بشار دراغمه من رام الله: الفشل منذ الأيام الأولى، هذا ما كانت تتوقعه إسرائيل للرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبو مازن)، حيث استعدت مرارا لإعلانه (عرفات جديدا) بعد أيام فقط من توليه لمهام منصبه الجديد، لكنه أثبت خلال الأيام الماضية أنه يمتلك قدرات سياسية وضعت إسرائيل في موقف محرج.
وسائل الإعلام الإسرائيلية أقرت بذلك وأفردت الصحف العديد من صفحاتها للحديث عن هذا الموضوع حيث تقول صحيفة "هآرتس" في نسختها العبرية إن عباس أحرج القيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل في نشاطه السريع لوقف نار القسام والراجمات في قطاع غزة ، ونشر قوات السلطة في مناطق اطلاق الصواريخ. وقالت مصادر سياسية وأمنية في نهاية الاسبوع ان ابو مازن "عمل في ما فاق توقعاتنا". والان يأملون في ان يستكمل نشر القوات في جنوب القطاع ايضا، وان يواصل من هناك لتعزيز التنسيق الامني مع اسرائيل في الضفة الغربية، كخطوة أولى لتلقى المسؤولية عن المدن الفلسطينية.
وتشير الصحيفة إلى ان الاحداث في الايام القريبة المقبلة ستكون حاسمة على استمرار المسيرة. ولكن منذ الان واضح ان تغيير القيادة الفلسطينية حقق انعطافة في الواقع السياسي والأمني. تصريحات عباس ضد الانتفاضة المسلحة ونشاطاتها في الاونة الاخيرة تثبت أن سلفه ياسر عرفات، قاد الانتفاضة المسلحة ودعم العمليات ضد إسرائيل على حد قول الصحيفة.
وتتابع: " فقد كان عرفات يتمتع بشرعية وقوة سياسية أكثر من خليفته، وقوات الامن التي كانت تحت تصرفه كانت أكثر تنظيما، على الاقل في السنتين الاوليتين من المواجهة. ومع ذلك، فان عرفات لم يتخذ حتى ولو ادنى الخطوات لوقف النار، تلك التي يتخذها الان ابو مازن، وحسب التقدير في اسرائيل، فان الجدول الزمني الاصلي لعباس عانى فقدان الالحاحية، فقد اعتزم الاحتفال بالانتصار في الانتخابات، وفقط في الشهر المقبل عقد محادثات مع حماس لوقف اطلاق النار.
وحسب هآرتس فان العملية الشديدة في معبر كارني قبل عشرة أيام جاءت فأمسكت بعباس متلبسا بعدم الجاهزية وكان رد فعله الاولي فاترا. وفقط تحت الضغط الاسرائيلي والدولي فهم بان عليه ان يعمل على الفور، حيث إن رزمة الضغوط الاسرائيلية نشأت في مشاورات عاجلة من كبار مسؤولي هيئة الاركان، اجريت في معبر كارني في السادسة صباحا غداة العملية. رئيس الاركان، الفريق موشيه يعلون، نقل في ختامها ثلاث توصيات لرئيس الوزراء ارييل شارون: وقف الاتصالات السياسية، تجنيد ضغط دولي على السلطة، والاعداد لعملية عسكرية في القطاع. وقد تبنى شارون الاقتراحات، فانطلقت حملة الضغوط على الطريق يوم الجمعة.
وعرضت اسرائيل مطلبين على ابو مازن: نشر قواته في منطقة اطلاق الصواريخ، والتحقيق بالعملية في كارني. وقال دبلوماسي اوروبي في نهاية الاسبوع ان "مطالبكم كانت معقولة ومنطقية". وانخرطت الاسرة الدولية برئاسة الولايات المتحدة في المساعي الى شرح الالحاحية لعباس، وقد استجاب.
وتؤكد الصحيفة أنه ومع اداء الرئيس الاميركي جورج بوش الولاء القانونية وتسلم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس مهام منصبها يتجدد التدخل الاميركي في المنطقة. حيث إن السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة، داني ايالون استعد منذ الان لموجة الزوار الذين سيغمرون واشنطن: بينهم وزير الخارجية سيلفان شالوم ومستشار رئيس الوزراء دوف فايسغلاس. وسيلتقيان رايس، ومستشار الامن القومي الجديد ستيف هيدلي ومساعديهما وسيبحثان معهم في مواصلة المسيرة. أما الموقف الاسرائيلي فهو منقسم كما كان دوما. رئيس الوزراء يريد تعزيز عباس ولكنه يريد أيضا ان يضمن الا تبدأ حربه ضد المنظمات المسلحة وتنتهي بالخطوات الاولى التي اتخذها في غزة.
وفي الادارة الأميركية يتوقعون من اسرائيل مواصلة التسهيلات "لاعطاء مجال عمل" لابو مازن؛ وفي السياق ايضا التنسيق معها في تنفيذ فك الارتباط. وتقدر مصادر اسرائيلية بان اسرائيل ستقف أمام مطالب اميركية لتجميد الاستيطان في غزة وعلى ما يبدو أيضا وقف بناء جدار الفصل. ويقول مصدر أمني انه "يحتمل أن يكون فاتنا القطار في بناء الجدار، ولا سيما في القدس. ويحتمل أن يكون تجميد للمقاطع التي لم تبنى بعد".
وتتابع هآرتس: "وتحاول اسرائيل استغلال الدعم الدولي لعباس لزيادة الضغط على اعدائها في "المثلث الشمالي" - ايران، سورية وحزب الله. وتدير وزارة الخارجية "حملة سياسية" لادراج حزب الله في قائمة الارهاب للاتحاد الاوروبي بدعوى ان نشاط المنظمة في لبنان وفي المناطق يعرض حكم ابو مازن للخطر. وفي القدس يرون مؤشرات مشجعة من عدة دول اوروبية، مثل بريطانيا، ولكنهم يقدرون انه من دون التجند الاميركي فان هذا لن يتم".