"إيلاف" ترصد حالة من انعدام اليقين
انقسامات عميقة في قضايا جوهرية


قراءة ـ نبيل شرف الدين: أول ما يتبادر إلى الذهن بعد تأمل نتائج استفتاء شبكة (إيلاف) الإخبارية لهذا الأسبوع، هو حالة "اللايقين"، أو انعدام اليقين التي عكستها نسب المشاركين في أكثر من محور وقضية، وإن بدا الأمر أكثر وضوحًا في استفتاء "قسم السياسة"، الذي طرح سؤالًا عما إذا كان توقيع اتفاق جنوب السودان سيعني إنهاء الحرب، فأجابت بنعم نسبة قدرها 34% من المستطلعة آراؤهم، وهي نسبة لا يستهان بها، وإن كانت دون الأغلبية، بينما اختارت نسبة قدرها 50% الجانب غير المتفائل في الأمر، وأجابت بالنفي، في ما ظلت نسبة قدرها 16% لم تحسم أمرها، مكتفية بخيار "لا أدري"، من مجموع الذين صوتوا الذين بلغ عددهم 1283 شخصًا.

كما نرى فإن الفارق بين المتفائلين بإنهاء الحرب والمتشائمين من ذلك ليس كبيرًا، وهو ما يعني إذا وضعنا في الاعتبار نسبة المتأرجحين الذين اختاروا "لا أدري"، أن هناك حالة عامة من انعدام اليقين في شأن استراتيجي، وقضية جوهرية ملحّة، كمسألة استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في بلد كبير ومهم بالمنطقة، وهو السودان، وكما أسلفنا فإن هذه الحالة تمتد إلى أقسام أخرى، وتبرز واضحة في نتائج الإجابات على عدة أسئلة، كما سيأتي تفصيل ذلك لدى استعراض نتائج الاستفتاء برؤية شاملة.

الانتفاضة والعراق
في استفتاء قسم (أصداء)، بدت الثقة في مساعي وسياسات وخطط رئيس السلطة الفلسطينية الجديد محمود عباس (أبو مازن)، ومدى قدرته على النجاح في دعوته الجريئة التي أطلقها مطالبًا بعدم عسكرة الانتفاضة، إذ ذهبت نسبة كبيرة قوامها 61% إلى التشكيك في نجاحه بذلك، وأجابوا بالنفي على السؤال المطروح، لكن في المقابل أيضًا ذهبت نسبة قدرها 34% إلى حد التفاؤل حين رأت أن دعوته ستجد صدى، وتلقى استجابة من الأطراف الناشطة على الساحة الفلسطينية، بينما انحسرت نسبة الواقفين على تخوم اليقين، عند حدود 6% فقط، الذين اختاروا الجواب المريح (لا أدري)، من بين مجمل الذين شاركوا بالتصويت وقدرهم 276 شخصًا.

حالة انعدام اليقين ذاتها عادت لتبرز مجددًا، وبشكل أكثر وضوحًا في الإجابات التي تلقاها زميلنا عبد الرحمن الماجد في قسم التحقيقات، حيث طرح سؤالًا عما إذا كانت الانتخابات في العراق قد تؤدي إلى تقسيمه لكيانات جغرافية منفصلة، إذ انقسم الذين شاركوا بالتصويت في إجاباتهم بين فريقين لا يبدو الفارق بينهم حاسمًا، فتوقعت نسبة قوامها 35% أن يحدث ذلك، بينما استبعدته نسبة قدرها 53%، بينما ارتفعت نسبة الذين اختاروا الجواب بـ "لا أدري" لتصل إلى 12% من مجموع الذين صوتوا والبالغ عددهم 113 شخصًا.

اقتصاد ونكبات
ويتحول ذلك التشكك والانقسام إلى النقيض من خلال خيار محسوم تظهره نتائج استفتاء قسم "كتّاب إيلاف"، الذي يخاطب نخبة قراء (إيلاف)، كونه القسم الذي يقدم كوكبة من أصحاب الرأي والفكر، ومن ثم كان طبيعيًا أن يتجاوب القراء والمشاركون في هذا القسم إيجابيًا مع سؤال عما إذا كان المشارك في الاستفتاء يوافق على إغاثة المنكوبين المختلفين معه دينيًا أو مذهبيًا، وقد ذهبت نسبة هائلة قوامها 96% من المشاركين إلى الرد بالإيجاب، بينما لم يجب بالنفي سوى نسبة ضئيلة قدرها 4% فقط، واكتفى 1% باختيار الموقف السلبي غير المهتم بالتفكير في الأمر برمته، من مجمل الذين شاركوا في التصويت والبالغ عددهم 882 شخصًا، وهو ما يعني مؤشرًا واضحًا وحاسمًا على أن تقديم العون ومساعدة البشر لا ينبغي أن يرتبط أبدًا بأية خلافات فكرية أو عقائدية.

