بهاء حمزة من دبي: على الرغم من مرور اكثر من سبعة عشر عاما على المحاولة الانقلابية التي قادها الشيخ الراحل عبد العزيز بن محمد القاسمي شقيق حاكم الشارقة الحالي سلطان محمد القاسمي في حزيران (يونيو) عام 1987 فان كل الأمور تؤكد أن الغصة التي تركتها محاولة قلب شقيقه الحاكم لا تزال عصية على النسيان ، وهو ما يؤكد أن تسوية الموقف عقب إفشال الانقلاب كان تعاملا ناجحا مع الجانب السياسي للموضوع أما الجانب الأخلاقي والإنساني للازمة فهو ما لم ينجح أحد أبدا في رأبه.
الأدلة كثيرة على هذا التصدع الإنساني بين حاكم الشارقة المعروف بتسامحه وميله الى العقلانية بحكم ثقافته الواسعة وبين شقيقه الذي حاول طعنه في ظهره في وقت كان يعطيه الشقيق كل الأمان ، و تجددت بمناسبة وفاة الشيخ عبد العزيز الجمعة الماضي في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن ،ومنها مثلا أن نعي الشيخ الراحل لم يصدر من ديوان حاكم الشارقة على الرغم من انه الأولى بذلك وإنما صدر من وزارة شؤون الرئاسة التي يتولاها الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وهي بمثابة ديوان لرئيس الدولة وقد صدر النعي بصيغة بروتوكولية باعتبار الشيخ الراحل ضيفا على حكام أبو ظبي منذ فشل محاولته الانقلابية في صيف 1987 ، إذ استضافه رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان في العين قبل ان يصدر مرسوما اتحاديا في حزيران ايضا عام 1993 بتعيينه مستشارا خاصا له وهو منصب شرفي يتيح له الحصول على مخصصات نقدية مميزة توفر له حياة كريمة. واللافت أن صدور النعي عن وزارة شؤون الرئاسة الزم الصحف المحلية كلها بما فيها صحيفة " الخليج" التي تصدر من إمارة الشارقة وتربطها بحاكم الإمارة علاقة شديدة التميز على نشر النعي في الصفحات الأولى لها لكن لاحظ كثيرون خلو النعي من أي استطراد صادر عن ديوان حاكم الشارقة .
وتفاوت نشر النعي في الصحف حسب الارتباط السياسي لكل منها، إذ أبرزته صحيفتا "الاتحاد" الظبيانية و"البيان" الصادرة في دبي ونشرته كاملا بينما جاء نشره بشكل مقتضب في " الخليج".
والملفت أن نجل الشيخ الراحل خالد بن عبد العزيز المقيم مع والده في العين منذ خروجهما من الشارقة بادر اليوم الى نشر نعي لوالده على صفحة كاملة يشير فيها إلى أن الصلاة على جثمان الراحل ستقام في أحد مساجد العين ثم يجري تقبل التعازي في منزله في منطقة المويجعي في المدينة نفسها التابعة لامارة أبو ظبي على أن تتقبل والدته تعازي النساء في منزلها في الشارقة.
هذا النعي الذي احتل الصفحة الأخيرة كاملة في الاتحاد والبيان امتنعت الخليج عن نشره على الرغم من انها الصحيفة الخاصة الوحيدة بين الصحف الثلاث ما يعني اعتمادها بشكل اساسي على الاعلانات في تدبير مواردها ومن ثم عدم رفضها نشر أي اعلان إلا لو كان ذلك بضغوط ما سواء مباشرة برفض الديوان الاميري في الشارقة السماح لها بنشره او بشكل غير مباشر يعكس حرص القائمين عليها على تصرف قد تكون له تبعات مستقبلية سيئة.
العارفون ببواطن الأمور في الشارقة يؤكدون أن حاكم الشارقة سلطان القاسمي الذي لم ينجب وريثا للحكم بعد أن توفى ابنه الوحيد خالد (مع ثلاث اخوات) قبل سنوات في لندن كان دائم الاستشهاد بما فعله معه شقيقه الذي استغل وجوده خارج الإمارة في زيارة إلى لندن ليعلن استيلاءه على الحكم في بيان رسمي سبب ازمة استمرت لسنوات بين أبو ظبي والشارقة بعد أن أقدمت الاتحاد على نشره .
وكان ابرز ما في ذلك البيان قول الشيخ عبد العزيز انه نظرا لاهتمام شقيقه الحاكم بالأمور الثقافية والفكرية " فاننا رأينا إفساح المجال والوقت له لمتابعة اهتماماته" وكان المحيطون بالشيخ سلطان الذي يعد أحد القلاع الفكرية العروبية في منطقة الخليج وهو التوجه نفسه الذي قربه من رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد ، يلمسون حزنه الشديد مما فعله اخوه عبد العزيز خاصة انه كان فتح له ابواب الأمان وسلمه قوات الحرس الاميري التي تعادل جيشا مصغرا خاصا بالشارقة بعد فترة قليلة من توليه منصب الحاكم ضمن خطة لجمع شمل الاسرة القاسمية الذي اهتز بشدة عقب اغتيال شقيقهم الاكبر والحاكم السابق للامارة الشيخ خالد بن محمد والتي ابتعد بعدها الشيخ صقر بن محمد القاسمي أحد الاخوة إلى القاهرة حيث عاش هناك ما يقارب الثلاثين عاما قبل أن يعود في سنواته الاخيرة إلى العين حيث وافته المنية قبل سنوات.
وحول ما اذا كان السماح لنجل الشيخ الراحل بنشر نعي بارز بالشكل الذي نشر به وكذا السماح له بتلقي العزاء في والده واقامة صلاة الجنازة العلنية عليه في احد مساجد العين يعكس دلالة ما على وجود "إشكالات" في العلاقة بين الشارقة وابو ظبي اكد محلل سياسي اماراتي انه لا يمكن تحميل الامر باكثر مما يحتمل مشيرا الى قناعته بأن السماح للشيخ خالد بتشييع والده اتخذ بعد التشاور مع الشيخ سلطان وفي ضوء حقيقة مهمة هي مراعاة حرمة الموت وهي موضوع يحرص عليه الاماراتيون كتقليد بدوي اصيل واستدل على صحة كلامه بسماح حاكم الشارقة لزوجة اخيه الراحل بقبول التعازي في منزلها في الامارة.
يذكر ان الشيخ سلطان حاكم الشارقة قد اصدر مرسوما اميريا في الخامس من شباط (فبراير ) عام 1990 اي بعد ثلاث سنوات من محاولة الانقلاب يعفي فيه شقيقه الراحل من منصبيه اللذين حصل عليهما ضمن خطة حل الازمة التي اتفق عليها اعضاء المجلس الاعلى للحكام في الامارات والذي يضم حكام الامارات السبعة ، اذ توصل المجتمعون لحل وسط يعيد سلطان الى مكانه حاكما للامارة مقابل ان يعين شقيقه الانقلابي وليا للعهد ونائبا للحاكم وهو الوضع الذي استمر ما يزيد على عامين ونصف قبل ان يصدر سلطان مرسوما باقالة شقيقه من منصبيه وابعاده عن الشارقة حيث استضافه رئيس الدولة الراحل الشيخ زايد بن سلطان في العين ثم عاش فترة في المغرب مسؤولاً من " دائرة الشيخ زايد " في الرباط . وهي الاستضافة التي اقترنت بتعهد واضح من الشيخ عبد العزيز بالابتعاد عن اي نشاط سياسي.