الرجل الذي دخل تاريخ العراق من بوابته الخلفية (2/4)
الفكيكي للجلبي: أحمد... في قلبك صدام حسين صغير!

الفكيكي للجلبي: أحمد... في قلبك صدام حسين صغير!

زيد بنيامين من دبي: كان منظر الجنود الأردنيين وهم يحاولون العثور على الجلبي في منزله في العاصمة الأردنية عمان يشبه إلى حد ما مشهد حصل مع والد الجلبي قبل ثلاثين عامًا من ذلك التاريخ حينما حاول جنود عراقيون العثور على الجلبي في منزله في بغداد لأنهم كانوا يريدون القبض على جميع أفراد العائلة التي إمتلكت علاقات قوية مع العائلة المالكة في بغداد.

عين البنك المركزي الأردني مؤسسة ارثر اندرسون لمعالجة الديون للتحقيق في القضية وخرجت المؤسسة بمجلد بحجم دليل الهاتف في يناير 1990 تكشف فيه ان البنك نخر حتى النخاع من قبل الادارة السابقة، وإن هناك تحويلات مالية ضخمة قد جرت باتجاه عمان جنيف وعمان بيروت حيث ترتكز الشركات التي كان يديرها اخوة الجلبي، وقد وجد انه البنك لم يكن يحتوي على 40 مليون دولار كما دلت أوراق الجلبي الخاصة بالبنك بل إن الميزان الصافي لاموال البنك وصلت الى 250 مليون دولار مع احتمالية وجود مبالغ تصل الى 100 مليون دولار اضافية لم يتم الوصول إليها.

اصبحت الحكومة الاردنية ضحية هذه الضجة فقد دفعت من خزينتها الهزيلة اكثر من 200 مليون دولار لعملاء البنك ويقول دبلوماسي اردني سابق quot;لقد اضطررنا لدفع اموال العملاء من مساعدات السعودية وبعض الدول العربية لنا على مدى السنتين التاليتين من القضيةquot;.

المضحك ان الجلبي اتخذ من قيام الحكومة الاردنية بدفع مبالغ المودعين حجة من ان البنك هو الذي دفع مبالغ مودعيه وليست الحكومة وبالتالي فإن موقفه كان سليمًا وان الموضوع انتهى quot;بعد ان اخذ الكل أموالهمquot;.

احتوى تحقيق المحكمة العسكرية الذي يرجع تاريخه الى الثلاثين من ابريل 1990 على تقرير من 17 صفحة تضمن ارقام حسابات (وهمية) قال بنك البتراء انه يملكها لدى مصارف عالمية منها حساب احتوى على 7 ملايين دولار في بنك (بانكر تراست) في نيويورك و 21 مليون دولار كان ينبغي ان تتواجد في حساب بنك (واردلي ليمتد) بالاضافة الى 19,169,404 دولار في بنك دويتشماركس واحتوت بنوك الجلبي التابعة لاشقاءه في جنيف على 72 مليون دولار، كما تم تحويل 15 مليون دولار الى شركة الرمال التابعة لعائلة الجلبي.. والاغرب من هذا كله ان الدكتور الجلبي قد صرف على نفسه اكثر من 14 مليون دولار في بند (المصروفات الشخصية) هو وافراد اخرين من عائلته.

كشف حساب الجلبي كما حوته اوراق تحقيقات المحكمة العسكرية ايضًا وجود قروض لفرع البتراء في واشنطن بقيمة 12 مليون دولار باسم عبد الهدى فاروقي اشترى من خلالها الاخير منزلاً بقيمة 1.7 مليون دولار في ماكلين بفرجينيا ونجح في الحصول على رسالة من الدكتور احمد قبل انهيار البنك يوضح فيها الجلبي ان فاروقي معفى من أي قرض من بنك البتراء لينجو بغنيمته.

لم ينتهِ مسلسل انهيار بنك البتراء الذي اتهم فيه احمد الجلبي بشكل اساسي عام 1992 بل امتدت اثاره الى ما يلي، ففي عام 2000 اي بعد ثماني سنوات من تاريخ انهيار البنك حوكم اخوة الجلبي جواد وحازم غيابيًا في جنيف بتهمة تزوير وثائق بعض منها يتعلق بموضوع البتراء.

يتذكر احد شركاء الجلبي في بنك البتراء تلك الايام بالقول quot;كان الجلبي يظن بأن لا احد سيحاكمه وكان غالبًا ما يتفاخر بأنه ما من احد قادر على محاكمته وسجنه في الاردن لأنه امتلك علاقات مع العائلة المالكة الاردنية.

