نصر المجالي من لندن: بثت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي وورلد سيرفيس) تقريرًا إذاعيًّا يشير إلى أن هناك ثلاث جبهات قوية تحكم سورية وتعرقل حركتها إلى الأمام وهي الجيش وحزب البعث والطائفة العلوية، وهي ذاتها على ما يبدو التي قضت على الطموحات التي كان من المؤمل تحقيقها حين تسلم الرئيس الشاب بشار الأسد مهمات الرئاسة خلفًا لوالده الراحل حافظ الأسد في العام 2000 ، وأضافت هيئة الإذاعة البريطانية في برنامجها الخاص "مهمة صحافية" الذي زار طاقمه سورية أن الرئيس بشار وعد قبل أربع سنوات بإصلاحات سياسية واقتصادية كبيرة، لكن أيا من هذه الوعود لم يتحقق حتى الآن، وأشار إلى أن الاعتقالات لا تزال مستمرة ضد المعارضين، وهنالك ركود اقتصادي كبير بسبب استمرار سيطرة الحكومة على الاقتصاد وتوجيهه.

وحسب البرنامج، فإن الرئيس بشار الأسد كانت له شعبية كبيرة حين تولى الحكم، إذ كان وعد بانفتاح سياسي واقتصادي، كما أطلق سراح مئات من السجناء السياسيين في بداية عهده.

الرئيس بشارالأسد ..
شاب إصلاحي لكنه أسيرالحرس القديم
وقالت بي بي سي "لكن رياح التغيير، كانت بمثابة جرس إنذار للأعمدة الثلاثة التي يعتمد عليها الحكم في سورية وهي الجيش وحزب البعث والأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار، ولهذا بدأت السلطات في تضييق الخناق حتى أن كل من يحاول أن يرفع صوته الآن يعرض نفسه للاعتقال".

ونقل البرنامج عن أحد الطلبة، طلب عدم الكشف عن هويته، كيف اعتقل في جامعة دمشق، حيث نقل من مطعم الجامعة مخفورا ومربوط الأيدي تحت رقابة 20 رجل أمن "كانوا يحاصرونني وألقوا بي في حافلة نقلتني إلى إدارة الأمن السياسي". وقال الطالب الجامعي إنه اعتقل لأنه كان يعبر عن احتجاجه بسبب طرد زملاء لهم من الجامعة لأنهم تحدثوا بصوت عال احتجاجا على تراجع الحكومة عن وعودها بضمان وظائف للطلبة الخريجين.

وروى الطالب كيف انه احتجز في زنزانة منفردة ولم يتكلم معه أحد لمدة أربعة أيام، وكانوا يخرجونه بين حين وآخر من الزنزانة وهو معصوب العينين "وخلال فترة التحقيق كانوا يوجهون إلي ابشع الشتائم، وكانوا يسألونني ما إذا كنت عضوا في الحزب الشيوعي؟".

ومن بين الذين قابلهم برنامج "مهمة خاصة" كان سمير ناشا الذي يواجه عقوبة السجن لثلاثة أشهر لتنظيمه محاضرة في مكتبه للمطالبة بوقف الأحكام العرفية المفروضة منذ أربعين عامًا، وهو القانون الذي يقضي بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

ونقل عن ناشا قوله "كنت صدقت أن تغييرا آت في سورية، وأن القمع سيرفع في عهد بشار، ولقد صدقت وعوده في موضوع الإصلاحات، وأيضا حين قال إن الديموقراطية تعني أن من حقك أن تعارض وأن تقول لا ، ولكن بعد أشهر قليلة من تسلمه الحكم، فإن عديدًا من ناشطي المجتمع المدني إما احتجزوا أو أعيدوا إلى السجن، وهذا يعني العودة إلى تلك الأيام السيئة الماضية".

