نصر المجالي من لندن: تواجه الكنيسة الأنجليكانية انقساما حادا بسبب تعيين قساوسة لوطيين أساقفة لكنائس في أميركا الشمالية التي تضم الولايات المتحدة وكندا، ويعتبر أنصار الكنيسة في هاتين المنطقتين رغم قلة أعدادهم من الطبقات الثرية في العالم، وطالبت زعامة الكنيسة الأنجليكانية العالمية التي يقودها قصر لامبيث في لندن كنائس أميركا الشمالية الانسحاب طوعا قبل المؤتمر العادي الذي سيعقد في العام 2008 حتى تتم تسوية حاسمة للقضية الجدلية بين جناحي المحافظين والليبراليين من جهة أخرى. وهذا هو أخطر انقسام كنسي منذ فصل ملك إنجلترا هنري الثامن كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن الخام عشر مجتبيا المنهج البروتستانتيـ وذلك لفض الفاتيكان منهجه الاجتماعي في تعدد الزوجات وطلاقاته المتكررة أيضا.

وأكد الزعماء المحافظون للكنيسة الأنجليكانية بعد أسبوع حافل بالاجتماعات في مدينة آرماه في شمال إيرلندا التي تتبع سياسيا لحكومة لندن، في بيان لهم صدر أمس على ضرورة أن يحدد ليبراليو الكنيسة في الولايات المتحدة وكندا موقفهم النهائي من المثليين (اللواطيين) ومدى اتفاقه مع استمرار عضويتهم في اتحاد الكنائس الأنجليكانية. يذكر أن هذه الكنائس تتبع المذهب الكاثوليكي الذي يقوده بابا الفاتيكان من بعد انقسام الكنيسة الغربية في أوروبا في القرون الوسطى بعد الثورة الصناعية.

وكانت الكنيسة الأنجليكانية في الولايات المتحدة بعد مباركتها العلنية لانتخاب القسيس جيني روبنسون أسقفا لأرشدوقية مقاطعة هامبشير الكنسية، ولم تأبه لتقرير وندسور الكنسي الذي كان دعاها إلى التراجع وتقديم اعتذار علني عن تكريسها لراهب مثليّ في منصب ديني قيادي، ومثل هذا الطلب كان وجه إلى الكنيسة الكندية التي فعلت الشيء ذاته في العام 2003 .

ورغم هذا التحذير ودعوة الكنيستين إلى الاعتذار والتراجع، فإن بيان آرماه عبر عن دعمه للمثليين ومساعدته لهم، كما أشار إلى تفهمه لقرار الكنيستين الذي "اتخذ في إطار دستور كل من كندا والولايات المتحدة". وفي معرض تعليقه على البيان، قال رئيس الأساقفة في الكنيسة الأنجليكانية الأميركية فرانك غريسولد أن المشاورات مستمرة بيننا ، مشيرا إلى أن اجتماعات الأيام السبعة في تلك مدينة آرماه الإيرلندية الشمالية لم تكن سهلة لأي من المشاركين الذين كانوا حريصين على إيجاد موقف موحد للحفاظ على وحدة الكنيسة التي تواجه خطر الانقسام الفعلي بسبب موضوع اللواطيين".

وقال الأسقف غريسول "بالطبع فليس كل البيانات الختامية ترضي الجميع أو تتفق مع رغباتهم". ونقلت الإذاعة الرابعة التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي من جانب آخر، عن أسقف الكنيسة الأنجليكانية في أستراليا بيتر كارنلي قوله "واضح أنه من المنطقي أن تنقسم الكنيسة وتذهب كل منهما في طريقها"، لكنه عاد إلى القول "لا اعتقد أنه سيكون طلاقا نهائيا".

وأضاف أسقف أستراليا ردا على سؤال ما إذا يعتقد إن يحصل الانقسام في نهاية المطاف قائلا" لا أعتقد أنه سيتم، فنحن نعيش في اتحاد كنسي يضم 38 تجمع كل له قراراته المستقلة الخاصة بكنائسه التي يشرف عليها، ونحن راغبون أن نستمر في مهماتنا على هذا النحو من دون فرض إرادة البعض على الآخر".

وأشار إلى أن الكنائس الأنجليكانية في أميركا الشمالية(كندا والولايات المتحدة) تمارس مهامها حسب قرارات وقوانين تنبثق من الدساتير القائم هناك، حيث هذا الأمر ذاته لا توافق عليه بقية الكنائس الأنجليكانية التي لا تحتكم إلى دساتير بلدانها".

ويعتقد متخصصون في الشؤون اللاهوتية والدينية أن بيان آرماه في مجمل فقراته قد يؤدي على انقسامات حادة أكثر مستقبلا في الكنائس الليبرالية في الغرب وهذا بدوره ينعكس على كنيسة إنجلترا، خصوصا وأن هناك آلاف من المثليين رجالا ونساء من المسيحيين وأنصارهم يهددون بمغادرة الولايات المتحدة وكندا إذا تراجعت كنائسهم الأنجليكانية عن قرارات بدعم طبيعتهم وحاجاتهم الإنسانية أو التراجع عن تعيين أساقفة مثليين رضوخا لمطالب الكنائس الأنجليكانية التي تنتمي إلى التيار التقليدي المحافظ.

وأصدر الأساقفة الأنجليكانيون المحافظون الذين يمثلون تيار "العالمية الجنوبية" للكنائس في أفريقيا وآسيا بيانا ظهر اليوم عبروا فيه عن رغبتهم في تعليق عضوية الأسقفيات الأميركية والكندية مع احتمال طردهم من الاتحاد الكنسي الأنجليكاني العالمي إذا لم تتراجع هذه الأسقفيات عن مواقفها معلنة التوبة "وتعود إلى الصراط المستقيم".

وأخيرا، ذكرت صحيفة (التايمز) البريطانية، أن المحامين الكنسيين الذين شاركوا في الاجتماع الكنسي الأعلى في آرماه الذي عقد في مركز درومانتاين الروماني الكاثوليكي للاستجمام قدموا نصائح قانونية تقول بأنه لا يوجد أي سند قانوني يجبر على تعليق عضوية أي من ألـ 38 أسقفية في الاتحاد الأنجليكاني العالمي. ولكن هؤلاء المحامين اقترحوا بالمقابل انسحابا طوعيا وليس بالإكراه لسنوات ثلاث مقبلة.

وفي الأخير، حاولت الكنيسة الأنجليكانية الأميركي التي ينتمي إليها حوالي مليوني عضو جلهم من الأثرياء من رجال المال والأعمال ويمثلون الاتجاه الليبرالي عرضوا تمويل بعض النشاطات الكنسية في بلدان إفريقية فقيرة لحمل الكنائس هناك لسحب توقيعاتها من البيان الختامي الداعي إلى تعليق عضوية الكنيسة الأميركية، لكن عددا من تلك الكنائس رفضت ذلك العرض. وقالت مصادر قريبة من اجتماع آرماه أن البيان الختامي تمت صياغته تحت إشراف مباشر من أسقف كانتربري الدكتور روان ويليامز والدكتور بيتر أنكولا أسقف نيجيريا والأسقف فرانك غريزولد أسقف أستراليا أسقف أميركا بالتشاور مع محامي كنيسة إنجلترا جون ريس.