يقول الدكتور سعيد النابلسي المحافظ السابق للبنك المركزي الاردني quot;لا احد يصدقنا حينما نقول ان بنك البتراء كان مفلسًا حينما استلمناه ، ولا ادري لماذا لا يستطيع الناس تفهم ذلكquot; وهذا ما دعى النابلسي لكتابة موضوع كامل عن ما قام به الجلبي في صحيفة الفاينشال تايمز.

يضيف النابلسي quot;هذا الرجل عبارة عن الشيطان في صورة انسان، هرب في غضون 48 ساعة، هل هذا ما يفعله الابرياء عادة مثل احمد الجلبي؟ ..هرب قبل ان تنطلق التحقيقات حتى، وقبل ان يتم اتهامه بأي شيء، كنا نريد الحديث معه باعتباره رئيس مجلس ادارة البنك ليس اكثرquot; ويضيف النابلسي quot;لقد كان ذكيًا جدًا، حيث تمكن من نسج علاقات قوية مع الرجال المهمين في الاردن، وقد اكتشفنا مصائب كبيرة كان يجب ان يتم التحرك بسرعةquot;.

تحرك الجلبي في قضية بنك البتراء اسرع من الاخرين وكان يسبق تحركاتهم بايام، ويقول اسامة حلبي أحد رجال الاعمال في الاردن من اللذين انضموا الى البنك عام 1983 كاحد الشركاء quot;كان هناك العديد من البنوك التقليدية في الاردن في ذلك الوقت ، ليظهر الجلبي، ذلك الشاب المتحمس والذي يقوم بالعمل على احدث طريقة، ولكن هناك العديد من العوامل التي حطمت بنك البتراء، ففي قطاع البنوك، الاشاعات يمكن ان تحطم حياتك بسهولة ولدينا مثل يقول (رأس المال جبان) ولم يكن أي أحد جاهزاً ليخاطر بماله فيما يحصل، لكن الجلبي وجد العديد من الفرص الاستثمارية وكان يريد للبنك ان ينمو بسرعة وينال المزيد من الاموال، كان يريد انشاء امبراطورية بسرعة البرق، وقبل اسبوع من انهيار بنك البتراء، كان لدينا مشاكل في الصرافة وكانت قيمة الدينار الاردني تتراجعquot;.

جاءت اولى خطوات انتقام الجلبي من الحكومة الاردنية هو الظهور في حلقة من برنامج 60 دقيقة في ديسمبر 1991 اتهم فيها الحكومة الاردنية بالوقوف مع الرئيس العراقي صدام حسين في غزوه للكويت، لكن في ذلك البرنامج حصلت الانتقالة حينما قرر الجلبي معارضة الرئيس العراقي صدام حسين كما يقول أحد معاصريه اثناء تلك الفترة quot;لقد قال مرة انه يستطيع ان يبني امبراطورية من 40 شركة باستخدام عقله، لكنه يجد ان السياسة أسهل، فالسياسة تجارة تدور حول المال حسب رأيهquot;.

وجد الجلبي فرصته في العاصمة الامركية واشنطن ليزرع اولى بذور العمل السياسي المنظم لمعارضة الرئيس العراقي صدام حسين وكان الهدف الاول له الحصول على الاموال وقد نجح في الحصول على مبتغاه من السي اي ايه لينشئ (المؤتمر الوطني العراقي) واخذ دائما الجلبي دور الزعامة ولم يكن ليقبل ان يشاركه احد في هذا المؤتمر الذي ينبغي من اسمه ان يضم العديد من اطياف المعارضة العراقية.

ويقول الجلبي في اول لقاء له مع صحيفة النيويورك تايمز في يناير 1991 quot;صدام حسين ليس quot;هيتلرquot; بل وحشًا خلقه الاخرونquot; وكان يشير وقتها الى الملك حسين باعتباره احد الاخرين، الجلبي قال في هذا اللقاء ايضًا ان الملك حسين كان يريد ان يسلمه الى الشرطة العراقية ولهذا ترك البلاد.

سياسي عراقي عاصر هذه المرحلة من حياة الجلبي يصف ما سيكون عليه الجلبي فيما بعد مستعينا بكلمات احد البعثيين القدماء quot;الدكتور احمد قابل هاني الفكيكي وهو احد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي قبل ان يهرب من العراق الى منفاه وذلك في العاصمة البريطانية لندن وقال الفكيكي للجلبي: احمد .. في قلبك صدام صغيرquot;.

في الحلقة الثالثة:
صدام حطم احلام الجلبي في معركة واترلو على ارض كردستان!

المصادر:
ارشيف صحيفة النيويورك تايمز ولوس انجلوس تايمز
مجلة التايم الاميركية
الحقيقة عن الجلبي: اندور كوكوبرن
ارشيف الفايننشال تايمز
احمد الجلبي وانا: لكرستوفر هتشينز