اثارت الازمة العراقية موضوع «المرجعية» حيث اظهرته بشكل واضح وبخاصة عند «الشيعة» حيث رأينا رؤوساً متعددة فالسيستاني هو المرجع ولكنه ليس الوحيد، ومرجعيته يتم الاعتراف بها لكن الممارسة على ارض الواقع كانت لمقتدى الصدر، بينما المجلس الاعلى للثورة الاسلامية كان يقوده الحكيم الاول «محمد باقر» والان يقوده عبدالعزيز بينما كان الخوئي يمثل اتجاها رابعا.
اذا كانت المرجعية واحدة فهل يخضع كل هؤلاء للمرجعية السيستانية؟ ام انهم يتباركون بها ولا ينازعونها «الولاية الدينية» بينما هم يمارسون السياسة وحمل السلاح فاذا وجدوا انفسهم في «الزاوية» عادوا وقالوا اننا مع المرجعية؟
واذا كانت المرجعية واحدة فلماذا لها رؤوس متعددة وصاروا يتحدثون عن «المراجع الدينية» وصرنا نسمع من يتساءل هل مرجعية النجف هي المرجعية ام مرجعية قم؟
اعتقد ان موضوع المرجعية برمته يحتاج الى بحث فالاصل في الاسلام قوله تعالى «واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم» فطاعة الله مستقلة وطاعة الرسول مستقلة وطاعة اولي الامر تبعية اي اذا اطاعوا الله ورسوله نطيعهم والا فلا، واولي الامر هم العلماء والحكام وكلاهما يجتهد فيخطئ ويصيب، ولهذا اوجبت الشريعة تقديم النصيحة «الدين النصيحة قيل لمن يا رسول الله قال لله ورسوله ولائمة المسلمين وعامتهم» والنصيحة لله شرح كتابه، والنصيحة للرسول الدفاع عن سنته، والنصيحة لعامتهم ارشادهم للدين، والنصيحة لاولي الامر بالتذكير والنصح وقول كلمة الحق، واولي الامر هم العلماء والحكام.
لنعترف ان موضوع المرجعية مختلف في واقعه عما كان عليه في بداية الاسلام، فالعلماء لهم مكانتهم واحترامهم وكانوا مقصدا للطلبة ولهم حيز في مجالس الامراء مع ان بعضهم ناله الاذى والتضييق بل القتل.
اما المرجعية اليوم فمختلفة بين السنة والشيعة، فعند السنة لم يعد لها مكانة وصار الناس في حالة فوضى، وكلام علمائهم غير ملزم لا للعامة ولا للامراء بل يمارسون النصح والارشاد لا اكثر.
اما الشيعة فقد احتفظوا بالمرجعية لاسباب مذهبية، فالأئمة عندهم معصومون وينوبون عن الامام المهدي «الغائب» وبالتالي فان طاعتهم لهم ليست نافلة او تمر عبر قناة القناعة بل هي امر ديني واجب التنفيذ.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: أليس اياد علاوي شيعي المذهب؟ لماذا لا يخضع للمرجعية؟ واذا كان علاوي علمانيا فاين يقف مقتدى الصدر؟ هل يخضع بحق للمرجعية السيستانية؟ واذا كان الامر كذلك فلماذا خاض المعارك مع الاميركان؟ هل استأذن السيستاني في ذلك؟ واذا كان الامر «لا» وهو ما نرجحه فهل له مرجعية شيعية اخرى؟ ام هو مرجعية بحد ذاته؟ ان ما جرى في قضية النجف يجعل المرجعية الشيعية على المحك، فتعدد المراجع يعني بطلانها لان الاوامر ستتعدد، ولو كانت المرجعية عند الشيعة كما هي عند السنة لكان الامر مستوعبا ويقال عندها هذه آراء اجتهادية، اما حينما يقال هؤلاء الأئمة معصومون وينوبون عن الامام فاننا بالضرورة سنجد انفسنا نتجه اتجاها اخر لتفسير ما يجري، هل المرجعية بالصورة الحالية هي مرجعية دينية لا سياسية؟ وهل الاسلام يقبل الفصل ما بين الديني والسياسي؟ هل ما يلقيه المرجع الديني يلزم كل ابناء الطائفة بغض النظر عن المكان والموضوع؟ ام ان لكل مكان مرجعيته، ولكل موضوع مرجعيته؟
لا نستطيع تفسير ما يجري الا انه تنازع على السلطة والصلاحيات وفي الحقيقة ان فكرة المرجعية لم تكن بهذه الصورة المذهبية المطروحة بل تم تركيبها لاسباب سياسية، وهذا التركيب اليوم يتعرض للامتحان بل تعرض مع بداية الثورة في ايران وصارت بعض الشخصيات مراجع دون سابق انذار لاسباب سياسية ومادية بينما الرتبة العلمية لم يعد لها اعتبار الا المباركة او المحاصرة.
ان ما فعله السيستاني في النجف امر يشكر عليه، وما قام به مقتدى الصدر من مقاومة امر يسجل له واتمنى ان تكون المسألة تبادل ادوار بترتيب لان العقل الاسلامي قد شبع نوما في زمن صار فيه الرويبضة متكلما.