الرياض - مصطفى الأنصاري: تحولت شبكة الانترنت بفضل الامكانات الهائلة التي توفرها عنصراً حيوياً لدعم الخلايا الارهابية في مناطق مختلفة من العالم, ومنفذاً لوجستياً داعماً وحاضناً للنشاط الاعلامي لهذه الخلايا, حتى باتت الشبكة الدولية ميداناً لمعركة قد تكون الأصعب ضد شبكات الإرهاب الدولية بما فيها تنظيم "القاعدة".

وثمة تساؤلات مثارة حول قدرة دول العالم على إيجاد حلول تقنية صارمة للحد من انتشار الجريمة على الانترنت في وقت لا تزال جهود السلطات السعودية مقتصرة في أغلب الأحيان على حجب المواقع ذات المحتوى غير القانوني, فيما تجعل الأساليب التقنية التي تسمح بتجاوز القيود التي تفرضها الجهات الرقابية, الجهود عاجزة عن كبح جماح الدعم اللوجستي للإرهابيين على الانترنت. وهذا ما دفع رئيس مركز أبحاث الجريمة في وزارة الداخلية السعودية الدكتور عبدالله اليوسف الى الاقرار بأن "رجال الأمن على مستوى الوطن العربي يواجهون تحديات كثيرة في مكافحة جرائم التقنية, ما يتطلب وسائل غير تقليدية لمواجهتها والتعامل معها". وأوصى في دراسة نشرتها "أكاديمية نايف العربية" بالعناية بالبرامج التطبيقية الوطنية لحماية أمن المعلومات وتزويد الأجهزة الإقتصادية والأمنية بالاختصاصيين والكفاءات الفنية اللازمة لذلك".

*امكانات كمية ونوعية
وحذر اليوسف من أن الارهاب "أصبح يعتمد على التخطيط والتنظيم وكثافة التسليح وضخامة الامكانات المتاحة لجماعاته بمعدلات غير مألوفة كماً ونوعاً, ما يستدعي استخدام المناهج العلمية لمعرفة أبعاد الظاهرة الارهابية على الانترنت في المستقبل ووضع تصورات استراتيجية لمواجهتها من خلال تحديث برامج التدريب والتعليم في الكليات الأمنية في الوطن العربي لمواجهة موجات العنف والارهاب التي تكتسح العالم كله". واعتبر اليوسف ان مكافحة الارهاب على الانترنت "من المستجدات الأمنية التي تحتاج إلى بحوث أمنية تنطلق من خصائص واهتمامات ذات علاقة بالسياسات الاجتماعية ولا تنطلق من اهتمامات أكاديمية وتنتهي بها, كما ينبغي أن تكون التوصيات الأمنية المقدمة في هذا المضمار واقعية من الناحية السياسية والادارية والعلمية". وكشف الدكتور عمار بكار رئيس تحرير "العربية.نت" أن التحدي الذي يواجه الخبراء والمتخصصين والسلطات الأمنية على حد سواء هو "كيفية مراقبة ملايين المعلومات التي تبث على الانترنت كل يوم وتمييز المحتوى غير القانوني من دون الاضرار بمبادئ حرية المعلومات وحرية التعبير, ومن دون الإضرار بشركات الانترنت التي نمت في شكل سريع بسبب المرونة في التعامل مع مستخدمي مواقع الانترنت, كما تتناول مناقشات المختصين كيفية تمييز هوية الشخص الذي يبث المحتوى اللاقانوني".

ولفت الى انه "على رغم تميز شبكة الانترنت بوصولها السريع لملايين الناس في وقت واحد وبكلفة منخفضة, ومن دون أي حواجز قانونية تقريباً, إلا أن هذه الصفات التي جعلت من الإنترنت ثورة غيرت العالم إلى الأبد, ساعدت شبكات الإرهاب على نشر فكرها المتطرف وتحفيز من يقتنع بهذه الأفكار على المشاركة في أنشطتها الإرهابية, ونشر أخبار مشوهة تساهم في دعم هذا الفكر وترفع من الروح المعنوية لأتباعه". إلا أن الميزة الأهم للإنترنت هي مساعدتها على خلق "المجتمع الافتراضي" الذي يمكن مجموعة قليلة جداً من الناس متوزعة جغرافياً أن تكوّن مجتمعاً خاصاً بها يساعدها على الالتحام والتواصل الدائم, الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع (غير محدد الأبعاد الكمية) هو مجتمع كبير وله وزنه, وهذا كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم المجموعات الإرهابية".

