حيث quot;البطةquot;سيارة الإغتيالات والمسؤولون شركاء في الفساد(1-3)
البصرة مدينة لا تعرف الأمان
إيلاف ndash; البصرة : تعرضت محافظة البصرة، جنوبي العراق، لخراب ودمار خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم حرب تحرير الكويت، ففي الحربين كانت جبهة القتال، وبهذا فقدت بساتين نخيلها، ووجها الحضاري، الذي عُرفت به تاريخيًا، ثم كانت الجبهة الأولى أثناء الحرب الأخيرة، وقد دارت المعارك فيها لأكثر من أسبوع، قبل سقوط بغداد. وقد ورثت من تلك الحروب، وسطوة النظام السابق، ومن سنوات الحصار ما ورثته من خراب عُمران، وتراجع فظيع في الخدمات، ومظاهر الحياة العامة. تهيمن على المحافظة حاليًا الأحزاب والجماعات الدينية، بداية على المحافظة والمجلس البلدي إلى دوائر الدولة الأخرى. ويأتي حزب الفضيلة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري في المقدمة. إضافة إلى ذلك هناك جماعات أخرى صغيرة، ومنها مرتبط بتلك الأحزاب. ويُذكر أن الحزب تأسس من جماعة الفضلاء، وبعون مباشر من الجيش البريطاني، وذلك للموازنة مع المجلس الأعلى (جماعة الحكيم).
وكان المنسق بينهما أبا أحمد الساعدي، والأخير يعرف بمشاريع البصرة، المراد إنجازها، كافة، وعن طريقه تتم الصفقات. إلا أن البريطانيين بعد ما حصل من هيمنة دينية وإدارية لهذا الحزب شعروا بغلطتهم، ويبدو أن شخصيات أخرى برزت مؤثرة، ومالت بالحزب إلى الفوضى وممارسة الفساد الإداري والمالي. ومن الظواهر الحزبية الجديدة، إضافة إلى الأحزاب التي قدمت من إيران، ظاهرة جماعة quot;ثأر اللهquot;، ويترأسه شخص يدعى يوسف الموسوي، ويتخذ من مؤسسة النقل البري مقرًا له. وقد جعل الموسوي من تلك البناية مكتبًا فخمًا، تراه يضاهي بفخامته مكاتب موظفي النظام السابق الكبار، ويكثر فيه الموظفون والخدم. وكلهم من جماعة السادة، ومن المرتبطين بهذا الشخص كصلات أسرية. ومسؤول استعلامته عقيدًا في الجيش العراقي الحالي.
وثأر الله عبارة عن مكتب أو وكالة إيرانية، تدور حوله شبهات القتل والجرائم الأخرى. وتأتمر بأمره جماعات من الغوغاء، كذلك له علاقة بعمليات تهريب النفط. ويُذكر أن ليوسف الموسوي علاقة عمل في تهريب النفط مع مدير صحة البصرة السابق، وهما معًا يترددون على دبي باستضافة شخص آخر يدعى مرتضى، والأخير سهل ليوسف الموسوي تهريب باخرة نفط كاملة من ميناء البصرة إلى دبي. وقد استضاف الموسوي بأفخم فنادق دبي لمدة شهر تقريبًا. وإن مدير الصحة قدم استقالته وهو لا يزال في دبي، ثم عاد إلى البصرة، وله زيارات مستمرة إلى إيران. ويفرض quot;ثأر اللهquot; أتاوى لحل مشاكل الناس، وذلك إستغلالاً للفوضى، وعدم تحمل الدولة مسؤوليتها. فهم يعيدون الزوجة التي تنفر من زوجها بالقوة مقابل مال، أو يتدخلون في فض قضية عشائرية، وهم أيضًا مستعدون لتولي أخذ الثأر مقابل المال. وتراهم يحلون كل قضية اجتماعية أو جنائية من مكتبهم. هذا مع العلم أن مسؤول quot;ثأر اللهquot; الموسوي مسؤول في لجنة أمن البصرة. ولديه ميليشيا غير منتظمة، إلا أنها جاهزة لتنفيذ ما يُطلب منها في أي وقت من الأوقات.
ولثأر الله، مثلما تردد الأخبار، صلات مع المجلس الأعلى، بل صلتهم المباشرة مع فرع من فروع المجلس وهي مؤسسة quot;سيد الشهداءquot;، ومسؤولها يُعرف بداغر الموسوي، وتقع تحت إشراف عمار الحكيم، نجل عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس. وقد فرضت مؤسسة quot;سيد الشهداءquot; سيطرتها على بيت المحافظ السابق على كورنيش شط العرب. واتخذوا هذا البناء الكبير مقرًا لجريدتهم quot;الفتحquot;. وثأر الله وسيد الشهداء متهمتان بعمليات اغتيال لحساب إيران.
