إيلاف من القاهرة: تتواصل الاحتجاجات في كليات الطب الجزائرية للأسبوع الثاني على التوالي، حيث تجمّع الطلاب في مختلف الجامعات والمراكز التعليمية، مطالبين بتوفير فرص توظيف مباشرة بعد التخرج، بالإضافة إلى تحسين جودة التعليم. بدأت الاحتجاجات من العاصمة الجزائرية، لكنها سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى، مع انضمام مزيد من الطلاب إلى صفوف المحتجين، الذين يعبرون عن رفضهم لما يعتبرونه "تهميشاً" مستمراً للخريجين الجدد في تخصصات الطب، وسط ارتفاع نسب البطالة بينهم.

أزمة الاعتماد والشهادات: مطالب بالتحرر من القيود
وتحولت المطالب في الأيام الأخيرة من مجرد طلبات توظيف إلى قضية أكبر تتعلق بنظام التعليم الطبي نفسه، وخاصة قضية تجميد شهادات التخرج، التي يقول الطلاب إنها تمنعهم من اتخاذ خياراتهم المهنية بحرية. وصرح أحد المحتجين بأن هذا التجميد يعتبر عائقاً كبيراً أمام أي خريج يرغب في توسيع نطاق خياراته المهنية أو مواصلة دراسته في الخارج. ويرى الطلاب المحتجون أن هذه القيود تفاقم أزمة البطالة بين خريجي الطب، الذين يواجهون صعوبات في العثور على وظائف توازي تطلعاتهم الأكاديمية والمهنية.

قسم الطوارئ الطبية في مستشفى بني مسوس في الجزائر العاصمة

هل تتسع فرص العمل للجميع؟
وأوضح يزيد حموتي، طبيب عام عاطل عن العمل وأحد المشاركين في هذه الاحتجاجات، أن الحكومة رفعت عدد المقاعد الجامعية لدراسة الطب من 6,000 إلى 20,000 مقعد، لكن دون أن تراعي حجم الاستيعاب المتاح في سوق العمل. وبيّن حموتي في حديثه لقناة الحرة أن هذه الزيادة في أعداد المتخرجين خلقت "توازناً مختلاً"، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الأطباء، معتبراً هذا الوضع "تناقضاً" بين سياسة التوسع الأكاديمي والواقع العملي.

لجنة إصغاء لتلبية المطالب
ومع استمرار الاحتجاجات واتساعها، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تشكيل "لجنة إصغاء" هدفها دراسة مطالب طلاب الطب عن كثب. وذكرت الوزارة أن اللجنة ستعقد اجتماعات مكثفة مع ممثلي الطلاب لبحث شكاويهم وتحديد الحلول الممكنة. وأكدت أن التقرير النهائي من اللجنة سيشمل تقييماً شاملاً لأبرز التحديات، من أجل صياغة خطة عمل يمكن أن تُحدث توازناً بين طموحات الطلاب واحتياجات الدولة.

اعتراف برلماني بالمطالب وحرص على سد ثغرات النظام الصحي
واعتبر السعيد حمصي، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب الجزائري، أن المطالب التي تقدم بها الطلاب المحتجون "مشروعة"، لكنه أشار في حديث لقناة الحرة إلى أن السلطات الجزائرية لديها توجه خاص يهدف إلى تلبية الاحتياجات الوطنية، خصوصاً في ظل زيادة هجرة الأطباء إلى الخارج.
وأضاف حمصي قائلاً: "الجزائر عانت من أزمة هجرة أطباء خلال تسعينيات القرن الماضي، وعلينا الآن أن نعمل على الحفاظ على كفاءاتنا الطبية. من غير المقبول أن يهاجر الخريجون الجدد إلى الخارج فور تخرجهم، محدثين نزيفاً خطيراً في القطاع الصحي على المستوى الوطني".

تجربة الجزائر ومصر في مواجهة نزيف الكفاءات الطبية
ويشير وضع الأطباء في الجزائر إلى تحديات مشتركة مع دول أخرى مثل مصر، التي تواجه بدورها ارتفاعاً في أعداد الأطباء المستقيلين والذين يفضلون العمل بالخارج. مؤخراً، اقترح البرلمان المصري مشروع قانون يفرض على الأطباء الراغبين في الهجرة دفع ثلاثة أضعاف تكاليف تعليمهم الجامعي، وهو مقترح أثار جدلاً واسعاً حول فعاليته في الحد من هجرة الأطباء، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها.
وتعتبر هذه السياسات في الجزائر ومصر محاولات للسيطرة على ما يُعرف بـ"هجرة الأدمغة"، وهي ظاهرة تهدد استقرار النظام الصحي المحلي وتضع ضغوطاً إضافية على خدمات الرعاية الصحية.

مطالب الطلاب: هل ستحقق لجنة الإصغاء أهدافها؟
ينتظر طلاب الطب في الجزائر النتائج التي ستسفر عنها اجتماعات "لجنة الإصغاء" بترقب، ويعبرون عن أملهم بأن تؤدي تلك الاجتماعات إلى خطوات ملموسة لتحسين أوضاعهم، سواء من حيث التوظيف أو ضمان جودة تعليمهم الأكاديمي. كما يعربون عن خشيتهم من أن تكون الوعود الحكومية مجرد وعود مؤقتة لا تؤدي إلى تغييرات جذرية تلبي طموحاتهم وتخفف من التحديات التي يواجهونها في مسيرتهم المهنية، خصوصاً في ظل حاجة القطاع الطبي إلى إصلاحات أساسية تضمن استقرار النظام الصحي وتجعل منه قادراً على استيعاب الكفاءات الشابة.