصل بأصحابها الى درجة الإدمان؟.. وكيف يمكن التحرر منها؟.. الاجابة تستحق الانتظار.
- آخر تحديث :
التعليقات