وتعود للانقسام مكانته المتقدمة مجددًا، حين نصل إلى استقراء نتائج قسم "الاقتصاد"، الذي يطرح سؤالًا مزمنًا في دوائر المعنيين بشؤون المال والأعمال، وهو: هل تعتقد أن الاستثمار خارج الوطن يمكن أن يعود بنتائج مالية جيدة، ولو وضعنا الذين أجابوا بنعم وقوامهم 52% في كفة، ووضعنا في الكفة الأخرى كلًا من الذين اختاروا إجابتَي بعض الشيء، وقوامهم 24%، ومعهم الذين اختاروا كلا، ونسبتهم 24% من مجموع الذين صوتوا، والبالغ عددهم 557 شخصًا، لاكتشفنا أن الانقسام في هذا الشأن على أشده، إذ يقف الفريقان في منتصف المسافة تقريبًا.

تدخين وتطبيع
خيار الحسم أيضًا كان واضحًا في مؤشرات نتائج قسم الصحة، الذي طرح سؤالًا يقول : هل تؤيد حظر التدخين في الأماكن العامة؟، وأجابت أغلبية حاسمة بنعم، إذ بلغت نسبة المؤيدين لحظر التدخين في الأماكن العامة 87%، بينما رفضت ذلك نسبة قدرها 11%، وظلت كما يجري دائمًا نسبة ضئيلة قوامها 2% فقط، غير مكترثة بالأمر، من مجموع الذين صوتوا وعددهم 1008 أشخاص.

غير أن الميزان عاد للاختلال مرة أخرى في نتائج قسم ثقافات"، حيث طرح عبد القادر الجنابي سؤالًا مما يصنف من نوع المسكوت عنه، قائلًا : "هل توافق على ان يدعو معهد العالم العربي بباريس شعراء إسرائيليين في مهرجانه الشعري ؟". وكما هو معروف فإن معهد العالم العربي يصر على مقاطعة كل ما هو إسرائيلي، رغم انه معهد فرنسي قانونيا، وقد طالب عدد من الشعراء والكتاب دعوة شعراء إسرائيليين من اكثر المدافعين عن حقوق الفلسطينيين، لكن لم يجب مسؤولو النشاطات الثقافية في المعهد.

وانطلاقا من هذا، أجرينا الاستفتاء هذا، فكانت النتيجة رفض الأغلبية لدعوة شاعر إسرائيلي في مهرجانات الشعر التي يقيمها معهد العالم العربي بباريس. إذ 61 بالمئة من مجموع المصوتين (303) لا يوافق على دعوة شاعر إسرائيلي، بينما ذهبت نسبة قدرها 35 بالمئة ـ وهي نسبة لا بأس بها على أية حال ـ إلى الموافقة على دعوة شعراء إسرائيليين، وأخيرًا بقيت نسبة ضئيلة لا تتجاوز 4 بالمئة ممن لا يعنيهم الأمر.

الطفل ياهو
ومن سخونة الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى طرائف شبكة الشبكات، وفي قسم "الإنترنت"، طرح طارق السعدي سؤالًا يتضمن نبأ طريفًا، ومفاده أن زوجين من رومانيا أطلقا اسم (ياهو) على مولودهما تيمنا بالإنترنت، وكيف يرى المشارك تصرفهما هذا؟، وهوسلوك ممتاز، أم لا معنى له، أو يقتدي به، وكانت 81% (من مجموع الذين صوتوا وعددهم 577 شخصًا) تعتبر تصرف الرومانيان تصرفًا لا معنى له على أساس ان مجال تسمية الأولاد يدخل ضمن السياق الخاص للحياة الزوجية، وبالتالي فان التسمية ممارسة خاصة جدًا لا يمكن للإنترنت حسب المصوتين أن يكون شريكا بها، فتصرف الرومانيان حسب هذه الفئة من المصوتين يفقد للمعنى الذي تعتقده من وراء تسمية وليدها برمز من رموز الإنترنت والذي يبقى عالما بوهيميا لا يجب أن ينتقل للحياة الخاصة المحفوظة بقيم وتقاليد أخرى بعيدة عن الإنترنت حتى هذه الساعة.

