أسامة مهدي من لندن: برغم ان نصف مليون مسيحي هاجروا من العراق في السنوات التي اعقبت غزو الكويت عام 1990الا ان حوالي مليون اخرين ظلوا متمسكين بعراقيتهم باحثين عن دور اكبر في الحياة السياسية العراقية لكن تفجير ستة كنائس لهم في الموصل وبغداد امس اثارات مخاوف حقيقة من هجرة نصف مليون اخر .. ولذلك تداعت المرجعيات الدينية بشقيها الشيعي والسني والمنظمات السياسية وكبار مسؤولي الدولة بالتعبير عن ادانتها للتفجيرات وتمسكها بالاخوة العراقية بين المسلمين والمسيحيين في رسائل تطمين عززها اعلان الدولة اليوم عن تحملها نفقات اعمار ماتدمر من هذه الكنائس .
ففي اعقاب سقوط نظام صدام حسين العام الماضي وظهور نزعات اصولية في البلاد خرجت من رحم الكبت الذي واجه الحريات في البلاد على امتداد العقود الثلاثة الماضية وما اعقبها من انهيار امني فأن بعض الممارسات استهدفت المسيحيين العراقيين بشكل ظلامي بعيد عن الفهم الانساني المسالم للدين الاسلامي مما دفع باعداد اخرى منهم الى الهجرة الى دول مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ونيوزيلاندة وكندا واستراليا حيث وجدوا من يحتظنهم من المؤسسات الكنسية في هذه البلدان .
وبرغم هذه الهجرة الى الخارج فان مسيحيو الداخل مصرون على البحث عن دور اكبر في العملية السياسية حيث طالب قبل ايام سياسيون مسيحيون عراقيون يمثلون ثمانية احزاب مسيحية اليوم بتمثيل افضل للمسيحيين في المؤتمر الوطني الذي يفترض ان يعين منتصف الشهر الحالي مجلسا وطنيا لمراقبة الحكومة.
وقال نمرود بيتو من الحزب الوطني الاشوري في مؤتمر صحافي في بغداد "تقرر اعطاؤنا ثلاثة في المئة من المقاعد في المؤتمر الوطني في حين ينبغي ان نحصل على خمسة الى ستة في المئة" من مقاعد المندوبين الالف الذين سيشاركون في اعمال المؤتمر.
واكد ان الهدف من المؤتمر الصحافي اظهار وحدة الاحزاب المسيحية عشية انطلاق العملية الانتخابية الطويلة التي يفترض ان تقود العراق الى السيادة الكاملة في نهاية العام المقبل .
واحتج بيتو باسم مجموع الاحزاب على عدم حصول المسيحيين الا على وزارة واحدة في الحكومة الموقتة تتولاها الوزيرة باسكال ايشو وردة وهي وزارة المهجرين والمهاجرين كما اشتكى من عدم حصولهم الا على سفير واحد من السفراء الثلاثة والاربعين الذين تم تعيينهم الاثنين الماضي وقال ان هذا لا يمثل واقع الشعب المسيحي العراقي.
وقدر البطريرك الكلداني ايمانويل ديلي الذي يرأس اكبر طائفة مسيحية في العراق في تصريح لوكالة الانباء الفرنسية عدد المسيحيين في العراق بحوالي المليون شخص من اصل 25 مليون هو عدد السكان.
وتشكل الاقليات الدينية في العراق وخصوصا المسيحيون ثلاثة بالمئة من السكان اي اقل من مليون بقليل من اصل 27 مليون عراقي معظمهم من المسلمين حيث ينص قانون ادارة الدولة الذي يعتبر بمثابة الدستور العراقي الموقت الذي تم تبنيه في آذار(مارس) الماضي وسيطبق حتى اجراء انتخابات عامة "حرية كل الاديان" وهو يقضي بان "يحترم الهوية الاسلامية لاكثرية العراقيين مع ضمان الحرية التامة لكافة الاديان الاخرى وممارساتها الدينية ".كما يعترف "بقوميتين اساسيتين" هما العرب والاكراد بالاضافة الى "قوميات اخرى" ويؤكد ان حقوقها مشروعة.