ويصف الدكتور إياس الهاجري مدير وحدة الانترنت في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية, وهي الجهة المسؤولة عن حجب المواقع التي تحمل المحتويات غير القانونية على "سيرفر" السعودية, إمكانية تمييز هوية الشخص الذي يبث المحتوى غير القانوني إلى "صعب ومتوسط فسهل", مشيراً إلى أن صعوبته لا تعني أنه مستحيل. غير أنه نفى أن يكون ضمن وسائل السيطرة على المحتويات غير المرغوب فيها تدمير مصادرها, معتبراً ان دور مدينة الملك عبدالعزيز في هذا الصدد محصور في "تقديم خدمة الإنترنت في المملكة في الجوانب التشغيلية الفنية عبر تشغيل البوابة التي تربط جميع مقدمي خدمة الإنترنت في المملكة بشبكة الإنترنت العالمية من طريق نقطتي إرتباط في كل من الرياض وجدة, وذلك بالتنسيق مع شركة الإتصالات السعودية التي توفر للمدينة خطوط الربط الدولية, كما تقوم الوحدة بتسجيل أسماء النطاقات الخاصة بالمملكة .sa".

أما في ما يخص الجوانب الأمنية وما يتعلق بذلك من حجب لنوعيات معينة من المواقع مثل تلك التي تشكل خطراً أمنياً فكشف أن دور المدينة "يتمثل في تنفيذ التعليمات التي تردها من اللجنة الأمنية الدائمة للإنترنت التي تضم عدداً من الجهات الحكومية تمثل قطاعات أمنية وأخرى غير أمنية. فالمدينة جهة تقنية بحتة وفحص محتوى تلك المواقع يحتاج إلى خبرة في الأمور الأمنية والتي لا توجد في المدينة بطبيعة تخصصها".

وضمن السياق نفسه أكد الدكتور اليوسف "أن اختراق المواقع المشبوهة التي تمارس التحريض على الإرهاب وقتل الأبرياء أمر وارد لكنه يحتاج إلى العديد من الفعاليات التي يصعب الجزم بالتمكن منها في كل حالة", مشيراً إلى أن الاستعانة بـ"الهاكرز" في هذا الاطار "أمر وارد أيضاً".

وكانت معلومات تداولتها وسائل الاعلام السعودية عشية مقتل عبدالعزيز المقرن, زعيم تنظيم "القاعدة" في الخليج, تكهنت باستعانة الأجهزة الأمنية السعودية بخبراء ومحترفين في اختراق الشبكة وكشف خيوط تسلسل التواصل عبره, ما ساهم في كشف مخبأ المقرن وخلايا أخرى ذات علاقة بـ"القاعدة" كانت تنشط على الانترنت. غير أن المصادر الرسمية اكتفت لدى التعليق على ذلك بتأكد "عدم توانيها في استخدام أي وسيلة تساهم في الوصول إلى المجرمين".

*المواقع السياسية المشبوهة
وتشير دراسة أجراها محمد المنشاوي, وهو ضابط برتبة عقيد في وزارة الداخلية السعودية, حول جرائم الانترنت إلى أن المواقع السياسية المشبوهة تمثل فقط 4.2 في المئة من اهتمام رواد الإنترنت في المملكة, إلا أن ذلك لا يقلل من تأثيرها وخطرها "باعتبارها تبتكر وسائل إجرامية لبث أفكارها ومبادئها وتلفق المعلومات وتنسج الأخبار الملفقة حولها, وغالباً ما يعمد أصحابها إلى إنشاء قاعدة بيانات بعناوين أشخاص يحصلون عليها من الشركات التي تبيع قواعد البيانات, ثم يضيفون تلك العناوين قسراً إلى قائمتهم البريدية, ويبدأون في إغراق تلك العناوين بمنشوراتهم. وهم عادة يلجأون إلى هذه الطريقة لإيصال أفكارهم الضالة إلى أكثر عدد ممكن".

