دراسة للعسكرية الأميركية تكشف أسباب هزيمته (6/6)
أحلام صدام تحولت إلى قرارات غير قابلة للمناقشة!

صدام يقرأ القرآن خلال محاكمته
زيد بنيامين من دبي: الحصول على المعرفة الحقيقية لم يكن أمرًا مرحبًا به في العراق... حتى من قبل الديكتاتور نفسه... حتى أنه قام كما ذكرنا بإقصاء قائد محتمل مستقبلي للحرس الجمهوري العراقي فقط، لأنه كان يقرأ التاريخ العسكري جيدًا فاتهمه صدام بأنه كان يفكر كما يفكر الأميركيون... كانت لدى صدام حسين العديد من أساليب القيادة... ولكن لا يعتقد أنه كان سيتصرف بشكل صحيح لو إستقبل المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب... وليس واضحًا إن كان صدام حسين سينجح في تلافي الكارثة التي كانت تنتظره... ويعتقد أن معادلة صدام حسين بدت واضحة (معلومة سيئة = نتيجة كارثية) و(معلومة جيدة أيضًا = نتيجة كارثية) ربما لطريقة صدام حسين نفسه في إتخاذ القرارات (وبحسب المقربين منه) والتي كانت خاطئة أيضًا...(تقرير للمخابرات الأميركية/ أكتوبر 2003)..

يقول واحد من أقرب مساعدي صدام حسين إن الأخير يفكر بعمق، ويبقى ساهرًا طوال الليل للتفكير في المشاكل قبل أن يأتيه الإلهام في حلمه... (اللقاء تم مع عبد الحميد حمود الخطاب سكرتير صدام الشخصي بتاريخ 15 نوفمبر 2003)... تكون الأحلام قرارات في صباح اليوم التالي وسيقوم من حوله بالتصفيق له... السؤال حول هذه القرارات كان يتطلب مخاطرة شخصية كبيرة... حيث كان الديكتاتور يقوم بعرض مسرحي على أساس اخذ اراء المقربين منه من العائلة او مساعديه الذين ظلوا سنوات طويلة معه... جميع القرارات الحاسمة في حياة العراقيين اخذت والرئيس في عزلة .. كاجتياح ايران مثلاً.. فقد قرر صدام ذلك حينما كان يزور احد المنتجعات في العراق وقرر القيام بالاجتياح من دون اخذ رأي أحد من مساعديه المقربين جدًا... كما اتخذ قرار غزو الكويت في اغسطس 1990 بالاستعانة برأي زوج ابنته فقط ...

يقول أحد مساعدي صدام حسين المقربين إنه خلال مناقشة مع القائد في خريف عام 1990 قدم صدام دليلاً آخر على قدراته الفريدة بالقول: أميركا بلد معقد.. وفهم كيف يفكر سياسيوه بقدرات تفوق المخابرات والاستخبارات .. لقد أمرت هذه الاجهزة بالابتعاد عن التحليلات السياسية اذا تعلق الامر بأميركا.. قلت لهم ان هذا ليس واجبهم، لأن تلك المنظمات غير قادرة على الوصول الى المعلومات المهمة والحقائق القاطعة .. قلت لهم ان عليهم ان يتابعوا الصحف... وأكدت انني لست بحاجة لكي يقدموا إلي تحليلات... التحليلات من واجبي انا... ولقد وافقنا على المضي في هذه الطريقة من العمل.. وهذا ما استخدمته مع الايرانيين .. خليط مما يقال ومن البراعة وايصال النقاط بعضها ببعض من دون ان يكون لدي اي دليل حقيقي.... (شريط فيديو عراقي يعود تاريخه الى سبتمبر اكتوبر 1990 حيث التقى صدام كبار مساعديه ليتدارسوا ردة الفعل الاميركية على احتلال العراق للكويت)...

كانت القيادة تثق بقدرات صدام وحكمته وهو ما جعله لا يعتمد على الجانب العملي ... كل شيء بسبب ذلك كان محتملاً، ومثال ذلك انه في اكتوبر 1994 قرر استدعاء كبار قادة الحرس الجمهوري لحضور اجتماع، قال صدام بالنيابة عن والده ان الاخير قرر غزو الكويت مرة ثانية وقفز أحد القادة من مكانه قائلاً ان قواته يمكنها غزو الكويت مرة ثانية بسهولة تامة، بينما ابدى بعض القادة الآخرين تعليقاتهم التي لم تخلُ من التشجيع، وفي الوقت نفسهحاولوا تحذير صدام من ان القوات العراقية غير قادرة على مواجهة القوات الامريكية فرد صدام بأن تفكيرهم كان خاطئًا، لأنهم كانوا يرون الحرب بمقياس الخسائر، بينما كان يراها هو (معركة روحية)، وطلب من قادتهألايقرأوا كثيرًا... كانت الحرب لو وقعت هذه المرة مختلفة مع وجود عشرات الالف من الجنود الاميركيين في الكويت وقد تم تحاشي الحرب بعد جلب المزيد من الاميركيين..

كانت تلك الاصوات المحذرة في هذا الاجتماع في 1994 ظاهرة نادرة لأنه في حال اتخذ صدام حسين قرارًا ما وجب تنفيذه من دون مناقشة... يقول احد كبار العسكرين العراقيين في شهادته انه قبل بدء الحرب في عام 1991 لم يكن لدي أي من القادة العسكريين الشجاعة لاقتراح انسحاب القوات العراقية قبل ان ينتهي انذار الرئيس الاميركي جورج بوش في 15 يناير. لأن ذلك يعني ان غزوه الكويت كان خاطئًا وردة فعل الديكتاتور العراقي ستكون حتمًا اصدار الامر بالإعدام.

