منذ نحو أسبوع، توالت تقارير إعلامية في وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية تتحدث عن مقترح مصري أو "مبادرة لحسن النوايا" تهدف إلى هدنة مؤقتة في غزة تتضمن إطلاق سراح رهائن وسجناء من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

مصدر مصري قريب من محادثات وقف إطلاق النار في غزة قال في وقت سابق ل بي بي سي "إن مقترحاً مصرياً كان في طور الصياغة يتضمن هدنة لمدة أسبوعين في غزة ينص على إطلاق سراح خمس أو سبع رهائن إسرائيليين مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين".

وتعددت التكهنات بمدة وتفاصيل هذه الهدنة إلى أن أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأحد، أن بلاده طرحت مبادرة من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة يومين، يتم خلالها تبادل إطلاق سراح 4 من الرهائن الإسرائيليين في القطاع مقابل عدد من السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.

الإعلان المصري جاء في سياق مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي اختتم الاثنين زيارة رسمية إلى القاهرة.

وقال الرئيس المصري خلال المؤتمر الصحفي "طرحنا مبادرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة يومين لتبادل 4 رهائن مع بعض السجناء الفلسطينيين، ثم خلال 10 أيام يتم التفاوض لتحويل الهدنة لدائمة، مع السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر".

وخلال المؤتمر، أكد السيسي مجدداً رفض مصر "أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من القطاع لأنه ليس في صالح القضية الفلسطينية".

وفي حديثه لبي بي سي نيوز عربي يقول الخبير العسكري المصري محمد الشهاوي، مستشار كلية القادة والأركان بالقاهرة إن "ظهور المقترح المصري بشكل رسمي في شكل إعلان من قبل الرئيس السيسي يجب أن يدفع كلا الجانبين حماس وإسرائيل إلى قبول العرض المصري، خاصة على ضوء استمرار الخسائر التي تتعرض لها القوات الإسرائيلية في مناطق مختلفة من قطاع غزة، والجبهة التي فتحتها في لبنان، بالإضافة إلى الضغوط الشديدة المتواصلة التي يتعرض لها رئيس الوزراء نتانياهو من أجل إطلاق سراح الرهائن".

الرد الإسرائيلي

الرد الإسرائيلي على المبادرة المصرية لم يتأخر كثيراً، فقد نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير رفضوا المقترح المصري.

وأضافت القناة أن المستوى الأمني وافق على المقترح لكن نتنياهو أبدى تصميما على مبدأ المفاوضات تحت النار وطلب من رئيس الشاباك رونين بار التوجه إلى مصر لتعديل المقترح.

وقال مصدر مصري قريب من محادثات وقف إطلاق النار في غزة لبي بي سي، إنه من المنتظر وصول رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي رونين بار إلى القاهرة، وكانت مصادر قريبة من محادثات التهدئة الدائرة حالياً في العاصمة القطرية الدوحة تشير إلى أن الجانب الأمريكي طرح الدعوة إلى اجتماع موسع يتم خلاله التفاوض على الملفين "غزة ولبنان" دفعة واحدة.

وأوضحت المصادر ذاتها لبي بي سي أن الجانب الأمريكي يرغب في إنهاء الصراع الدائر حالياً قبل الانتخابات الأمريكية، من خلال التوافق على إنهاء الحرب في قطاع غزة ولبنان عبر صفقة مجمعة يعود بمقتضاها الرهائن الإسرائيليون الذين مازالت حركة حماس تحتجزهم في القطاع منذ أكثر من عام.

ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي موشيه إلعاد ل بي بي سي إن "الزمن تجاوز الطرح المصري، وأن الجانب الإسرائيلي يرغب في إنجاز صفقة شاملة تعيد الرهائن الذين يمثلون عامل ضغط كبير جداً على حكومة نتنياهو".

الكل مقابل الكل!

ويقول إبراهيم الدراوي الصحفي المصري المقرب من حركة حماس، إن الحركة طلبت من الوسطاء تعديل المقترح وفق آلية "الكل مقابل الكل، بمعنى إطلاق سراح جميع الرهائن وأكبر عدد ممكن من السجناء الفلسطينيين مع وقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع".

