خلف خلف من رام الله:
قالت المصادر الإسرائيلية أن الرئيس المصري حسني مبارك سيوضع لأول مرة على محك الاختبار، فقد طرحت ثلاث شخصيات مصرية نفسها لرئاسة الجمهورية، وأضافت المصادر بان مبارك يعاني من ارتفاع في ضغط الدم، وكذلك كان قد أجرى عملية بالظهر، وبلغ سن السادسة والسبعين من عمره، وتعرض لمحاولة اغتيال واحدة كرئيس، كل هذه المعطيات ستطرح عما قريب على محك اختبار جديد آخر ذو نتائج لا يرقى إليها الشك (تقريبا)، ففي أيار القادم سيرشح البرلمان المصري حسني مبارك كمرشح وحيد لست سنوات أخرى كرئيس لسبعين مليون مواطن مصري.
وحسبما قالت صحيفة هآرتس فأن هذه الصورة قد بدأت بالتصدع منذ الآن، فقد أعلنت ثلاث شخصيات مصرية معروفة قرارها بترشيح نفسها للرئاسة، وأضافت الصحيفة: أن الشخصيات رغم معرفتها بأن فرصتها بالنجاح محدودة، إلا انها مصممة على إحداث نقلة تاريخية تنتزع من البرلمان الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم برئاسة مبارك صلاحية تحديد المرشحين للرئاسة، لهذا السبب يتوجب عليهم تغيير الدستور، وهذا الأمر يتطلب مصادقة مجلس الشعب،هذا المجلس لن يصادق على التعديل بدون موافقة من مبارك، أحزاب المعارضة أيضا، وعلى رأسها حزب الوفد الجديد، تعرف أن هذا الأمر سيكون مستحيلا، ولكنها مع ذلك تواصل قرع طبول الإصلاح.
الكل يغني على هواه
الإصلاح هو كلمة مشحونة في مصر اليوم، ففي الوقت الذي يركز فيه بوش على عملية تصدير الديمقراطية، يقوم كل طرف بتفسير هذا المصطلح على هواه، بينما تقصد الولايات المتحدة من ذلك تغيير طريقة الانتخابات والدمقرطة، قام المصريون بدورهم بتبني تفسير آخر للموضوع، الإصلاح حسب المفهوم المصري هو تغيير أنظمة الحكم الإدارية والاقتصادية، ولكن ليس السياسية، حسب ما تحدثت الصحافة العبرية اليوم.
الاصلاح في النظام، كما يوافق المصريون، هو مسألة ضرورية، يتوجب تقليص البيروقراطية الثقيلة التي لا تُفسح المجال أمام إحداث تغيرات فعلية في الاقتصاد والتعليم والمجتمع. ومع ذلك، يثير الإصلاح السياسي في العادة معارضة قوية. أحد الأسباب من وراء ذلك هو تحول الإصلاح السياسي اليوم إلى كلمة مرادفة للخنوع للضغط الأمريكي، المثال الصارخ على ذلك يمكن أن نجده في مواقف أحزاب المعارضة غير المنهجية، في هذا الأسبوع صرح خالد محيي الدين، الزعيم التاريخي لحزب التجمع اليساري، بأنه يعارض إلغاء الاستفتاء العام الذي يتم انتخاب الرئيس من خلاله في مصر.
وتحدثت صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليوم أن محيي الدين كان قد استقال من قيادة حزبه في السنة الماضية، ولكن حزبه وقائده الجديد، رفعت السيد، كان الجهة التي طالبت بتغيير طريقة الانتخابات بإتاحة المجال لترشيح أشخاص آخرين غير الرئيس قبل شهرين، الأخوان المسلمون أيضا يطالبون من جانبهم بتغيير الدستور، ليس فقط لإفساح المجال أمام مرشحين آخرين، وإنما بالأساس لشطب البند الذي يحظر إقامة أحزاب ذات برنامج ديني. من أجل الالتفاف على هذا البند اعتاد ممثلو الأخوان المسلمين ترشيح أنفسهم للبرلمان كمستقلين أو من خلال قوائم الأحزاب الأخرى.