ويقول برنامج بي بي سي إن الإصلاحات الاقتصادية تسير ببطء ثقيل، فنصف تعداد الشعب السوري (18 مليون نسمة) أقل من 19 عامًا، وهؤلاء قلقون جدا على مستقبلهم، فالبطالة عالية،والوضع الاقتصادي لا يساعد على خلق فرص عمل جديدة، والقطاع العام غير مؤهل وغير منتج "والأقاويل تشير إلى أن مجموعة مختارة قليلة من رجال الأعمال القريبين من الدائرة الضيقة للحكم هم المستفيدين وحدهم".

ونقل البرنامج أحاديث لعدد من المواطنين السوريين الذين ابدوا امتعاضهم من استمرار الأوضاع على حالتها المتدهورة، وأعرب أحدهم عن ضرورة إجراء تغيير جوهري في سورية وقال "نحن لا نتحدث عن النمط الغربي في مجال الأعمال، حيث الاقتصاد أحيانًا يؤثر على قرارات السياسيين، نحن في سورية الأمر يسير عندنا بالعكس تمامًا".

وتشير بي بي سي إلى أن السوق السورية عانت كثيرًا من الوضع في العراق، حيث فقدت سوقًا كبيرة وراء الحدود، وكذلك لم تعد تحصل على نفط رخيص، وزيادة على ذلك، فإن الولايات المتحدة مستمرة في تهديداتها بفرض مقاطعة على سورية متهمة إياها بدعم الإرهاب، وأنها لا تقدم أية مساعدة لمراقبة حدودها أمام رجال العصابات الذين يذهبون للقتال في العراق.

ونقلت عن السوري حسن آبي الذي قتل ابنه في العراق على يد الأميركيين "الناس هنا غاضبون"، مضيفًا "أن الأئمة في المساجد يشجعون الناس على الجهاد، لأنه إذا ضرب العراق الآن، فالدور آت على سورية". وكان ابن حسن آبي حصل على جواز سفر للذهاب إلى العراق خلال ساعتين فقط، وهو أمر أعرب الوالد عن دهشته له، حيث عادة "يراد وقت يمتد أسابيع أو أشهر للحصول على جواز سفر".

وخلال البرنامج، تحدثت الدكتورة بثينة شعبان وزيرة الهجرة السورية نافية دعم سورية لعمليات المقاومة في العراق "ولا أساس لها من الصحة"، وقالت "حتى لو افترضنا أن هناك سوريين يعبرون الحدود نحو العراق، فإن ذلك يتم من دون معرفتنا أو أننا سمحنا لهم بذلك".

وهناك كثير من الشباب السوري العاطل عن العمل المستميت من أجل الوظيفة، ولذلك فإن عديدًا منهم يعبرون الحدود بحثًا عن عمل، ولكن ليس بمعرفتنا. وقالت الدكتورة شعبان"ضع نفسك مكان أي عربي أو مسلم، ولك أن تتخيل كيف يكون شعورك حين بدأت القوات الأميركية دخول العراق؟.

وأضافت شعبان"كثيرون من الشباب يذهبون للعراق فقط للشعور بالرغبة بالذهاب هناك، فهم ليسوا مدربين ولا يحملون أسلحة أو بنادق، ومن المؤسف والمخجل تمامًا أن يقتل بعض هؤلاء الشباب حال عبورهم الحدود مع العراق على الفور".

وختامًا، فإن وزيرة الهجرة السورية نفت الاتهامات الموجهة لسورية باعتقالها لأشخاص كانوا يسيرون في مظاهرة سلمية، مؤكدة أن سورية حريصة أيضًا على وحدتها الوطنية "التي لا مساومة عليها، فهناك العديد من العرقيات والطوائف الدينية وكلها كأنما تعيش في وعاء واحد، ولذلك، فإننا لا نسمح أبدا لأية جهة تحاول أن تخترق الوحدة الوطنية التي نفتخر بها كونها عنصرًا مهمًّا لبقاء بلدنا واستمراره".