أما الفئة الثانية من المصوتين 17% فترى ان تصرف الرومانيان تصرف ممتاز يعني انه مثير للعجب وللاستثناء جون ان يعني في نفس الوقت أنها تنخرط مع الزوجين في الموافقة إنما أثارها سلوكهما كسلوك ثوري انترنيتيا وبالتالي انفتاح هذه الفئة لكل ما قد تأتي به الحياة الموازية لشبكة الإنترنت. غير أن فئة أخرى، وإن كانت صغيرة 3% فإنها تتجاوز الإعجاب لمستوى الإقتداء وترى في سلوك الرومانيان تصرفا قابلا للإقتداء وهكذا المشكل لدى هذه الفئة من التسمية الغرائبية للمواليد حتى وان كانت أسماء شركات كبرى عبر شبكة الإنترنت.

كرة ودكتاتورية
وإلى نتائج استفتاء قسم "الرياضة"، ما هي البطولة الأوروبية في كرة القدم الأكثر جاذبية وتفوقا؟، وحين تكون المنافسة ثنائية فإن الفائز هو من يفوز بأكثر من خمسين في المائة. وحتى لو فاز بخمسين في المائة فاصلة واحد فإنه يعتبر فائزًا، وحين تكون المنافسة ثنائية فإن النسبة تقسم على ثلاثة، ويعتبر فائزا من يتجاوز الأربعة والثلاثين في المائة، أما عندما يكون الفائز في المنافسة الثلاثية حاصلا على نسبة تكاد تصل الستين في المائة فإنه لا يعتبر فائزا فحسب، بل بطلا بكل المقاييس، لذلك فإن 56 بالمئة من مجموع الذين صوتوا ـ وعددهم 938 شخصًا ـ اعتبروا البطولة الإسبانية لكرة القدم كأكثر البطولات الأوروبية قوة وجاذبية بنسبة تكاد تصل الستين في المائة فإنهم في حقيقة الأمر لم يعكسوا سوى واقع يكشف عن نفسه منذ سنوات طويلة ولا يحتاج إلى كثير تأكيد.

في الصف الثاني جاءت البطولة إيطالية بنسبة 22 بالمئة، وهي نسبة يمكن اعتبارها مفاجئة في حق أناس اخترعوا كرة القدم وما زالوا إلى الآن يتباهون بذلك. لكن اختراع الشيء مختلف عن حسن استعماله. فمن يخترع الشوكة ويأكل بأصابعه ليس مثل من يشتري الشوكة من المتجر ويتقن استعمالها، وهذا لا يعني في كل الأحول أن الإنجليز يلعبون كرة رديئة، وفي المرتبة الثالثة جاءت البطولة الإنكليزية 12 بالمئة وهي التي كانت شاغل الناس لسنوات طويلة، خصوصا خلال الثمانينات من القرن الماضي قبل أن تتحول اليوم إلى بطولة مملة وتطاردها لعنة المنشطات.

البطولة الإسبانية تربعت على عرش البطولات الأوروبية لأن سماءها تسطع بكل نجوم العالم تقريبا. فيها رونالدو وزيدان وبيكام ورونالدينو وديكو ومايكل أوين وإيتو وفيغو وريكيلمي وروبيرتو كارلوس وآخرون كثيرون. وفريق ريال مدريد وحده يجمع لوحده مجرة خاصة، بينما يحاول فريق برشلونة أن يبني نجوما ويبيعهم كما يبيع العمارات طبقا لسياسته التي تقول "أتغذى باللاعب قبل أن يتعشى بي"، لكن جاذبية كرة القدم الإسبانية ليست وليدة اليوم، وحين وصل الجنرال فرانشيسكو فرانكو إلى السلطة بعد حرب أهلية طاحنة جعل من كرة القدم واحدة من أسس نظامه وحقق نظرية "كرة القدم أفيون الشعوب"، وهكذا نسي عدد كبير من الأسبان الدكتاتورية وهرولوا وراء كرة القدم، لكن بعد وفاة فرانكو ودخول البلاد في ديمقراطية حقيقية وسيادة القانون ظلت كرة القدم أفيونا للشعب الإسباني لا تلهيه عن مشاكله الأخرى. فالأفيون الحقيقي هو الفقر والجهل والقمع كما هو الحال في البلدان العربية وباقي بلدان العالم الثالث ذات الأنظمة السياسية الحمقاء التي لا تفهم في كرة والقدم ولا في السياسة، والحاصل كما يرى المحرر الرياضي فإن كرة القدم في إسبانيا هي اليوم جزء من الديمقراطية ومن الازدهار ومن رفاهية الشعب الإسباني.