لم يكن سكرتير صدام وحده يمنع الحقيقة عن الرئيس بل حتى ابنه الاصغر (قصي) ... يقول قائد الفرقة الثانية في الحرس الجمهوري انه كان يعترض على خطة الرئيس العراقي للدفاع عن بغداد لأنها غير قابلة للعمل... قصي قرر انهاء النقاش بالقول ان صدام قد وافق على الخطة quot;وانت من ستجعلها لا تعملquot; .. وهنا لا يمكن لاحد التدخل خصوصًا بعد أن تحدث قصي باسم والده.

حالات معارضة صدام كانت نادرة ، وكانت ابرز التجارب التي تذكر في هذا السياق حينما قام نزار الخزرجي رئيس الاركان عام 1990 بتقديم تقرير يبين فيه انه رغم كونه لم يشارك في التخطيط لغزو الكويت فإنه لا يوافق على تلك المعركة، وقد قدم تحليله للوضع العام للرئيس صدام:

قلت لصدام حسين ان الحرب على العراق يمكن تحاشيها، هناك مؤشرات واضحة، وشرحت الاخطار الكامنة امام العراق، وشرحت له ميزان القوى بين الفريقين، وقلت إن العراق سيخسر الحرب، وفي اجتماع عقد في القيادة العام بتاريخ 18 سبتمبر لمناقشة تقريري بوجود الرئيس العراقي نفسه، بدأت باستعراض الاستراتيجيات والوضع على الارض وشرحت موازين القوى والتكنولوجيات الهائلة والفروقات في ذلك بين قوات التحالف والقوات العراقية التي ارهقت بعد 8 سنوات من الحرب مع ايران .. عبر القائد العام للقوات المسلحة (صدام نفسه) عن غضبه وقرر انهاء الاجتماع قبيل ان انهي تقريري... وتقرر انهاء خدمات الخزرجي قبل بدأ الحرب عام 1991 وكان الوحيد الذي حذر صدام من ان الانتصار الاميركي في تلك الحرب كان مؤكدًا..

لم يقتصر امر خسارة الحرب على هذا فقط... فنظرة صدام للعالم في الحدود خارج وطنه قد شكلت دورًا من نوع آخر، وبحسب ما توصلت إليه لجنة التحقيق بعد الاستماع الى مناقشات الرئيس العراقي مع ابرز مساعديه، فإن فهم صدام لم يكن بعيدًا عن العنف الذي عاش فيه. ولم يخلُ الامر من المنافسة ورؤيته ان الخارج دائمًا يريد التخلص منه بانقلاب، واعتقد انه يستطيع اخضاع اعدائه الخارجيين كما نجح مع العراقيين ... (من واقع محاولة صدام حسين اغتيال بوش الاب في الكويت في 1993)

ولا يبدو ان الغرب كان يفهم هذه الحقائق، وإن كان صدام حسين واقعيًا، ففي اكتوبر 1994 حينما امر قسمين رئيسين من الحرس الجمهوري للتحشد على الحدود العراقية الكويتية .. كانت ردة الفعل الاميركية حاسمة وسريعة، حيث تجمعت العسكرية الاميركية بسرعة في المنطقة، واصدر مجلس الامن الدولي القرار 949 مستنكرًا التحركات العراقية، وحينما قرر العراق سحب قواته، فإن المجتمع الدولي كان في تحرك حاسم هو ما اجبر صدام على التراجع ... اي حينما تحدث العالم بلغة صدام حسين نفسها (العنف والقوة)..

يقول صدام quot;الامر يبدو مثيرًا، أربعة دول، منهم اثنتان تعتبران قوى عظمى في العالم روسيا واميركا .. اعني ان لديهم قنابل نووية وصواريخ وغيرها وانكلترا وفرنسا، جاؤوا إلي وقدموا مذكرة، اعطوني التحذير والحد الزمني لإيقاف الامر، ان لم نخضع لهم فإن وجودنا سيكون في خطرquot; ... (بحسب شريط فيديو يعود تاريخه الى نهاية 1994 حيث يلتقي صدام بأبرز مساعديه للتباحث حول ادارة كلنتون وتصرفاتها مع العراق).

كان صدام حسين قد اعد العدة للحرب بينما كل ما فعله العالم في المقابل هو ارسال مذكرة .. ويبدو ان الرجل كان يريد ارسال رسالة الى زملائه يحاول فيها ان يوحي بمدى ضعف ردة الفعل الاميركية وقرر ترك الغرفة وخلفه يركض العديد من اعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي والذين كانوا يؤكدون له جدراته بالقول quot;انت تعلم ان الجيش العراقي هو اقوى جيش في المنطقةquot;، وquot;ان الجيش العراقي هو اقوى جيش في العالمquot;... (بحسب المصدر نفسهفي الفقرة السابقة) كانت محاولاته لاحتلال الكويت عام 1994 وما انتهت إليه تلك المحاولة كانت عبارة عن عامل آخر من وجهة نظر الرئيس العراقي لتقويته وزيادة تطرف رؤيته نحو العالم.