وكان دستور عام 1970 الذي تبناه النظام السابق يضمن الحرية الدينية ويحظر كل تمييز ديني
وفي كانون الاول (ديسمبر) عام 1972 حددت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في مرسوم بان القوميات الاخرى هي الاشورية والكلدانية والسريانية. والكلدان الذين يشكلون غالبية المسيحيين في العراق، طائفة كاثوليكية تمارس طقوسا شرقية. وقد انبثقت هذه الكنيسة عن العقيدة النسطورية لكنها تخلت عنها في القرن السادس عشر مع احتفاظها بالطقوس ذاتها حيث يعتبر نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز المعتقل حاليا هو اشهر الكلدانيين.
اما الاشوريون فيبلغ عددهم حوالى خمسين الفا وهم مسيحيون ابقوا على العقيدة النسطورية .. وقد انشقت كنيسة النساطرة في عام 431 بعد مجمع افسس معلنة ان المسيح فيه شخصين بطبيعتين منفصلتين الهية وانسانية وليس شخص واحد بطبيعة واحدة الهية وانسانية كما يؤمن الكاثوليك.
وفي العراق ايضا سريان كاثوليك وارثوذكس وارمن كاثوليك وارثوذكس ومنذ فترة اقرب (خلال الانتداب البريطاني) بروتستانت وكاثوليك من الكنيسة اللاتينية. وما زال مسيحييون عراقيون كثيرون يتكلمون الارامية السريانية التي كانت لغة المسيح. وفي السبعينات صدرت مجلات ثقافية ناطقة باللغتين العربية والارامية كما ظهرت برامج اذاعية وتلفزيونية باللغة الارامية.
ويعيش في كردستان العراقي حوالى 150 الف مسيحي اغلبهم من الكلدان فيما يمثل المسيحيون في الحكومة العراقية الحالية بوزيرة واحدة فقط.
قال مستشار الامن القومي العراقي اليوم ان التفجيرات التي استهدفت الكنائس العراقية امس وأدت الى مقتل عدد من الاشخاص تستهدف اجبار الاقلية المسيحية في العراق على مغادرة البلاد .
وفي محاولة لتطمين المسيحيين فقد اجتمع نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح مع رؤساء الطوائف المسيحية لعموم العــراق واعرب لهم " عن شجبه الشديد للحــوادث الارهابيــة التي قامت بها الفئــة الضالـة والتي تهدف من ورائــها تمزيق الصف الوطنــي وخـلق فتنة دينيــة باءت بالفشل من خلال التفاف وتعاطف اطياف الشــعب مع شريحة مظلومة من شرائــح شعبنا المهمة " كما اشار بيان رسمي ارسل الى " ايلاف" اليوم .
وقد ابلغ برهم رؤساء الطوائف تخصيص مبالغ مالية لترميم الاضـرار التي لحقت بالكنائـس وتقديـم المعونات وحملهم ابلاغ ذوي الشهداء تعـازي سيــادته والدعاء الى العلــي القديـر بشفــاء الجرحى .
مصادر عراقية استبعدت في احاديث لايلاف ان يكون عراقيون هم المسؤولين عن جريمة تفجير الكنائس حيث لم يشهد العراق في تاريخها الحديث مثيلا لها الامر الذي جعلها تلقي بالائمة على " ارهابيين " قادمين من وراء الحدود لزرع فتنة دينية في البلاد بعد فشلهم في تفجير فتنة طائفية بين الشيعة والسنة او عرقية بين العرب والاكراد واشارت الى اهمية اتخاذ اجراءات مشددة حول اماكن عبادة المسيحيين ومدارسهم وانديتهم لتطمينهم وايصال رسالة تؤكد تمسك الدولة بهم وبدورهم في عمليات اعادة البناء السياسي والاعمارالبنيوي في البلاد .