جنس وصحافة
وعودة مرة أخرى إلى الشأن الثقافي المرتبط بالسياسي، وفي قسم "جريدة الجرائد"، حيث طرح سؤال عما إذا كان المشارك يشجع فكرة إصدار صحيفة باسم اتحاد الصحافيين العرب، وقد ردت بالنفي أغلبية قدرها 43%، الأمر يمكن قراءته في ضوء تفسير يرى أن في إصدار صحيفة عن اتحاد الصحافيين يعد قفزًا على دوره المهني، فهو في نهاية المطاف مؤسسة مهنية، وليس كيانًا للنشر، لكن هناك نسبة أخرى لا يستهان بها لا ترى مانعًا في أن يقوم الاتحاد بهذا الدور، وليدخل الحلبة مع غيره المتنافسين في هذا المضمار، وهذه النسبة التي أجابت بنعم قوامها 35%، في ما اختار فريق كبير نسبيًا، وقوامه 23% موقف عدم الاكتراث بالأمر، من مجموع الذين صوتوا والبالغ عددهم 660 شخصًا.

أما صفحة (شباب) التي تشرف عليها الزميلة نسرين عز الدين، فقد طرحت سؤالًا عن تقويّم الثقافة الجنسية لدى المشاركين، وباستقراء نتائج الاستفتاء يتضح أن نسبة الأغلبية رأت أن ثقافتها في هذا المضمار جيدة، وبلغت نسبة هؤلاء 61%، بينما اعترفت نسبة أخرى لا يستهان بها وقوامها 32% أن ثقافتهم في هذا المضمار مُشوَشة، وظلت النسبة الأقل والتي لم تتجاوز 7% فقط لصالح الإجابة بأن ثقافتهم معدومة من مجموع الذين صوتوا والبالغ عددهم 560 شخصًا، الأمر الذي يشير إلى حالة مراجعة للذات، خاصة في شأن يقف على رأس هرم "التابوهات" الشرقية.

ثمة ما يربط بين مراجعة الذات في المسكوت عنه اجتماعيًا كما أسلفنا، وبين مسألة ذات ارتباط وثيق بالفكر، وهو ما طرحه استفتاء "الصفحة الأولى"، الذي حمل سؤالًا حول مدى تقبل ارتداء شاب مراهق لشعار يصنف "معاديًا" لقيم ومبادئ الآخرين، كما فعل الأمير البريطاني هاري، ورغم أن الغالبية وقدرها 49% من المشاركين قد رفضت هذا الأمر، لكن كان هناك نسبة لا يمكن تجاهلها عبرت عن تسامحها مع الأمر، إذ أجابت بنعم نسبة قوامها 28%، ومعها نسبة أخرى تقترب منها، وقدرها 23% اختارت عدم الاكتراث بالأمر، ما يعني عمليًا عدم رفضها له، من بين مجموع الذين صوتوا والذين بلغ عددهم رقمًا كبيرًا هو 4059 شخصًا، وهو في القراءة الكليّة للنتائج يعني أن تقدمًا ـ ولو بطيئًا ـ يحدث على صعيد التسامح، وقبول الآخر.

موضة ونجوم
وأخيرًا نصل إلى نهاية المطاف في استفتاء هذا الأسبوع، ومع السؤال الذي طرحه قسم الموسيقى، حول برنامج "ستار أكاديمي" الذي حقق أحدث جدلًا كبيرًا في دورته الأولى، وكان السؤال عن توقعات الفوز في ستار أكاديمي، هل هو الأفضل صوتا، أم الأكثر ظرفًا، أم الأكثر تصويتًا من قبل المشاهدين، وكانت النتائج على النحو التالي: 16 % قالوا الأفضل صوتا، و18% قالوا الأكثر ظرفا، و67 قالوا الأكثر تصويتا، من مجمل عدد المشاركين الذي بلغ 1069 شخصًا.

ربما تعكس هذه الأرقام مدى قناعة المشاهد العربي بأن المقاييس كلها تغيرت بشكل انقلابي، أو أن الأغلبية صوتت على أسس عصبية وقطرية وغيرها من المعايير غير الموضوعية.

أما في قسم موضة، فقد طرح سؤال يقول: كيف ترى ظاهرة تقديم المصممين العرب لعروضهم في باريس وروما؟ وكانت الإجابات على الشكل التالي: 66 % قالوا إنها خطوة عالمية، و16 % اعتبروها عدم انتماء، بينما قال 18% لا فرق من مجموع الذين صوتوا والبالغ عددهم 152 شخصًا.

وفي النهاية فقد طرح قسم منوعات سؤالًا مفاده : هل بدأت تفكر في عطلة الربيع، وأجابت نسبة قوامها 35 % بنعم، بينما ردت نسبة قدرها 34 % بكلا، وبقي 31 % اختاروا "لا يهمني" من بين المشاركين في هذا الاستفتاء والذين بلغ عددهم 978 شخصًا.