وحسبما تقول وسائل الأعلام الإسرائيلية فأن هذه الطريقة أيضا لم تنجح في إعطاء وزن جوهري في مجلس الشعب لأحزاب المعارضة بما فيها حركة الأخوان المسلمين، فالارتكاز على قوة الحزب الحاكم المطلقة سمحت لوزير الداخلية المصري في هذا الأسبوع بأن يصرح أن التحضيرات ستبدأ لتنظيم الاستفتاء الشعبي في شهر أيار القادم بعد أن يصادق مجلس الشعب على ترشيح مبارك. لم تُطرح أية علامة استفهام في آخر هذه العبارة التي صدرت عنه.

الواقع معروف..لكن!
وتشير المصادر الصحفية الإسرائيلية أن الواقع معروف جيدا لنوال السعداوي أيضا ولسعد الدين إبراهيم ولمحمد حسنين، الثلاثة الذين أعلنوا عن نيتهم ترشيح أنفسهم للرئاسة. نوال السعداوي، طبيبة الإمراض النفسية، البالغة من العمر 75 عاما والتي تعتبر قائدة للحركة النسوية الحديثة في مصر، أضفت اهتماما كبيرا على الحملة الانتخابية، السعداوي أجبرت محمد سيد الطنطاوي، رئيس الأزهر، المؤسسة الشرعية العليا في الدولة، على تحديد موقف فقهي من قضية قدرة امرأة على أن تكون رئيسا.
الطنطاوي أفتى بصورة ايجابية فأثار ضده عددا من المعارضين ومن بينهم بعض رجال الفتوى والمفسرين في الأزهر. مفتي الجمهورية، علي جمعة، قرر بأن المرأة لا تستطيع أن تلعب هذا الدور لأنها "غير قادرة على ذلك من الناحية الجسدية، وخصوصا على خلفية الآلام التي تعاني منها في فترة الحيض". الشيخ عبد الله مغاور، رئيس دائرة الفتوى في الأزهر، اتخذ موقفا وسطيا يُسمح فيه للمرأة بأن تكون رئيسا "شريطة أن لا تتلامس مع الرجال".

نوال السعداوي حوّلت كل هذه المواقف إلى مسألة مضحكة بصورة مدوية، حسبما تشير هآرتس والتي أضافت: السعداوي التي وصفت رجال الدين قبل عامين بأنهم أشخاص جشعون، وقالت أن أغلبيتهم من عبدة الأوثان، شددت من انتقاداتها أكثر في هذه المرة، "لست أرى كيف لا تؤدي الدورة الشهرية إلى عرقلة الفلاحات من أداء عملهن من الصباح حتى المساء في الحقول، هذا الادعاء سخيف بصورة استثنائية، ذلك لان النساء يدخلن إلى السياسة في سن متأخرة عندما تكون قضية الحيض غير قائمة لديهن، ولكن حتى إذا كانت هذه المشكلة قائمة فلماذا نجحت مارغريت تاتشر وغولدا مئير أو بنازير بوتو في أداء دورهن بدون صعوبة؟ وحتى في مصر أنظروا كيف قامت زوجة الرئيس أنور السادات بإدارة الشؤون العامة وكيف تقوم زوجة مبارك بترؤس المؤتمرات والاجتماعات التي يشارك فيها الوزراء، تذكروا كيف كانت تاتشر تتجول في الشوارع برأس مرفوعة بينما يسير في أعقابها قادة دول العالم الثالث برؤوس منحنية".
وحسب المصادر الإسرائيلية فان السعداوي لم تحبس سهام لسانها اللاذعة عن النساء اللواتي وجهن الانتقادات لها بسبب عزمها ترشيح نفسها، وقالت عن إحداهن، وهي الدكتورة آمنة نصير، المحاضرة في التفسير الديني في جامعة الأزهر والتي انتقدتها قائلة "انها تتنكر للكثير من مبادىء الشريعة" - السعداوي قالت: "يبدو أن النساء اللواتي يتبوأن عندنا مواقع هامة في الحكم قد وضعن الحجاب على عقولهن وليس على رؤوسهن".