ولم يصدر عن حركة حماس أي بيانات رسمية بشأن المقترح المصري الأخير، غير أن مسؤولاً منسوباً للحركة صرح لأحد المواقع العربية أن الحركة الفلسطينية ستقترح على الوسطاء المشاركين في مباحثات العاصمة القطرية الدوحة - التي بدأت الأحد - صفقة شاملة لإنهاء الحرب بصورة فورية، وتنظم الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، بالتزامن مع تبادل رهائن يشمل جميع المحتجزين الإسرائيليين "دفعة واحدة".

معبر رفح
Reuters

كيف يرى الغزاويون المقترح؟

واستطلعت بي بي سي نيوز عربي بعض الأصوات من قطاع غزة حول المبادرة المصرية والمحادثات الدائرة حالياً في الدوحة.

وتقول أم محمد من شمال قطاع غزة، إن الأوضاع في شمال غزة صعبة، "نحن نتفاءل في الفترة القادمة بالخير لأنهم كانوا يقولون إن الذي يعطل صفقة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، يحيى السنور وقد استشهد، وإن شاء الله تمر الأمور ولا أظن أن هناك أي شيء آخر يعرقل الصفقة، وعندما نسمع كلمة المفاوضات نتفاءل أن الحرب سوف تنتهي ونعود لبيوتنا وأود أن تنتهي هذه الحرب" على حد قولها.

من جانبه يقول عبد الله وهو نازح فلسطيني من معسكر جباليا: "أنا صرت كل ما أسمع مفاوضات أضحك لأننا نعلم جيداً أن وضعنا صعب، والمفاوضات فكرة بائسة، لقد مللنا من أنهم يقولون لنا في كل يوم أن هناك حلاً، وفي نهاية الأمر يطلع فستق فاضي دون نتيجة، نريد أن نعود لبيوتنا، ولا نريد أي شيء آخر" على حد وصفه.

أما شهاب من سكان معسكر جباليا أيضاً فيقول: "لا يوجد أي تفاؤل فيما يتعلق بموضوع المفاوضات، ولكن نتمنى من الله ألا يحدث أي اختراق للنقاط التي يتم التفاوض بشأنها، المجازر مازالت مستمرة، وقيادتنا كان من المفترض عليها أن توقف الحرب عندما بدأت تحدث المجاعات قبل نحو عام، ولكن مازالت الحرب دائرة، وهناك عائلات كاملة تم محوها من السجل المدني".

وبنبرة متشائمة يقول أبو صلاح من حي الرمال: "الوضع الذي نعيشه سيء جداً، أنا أرى أنه لا جدوى من أي مفاوضات في الدوحة أو في أي مكان آخر، مادامت إسرائيل متشددة، ومادامت أمريكا أيضاً متشددة، لمن المفاوضات؟ كل يوم يتحدثون عن المختطفين وترتيبات أخرى، وكل طرف يرمي على الطرف الآخر، لذلك أسأل أين الحل؟".

محادثات الدوحة

ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء عما وصفته بـ"المسؤول المطلع"، أن مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، يجتمعون في الدوحة لبدء مفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق جديد قصير الأمد لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح بعض المحتجزين لدى حركة حماس، مقابل إطلاق سراح معتقلين وسجناء فلسطينيين.

وأضاف المسؤول أن المحادثات تهدف إلى إقناع إسرائيل وحماس بالموافقة على وقف إطلاق نار في قطاع غزة لمدة أقل من شهر، على أمل أن يؤدي ذلك إلى اتفاق أكثر استدامة.

وتقود الولايات المتحدة وقطر ومصر مفاوضات لإنهاء الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي قتلت ما يقرب من 43 ألف فلسطيني، وتسببت في تدمير القطاع المكتظ بالسكان.

وتوقفت المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة منذ حوالي شهر، بحسب تصريحات رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال مؤتمر صحفي في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وقال بن عبد الرحمن، بعد قمة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي قبل أيام إنه "لم يكن هناك أي محادثات على الإطلاق خلال الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الماضية، ونحن نتحرك في نفس الدائرة مع الصمت من جميع الأطراف".