خيرالله خيرالله:

تأتي وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى العراق في محاولة واضحة لايصال رسالة فحواها ان لا مفر من مشاركة سنية حقيقية في صياغة الدستور العراقي الجديد.
باتت الادارة الأميركية تدرك أن الاستقرار في العراق يرتكز على وجود تمثيل سني في الحكم والحكومة وأن الخلل القائم حالياً لا يمكن ان يقود سوى الى مزيد من العنف والارهاب. اكثر من ذلك ان استبعاد السنة العرب بالطريقة التي حصلت، يعتبر المصدر الحقيقي للارهاب الذي يعاني منه العراق حالياً، ذلك أن حرمان فئة كبيرة من السكان من ا بسط حقوقها والعمل على تهميشها من منطلق انها تتحمل وزر ما ارتكبه النظام البعثي ـ العائلي لصدام حسين يشكل خطأً سياسياً فادحاً. انه خطأ لا يقل خطورة عن ذلك الذي نجم عن قرار حل الجيش العراقي، وهو قرار تبين لاحقاً انه اتخذ بهدف الانتهاء من المؤسسة العسكرية ـ الأمنية التي كانت ضمانة الهيمنة السنية العربية على البلد منذ قيام العراق الحديث مطلع العشرينات، فكان فراغ لم يستطع أحد أن يملأه حتى الآن.

تحاول وزيرة الخارجية الأميركية التي قامت بأول زيارة للعراق منذ توليها منصبها الجديد انقاذ ما يمكن انقاذه وذلك عبر اظهار ان في الامكان البناء على العملية العسكرية التي ادت الى اسقاط نظام صدام حسين وتغيير طبيعة العراق بتحويله من بلد مسيطر عليه من السلطة المركزية في بغداد الى جمهورية فيدرالية تتحكم بها "أكثرية شيعية". والواقع ان الولايات المتحدة باجتياحها العراق لم تعد النظر في وضع البلد فحسب، بل اعادت ايضاً تشكيل المنطقة على حد تعبير سلفها كولن باول الذي وعد بذلك قبل مباشرة عملية اسقاط النظام العراقي بأشهر عدة.
لا يمكن الا الاعتراف بأن هناك شرق اوسط جديداً في اعقاب الذي حصل في العراق. كذلك لا بد من الاعتراف بأنه لا تزال هناك أسئلة كثيرة من دون أجوبة. في مقدمها هل يمكن المحافظة على وحدة العراق؟ أو هل يمكن التكهن بمدى النفوذ العراقي في هذا البلد المؤسس لجامعة الدول العربية مستقبلاً؟ وما هي العلاقة بين بعض الشخصيات الأساسية في الحكومة العراقية الجديدة وايران؟ وهل صحيح أن جلال طالباني ما كان ليصير رئيساً للدولة لولا رضا ايران عليه، اذ حظي دائماً بدعم من طهران خصوصاً في المواجهة العسكرية التي حصلت بينه وبين مسعود بارازاني منتصف التسعينات. وهو دعم وفر له الصمود وتحويل كردستان العراق الى منطقتي نفوذ للحزبين الكرديين الكبيرين.
أسئلة كثيرة تدور في الذهن، الا ان ما يفترض الا يغيب عن بال كوندوليزا رايس ما دامت تكبدت مشقة المجيء الى العراق على الرغم من الوضع الأمني السائد في البلد والسيارات المفخخة التي تنفجر يومياً مستهدفة كل ما له علاقة بالوجود الأميركي ورموزه، ان الاستقرار في الشرق الأوسط وحدة لا تتجزأ.

ومعنى هذا الكلام أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن ترمي بثقلها في العراق وأن تتغاضى عما يجري على أرض فلسطين حيث يبدو أن النكبة يمكن أن تتكرر ولكن بشكل آخر، اي بمنع الشعب الفلسطيني من اقامة دولة مستقلة "قابلة للحياة" على جزء من أرضه التاريخية.
قبل سبعة وخمسين عاماً، كانت النكبة الأولى وشرد شعب بكامله من أرضه. وفي العام 1967 حصلت النكبة الثانية بعدما رفض العرب استيعاب موازين القوى الحقيقية في المنطقة والعالم معتمدين على الخطابات النارية والشعارات الطنانة لتعويض هشاشة وضعهم. وفي ايامنا هذه يبدو الخوف من نكبة ثالثة في ظل الاصرار الاسرائيلي على بناء "الجدار الأمني" الذي يستهدف تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية.
في حال استمر التجاهل الأميركي لما يدور على أرض فلسطين أو على الأصح لما يسميه ارييل شارون متابعة "حرب الاستقلال" بهدف تفادي العودة الى الخط الذي كان قائما في العام 1967 في الضفة الغربية والاستيلاء على القدس، كل القدس، لن يكون استقرار في الشرق الأوسط. صحيح أن العراق بالنسبة إلى الادارة الأميركية صار اهم بكثير من النزاع العربي ـ الاسرائيلي والفلسطيني ـ الاسرائيلي، لكن الصحيح أيضاً ان هذه الادارة لا يمكن أن تكون منصفة في العراق مستندة الى "الظلم التاريخي" الذي لحق بالشيعة والأكراد في هذا البلد، وهي محقة بذلك، من دون أن ترى الظلم التاريخي الذي لحق بشعب فلسطين، هل هي في حاجة إلى النكبة الثالثة لتبدأ في الاعتراف بذلك ولتتأكد من أن لا مفر من تفادي النكبة الجديدة اذا كان مطلوباً ان يكون استقرار في المنطقة؟