لا أمكانية... للنجاح
المرشح البارز الآخر الذي يفتقد إمكانية النجاح هو الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للأبحاث والمحاضر في علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ابراهيم سُرح من السجن قبل سنة بعد أن أُدين بتلقي أموال من جهات أجنبية وإساءة استخدام الأموال، القضية كانت قد بدأت في عام 2000. إبراهيم الذي كان قد نشر قبل ذلك بفترة قصيرة تقريرا حول وضع الأقباط المتردي في مصر، رغب في تعيين تلاميذه كمراقبين على انتخابات مجلس الشعب في شهر تشرين الثاني من تلك السنة، حسب وسائل الأعلام الإسرائيلية و التي أشارت: رغم الأدلة القانونية الواهنة وتصريحات الاتحاد الأوروبي (الذي كان قد أعطى ابراهيم تبرعات لمركز أبحاثه) والتي تفيد بأنهم لم يجدوا إخلالات في إدارة الأموال في المركز، قررت المحكمة إدانته. سعد الدين إبراهيم لم يخرج من السجن إلا بعد حملة احتجاجات تشمل القارات والضغوط الامريكية القوية (ابراهيم هو مواطن امريكي بسبب جنسية زوجته). مبارك "أوصى" باعادة النظر في الاتهامات المنسوبة إليه.
سعد الدين ابراهيم يعلم انه لا يملك فرصة للنجاح، ولكنه يرغب في ترشيح نفسه "فقط حتى يدرك الجمهور ما هي حقوقه وحتى يُحفز الأجهزة والمؤسسات على تغيير الدستور"، الجانب المثير هو معارضو سعد الدين إبراهيم تحديدا، هؤلاء لم يأتوا من صفوف النظام وإنما من صفوف المعارضة الناصرية تحديدا. المعارضة الناصرية تؤيد أفكار إبراهيم من حيث المبدأ ولكنها لا تستطيع أن تتحمل "بأن سعد الدين صهيون"، كما ينعتونه بسخرية في مجلة الحزب الناصري، "الشخص الذي تلقى الاموال من الأمريكيين والذي يدعو للتطبيع مع إسرائيل" سيكون حاملا للواء الدمقرطة في مصر.

ادعاءهم المركزي هو انه إذا كان يخوض المنافسة على الرئاسة، فلا شك أن الأمريكيين الذين يرغبون في تحويل مصر إلى نموذج للتغيير في الشرق الأوسط هم الذين يقفون من ورائه. ومن خلف الأمريكيين، بالطبع، يقف اليهود. عندما يكون هذا هو المنطق، فان الناصريين أيضا على استعداد لدعم مبارك. ذلك لان المعركة هي معركة قومية، ولذلك يتوجب فيها الاصطفاف في مواجهة الضغوط الخارجية.
جمال مبارك ينتظر الفرصة
وجدير بالذكر أن وسائل الأعلام تشير إلى أن اسم جمال مبارك الابن الأكبر للرئيس المصري ما زال خفيا في كل هذه المعركة، فهو يترأس اللجنة السياسية في الحزب الحاكم، ما زال ينتظر اللحظة الصحيحة، أي لحظة انتخاب والده، حتى يظهر، وهذا سيأتي بعد سنة حافلة بالتأويلات والتكهنات حول ترشيح جمال لنفسه وحول الخلافة المتوقعة، تتوطد في مصر المؤشرات بأن مبارك الأب سيكون المرشح الأوحد، وانه هو الذي سيفوز في الاستفتاء العام الذي تم تقديم موعده إلى أيلول (بدلا من منتصف تشرين الاول) من أجل إفساح المجال لحملة الانتخابات البرلمانية التي ستجري في شهر تشرين الثاني، حتى تسير من دون ضغوط.