عبد الله الدامون من طنجة (شمال المغرب): يحتفل المغرب وإسبانيا هذه الأيام بمرور خمسة وعشرين عامًا على أول زيارة قام بها ملك إسبانيا خوان كارلوس إلى المغرب سنة 1979.ربع قرن مر على تلك الزيارة التي تركت في طريقها الكثير من الأحلام المجهضة والآمال التي لم تتحقق والمشاكل التي ازدادت يوما بعد يوم.

في أول زيارة للعاهل الإسباني إلى المغرب أواخر السبعينات من القرن الماضي لم تكن هناك الكثير من المشاكل الموجودة الآن بين البلدين. وقتها لم يكن أحد يسمع عن الهجرة السرية بين المغرب وإسبانيا التي كان المهاجرون المغاربة في باقي بلدان أوروبا يعبرونها كما يعبرون أية قنطرة.

ولم يكن موضوع تهريب المخدرات المغربية نحو إسبانيا يستحق اهتماما يذكر لأنه كان ما يزال في بداياته الجنينية.
أما قضية الصيد البحري فلم تكن مطروحة أساسا للنقاش لأن أسطول الصيد الإسباني كان "يمارس مهامه" في المياه المغربية معتبرة إياها مياهه الخاصة مقابل حفنة من الدولارات.

كما لم يكن موضوع التعاون الأمني مكثفا مثلما هو عليه الآن بعد تفجيرات الدار البيضاء ومدريد، اللهم ذلك التعاون "السري" والمتقطع بين نظام فرانكو والمغرب الذي كان يتسلم بين الفينة والأخرى معارضين مغاربة هاربين من المتابعة ومن الإعدام.

عندما زار خوان كارلوس المغرب كان ما يزال شابا خارجا للتو من أربعة عقود طويلة من الحكم الفردي للجنرال الراحل فرانسيسكو فرانكو، وبلاده كانت ما تزال تتعثر في خطاها الديمقراطية وفي الانقلابات التي تلت تلك الزيارة أشهرها انقلاب أوائل الثمانينات الذي ترك البلاد تعيش على أعصابها لعدة أيام.

وحده موضوع الصحراء كان في أوجه بعد أربع سنوات فقط على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء حين زحف 350 ألف مغربي على الصحراء في وقت كان الجنرال فرانكو يلفظ أنفاسه الأخيرة. أما قضية سبتة ومليلية فكانت دائما مسألة مزاج للحكومات المغربية التي تطالب بها بين الفينة والأخرى على سبيل التذكير فقط.

الذين عايشوا تلك الزيارة مازالوا يتذكرون شيئا واحدا حظي باهتمام كبير حين طرح الملك الراحل الحسن الثاني وخوان كارلوس مسألة بناء ربط قار بين المغرب وإسبانيا على شكل جسر أو قنطرة تربط المغرب وإسبانيا والقارتين الإفريقية والأوروبية.

الآن مرت سنوات طويلة من تحت الجسر بينما رحل الملك الحسن الثاني منذ أكثر من خمس سنوات وكادت حكاية الربط القار بين البلدين تدخل غياهب النسيان قبل أن تعود إلى الأضواء قبيل زيارة العاهل الإسباني إلى المغرب.
ربع قرن مر على بداية الحلم الإفريقي الأوروبي الذي يحتفل هذا العام باليوبيل الفضي من دون أن يبدو أي أثر لإمكانية إنجازه غير بعض الدراسات هنا وهناك.

ففي العاصمة المغربية يوجد مكتب في شارع العلويين يسمى مكتب دراسة الربط القار بين في مضيق جبل طارق. لكن هذا المكتب يعاني موظفوه من التبطل والكسل ويرفضون أي حديث مع الصحافة.

كل ما يفعلونه هو أنهم يصدرون بين الفينة والأخرى مطبوعات وصور جميلة وأنيقة بالألوان لقناطر وجسور مختلفة تربط بين الضفتين المغربية والإسبانية بمضيق جبل طارق.

ربما تبخر حلم القنطرة لأن الكثير من المشاكل طفت فجأة في العلاقات المغربية الإسبانية ولم تترك مكانا لأحلام الربط القار. لكن مسؤولي البلدين يتحدثان اليوم عن مرحلة جديدة وواعدة في العلاقات بين البلدين، بل إنهما سيفتتحان أول جامعة إسبانية في شمال المغرب سميت "جامعة الملكين" نسبة إلى العاهلين محمد السادس وخوان كارلوس.

كذلك فإن المغرب مستعد اليوم لتجديد اتفاقية الصيد البحري مع الإسبان بشروط جديدة، وهو يلقي القبض كل عام على خمسة عشر ألفا من المهاجرين السريين، ويقول إنه يحارب تهريب المخدرات أيضًا.

أما قضية الصحراء فإنه لم يحدث من قبل أن كان موقف إسبانيا قريبا من الموقف المغربي مثلما هو عليه الأمر الآن، حتى أن الموسيقى التي استعملت في استقبال العاهل الإسباني في مراكش كانت بلحن أغنيات شهيرة لسنوات السبعينات حول المسيرة الخضراء وتحرير الصحراء من الحماية الإسبانية.فهل تكون القنطرة أخيرا، أم أنها ستنتظر الاحتفال باليوبيل الذهبي كأشهر حلم عزّ تحقيقه؟