وإضافة إلى الحركتين المذكورتين، تُتهم حركة quot;بقية اللهquot; بتدبير عمليات اغتيال وتنفيذها أيضًا. وتجد مكتوبًا في شوارع البصرة اسمها quot;بقيت الله أُسود العراقquot;، ويُلاحظ تُكتب بالتاء الطويلة أي بالخط الإيراني وباللون الأحمر. والظاهر أنهم تحرروا من الإرتباط بأحزاب وجماعات كبرى ليعملوا لحسابهم الخاص، بعد أن كثرت السرقات والتكليفات بعمليات القتل مقابل أجور.. وهم يجمعون بين اللصوصية واحتراف القتل، وأدينوا بعمليات نهب الأموال والاغتيالات، وخطف البنات، وأخذ الرشاوي من أهاليهن لإطلاق سراحهن، وحصل أن اختطفوا مومسات، من أجل العيش، وأخذوا منهن رشوى، وتسمى برشوة quot;السترquot;. ولا يوجد مقر محدد لبقية الله، بل هيمنوا على كراج صغير للسيارات، كمكان يجمعهم، وينتظرون تلقي الأوامر للتنفيذ.
لقد برزت في البصرة ظاهرة سيارة (البطة) القاتلة. وهي سيارة من موديل تيوتا ياباني حديث، وعُرفت بهذا الاسم من قبل العامة. وقد ألقي القبض عدة مرات على السائقين بعد عمليات القتل، لكن يطلق سراحهم من دون سؤال واستجواب. وتبين في ما بعد أن سيارة البطة مرتبطة بالمحافظ محمد مصبح الوائلي مباشرة.
عملية القتل التي تقوم بها سيارة البطة تنشط يوميًا حيث يعثر على نحو عشر إلى أثني عشرة جثة مرمية عند جسر الزبير، ومن مختلف الهويات، ولأسباب متعددة: عداوات شخصية، أو خلافات حزبية، أو بعثيين سابقين، أو شخصيات يُشعر منها أنها ضد الهوس الديني والطائفي، أو مدراء دوائر رفضوا التعامل بما لا يليق وغير ذلك. ومن غير الأسباب المادية والشخصية، يحصل القتل السياسي لمصلحة إيران وبمتابعة ميليشيات دينية، حيث تأتي قوائم من إيران بالأسماء المراد تصفيتهم. ويُذكر أن أفخم السيارات الجديدة، التي ترد إلى الدولة، توزع على الأحزاب الدينية، ومنها سيارة quot;البطةquot;، التي عادة يكون مقودها على جهة اليمين، وزجاجها مظلل.
كل تلك الروايات من البصرة مدينة غير آمنة، وعلى العكس مما تحاول إشاعته الأحزاب الدينية المتنفذة، فالمدينة تتعرض للقتل اليومي، لكن الإعلام مشغول ببغداد فقط، وكذلك إعلام البصرة نفسها يقع تحت هيمنة الأحزاب الدينية، ويخشى الصحافيون والإعلاميون من نقل الحقائق إلى الصحف ووسائل الإعلام الخارجية. إلا مجالس الناس تتداول أسماء المقتولين، وتشير إلى القاتلين وبالأسماء، من دون التمكن من كسر حاجز الخوف المطبق. وفي حال فرض منع التجوال ترى سيارة البطة دائمًا غير مشمولة بالقرار.
وتغلق البصرة عادة أسواقها عند السادسة أو السابعة مساءً، ولا يبقى مفتوحًا إلا القليل من المطاعم في منطقة الجزائر والعشار قرب شارع الكويت، ولكن لحدود الساعة التاسعة مساءً.
ويروى عن حادثة حية لتورط المسؤولين في المؤسسات الرسمية في عمليات الفوضى والتدهور الأمني بشكل مباشر، حيث أوقفت مجموعة أحد الأطباء وأجبرته على الترجل من سيارته وقادوها من أمامه وبعد أن تبعهم بسيارة تاكسي، شاهدهم يدخلون بها إلى دائرة الإستخبارات العسكرية. ولما سأل الحارس، أنكر دخول مثل سيارته إلى البناية، عندها أصر مقابلة مدير الدائرة شخصيًا، كذلك نفى الأخير أن توجد سيارته في كراج دائرته، وأخيرًا نزل معه وأشار إلى سيارته المنهوبة. وظهر أنها أصبحت من حصة نقيب في الدائرة، وهو من التيار الصدري، وبكل قوة وثقة إعترف النقيب الصدري، بعد مواجهة الرجل، بسرقة السيارة، وأنكر على المدير أن يجرؤ على محاسبته! وقال له: quot;أنت لست مديري، وليس لك عليَّ أوامرquot;. فما كان على صاحب السيارة إلا التنازل عن حقه خوفًا على حياته.
التعليقات