وأوضح المنشاوي أن "دراسة موثقة أوضحت أن 7.5 في المئة من المتعاملين على الإنترنت تعرضوا للاشتراك القهري في المواقع السياسية المعادية, ووفق النظام فتلك المواقع السياسية المعادية مخالفة نظامية وجريمة جنائية, لأن التساهل فيها يؤدي إلى الفتن".

وتعتبر المواقع التي تميل نحو الإرهاب في السعودية محدودة إلا أنها أحياناً تفلح في اجتذاب أعداد هائلة من الزوار بفضل إثارتها لفضول القراء والمنتديات المحايدة ما يجعل هذه الأخيرة تتناقل بعض أخبارها ومنشوراتها, يساعدها في ذلك إحرازها السبق في نشر بيانات الإرهابيين من تنظيم "القاعدة" وتنظيراتهم التي تلقى اهتمام وسائل الاعلام المحلية والعالمية فضلاً عن شريحة كبيرة من السعوديين ممن يدفعهم الفضول إلى البحث عن المحظور, خصوصاً بعد تصاعد المواجهات المسلحة بين الارهابيين والسلطات الأمنية في البلاد.

وفي ظل عدم إمكانية السيطرة الكاملة على كل المواقع المشبوهة سياسياً يرى العقيد المنشاوي أن "الخيار الوحيد أمام السلطات الأمنية السعودية هو الاستمرار في الحجب والتوعية ضد الجرائم الارهابية التي ترتكب بواسطة الانترنت, وإنزال العقوبة على من يثبت تورطه في جرائم من هذا النوع".



وثمة من المراقبين من يرى أن "إشكالية الأمن المعلوماتي على الانترنت تعد معضلة عالمية إلا أنها في العالم العربي تتسم بقدر أكبر من الخطورة إذ لا تزال القوانين حيالها غير ناضجة". إلا أن الدكتور الهاجري يرى أنه "مع زيادة التجاوزات الأمنية على الشبكة خلال السنوات الأخيرة سواء في ما يتعلق بالشبكات الإرهابية أو جرائم الإنترنت المتنوعة مثل الاختراقات ونشر الفيروسات والنصب والاحتيال وغيرها, تنبهت كثير من دول العالم إلى هذه المشاكل وبدأت وضع آليات للمراقبة وتشريعات لتجريم مرتكبي تلك الأعمال ومعاقبتهم. أما على المستوى السعودي فهناك بعض الأعمال في هذا المجال لكنها تحتاج إلى مزيد من التفعيل, ولعل ما أشير إليه أخيراً من توصية لمجلس الشورى بوضع نظام شامل لأمن المعلومات هو خطوة في هذا المجال".

*بريطانيا الحاضن الأكبر للمواقع الارهابية
وبالعودة إلى الانترنت وما يشكله من أهمية لممارسي الارهاب والمتعاطفين معه يرى عمار بكار أن "أبرز المواقع التي تنشر بيانات الشبكات الإرهابية هي المواقع التي تديرها مؤسسات وأفراد أصوليون في أوروبا, وبخاصة بريطانيا, وإن كانت هذه المواقع تسعى دائماً لإبعاد نفسها عن هذه البيانات وادعاء أنها تبثها لأهداف إعلامية بحتة, وذلك لتفادي العقوبات التي ينص عليها قانون الإرهاب الجديد في بريطانيا, والذي يجير سحب الجنسية من المطالبين بتهم إرهابية من قبل دول أخرى".

وقال ان "ما هو أبعد من تبشير هذه المواقع بأهداف منشئيها, الجهات التي توفر لها الحماية باستضافتها, إذ يتساءل الكثير من الأشخاص عن الكيفية التي تحصل بها المواقع الإرهابية على مساحات لها على شبكة الإنترنت, ولماذا يتعذر ملاحقتها وإغلاقها". ويرى ان "أحد الأسباب التي تفسر وجود هذه المواقع هو ان الكثير من الشركات تستضيفها من دون أن تعلم بمحتواها".