معلومات خاصة ل quot;إيلافquot; تنشر للمرة الأولى :
هذه قصة الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة
ايران مقتنعة بان مواطنيها الذين خطفوا في لبنان احياء
إيلي الحاج من بيروت: قبل 26 عاماً، في مثل هذه الأيام ، دخل أحد مساعدي الرئيس المنتخب الراحل بشير الجميّل غرفة اجتماعات كان يجلس فيها رئيس جهاز الأمن لميليشيا quot; القوات اللبنانية quot; سابقاً إيلي حبيقة وحيداً وأخبره أن بشيراً كلفه المجيء إليه وسؤاله عن أربعة دبلوماسيين إيرانيين اختفوا على طريق طرابلس ndash; بيروت بينما كانوا آتين من سورية إلى العاصمة اللبنانية التي كانت تطوقها القوات الإسرائيلية في تلك الحقبة . وقال مساعد الجميّل لحبيقة إن الأميركيين سألوا بشيراًُ عنهم بإلحاح.
روى مساعد بشير الجميّل، الذي أصبح لاحقاً رئيساً لجهاز مهم في الدولة اللبنانية لفترة غير طويلة، إن حبيقة أجابه : quot; ليتك قلت لي هذا الكلام أمس ، عندما كنا جالسين هنا أنت وأنا . هل تذكر إني كنت أفرز ملفات أمامي ؟ وضعت ملفاتهم إلى اليسار quot;.
قال مساعد الجميّل : ماذا يعني أنك وضعت ملفاتهم إلى اليسار ؟
-أعني أن من وضعت ملفاتهم إلى اليمين ما زالوا أحياء.
أخبرني مساعد الجميّل أنه كاد أن يفقد أعصابه، وأنه صرخ في الرجل أمامه : quot; يا ... معقول إنك تتحدث معي ، وفي الوقت نفسه تفصل بنظرة إلى الملف في حياة الناس وموتهم ؟ هل أنت الله؟quot;.
كان ذلك عام 1982 .
بعد أربعة أعوام، عام 1986، كان بشير الجميّل قد اغتيل وانتُخب شقيقه أمين الجميّل رئيساً للجمهورية ولم يتفق معه رفاق أخيه فقاموا بحركة إنقلابية ضده وسيطروا بالقوة على المنطقة التي كانت تعرف ب quot;الشرقية quot; لكنهم ما لبثوا أن اختلفوا على الخيارات السياسية والنفوذ إثر توقيع quot;الإتفاق الثلاثي quot; في دمشق، وانتهى صراعهم بسيطرة سمير جعجع على قيادة quot;القواتquot; وquot;الشرقية تالياً. وإنتقل حبيقة إلى سورية، وبما أنه كان رجل أمن بامتياز، واضطلع بأدوار كبيرة في لبنان ومع قوى ودول خارجه، سئل بالتفصيل هناك عن قضايا كثيرة، وكان التركيز، بدفع إيراني طبعاً، على موضوع الدبلوماسيين الأربعة . فأفاد حبيقة إنه عندما غادر مقر قيادته في محلة الكرنتينا كانوا لا يزالون أحياء في سجن هناك .
قال مساعد الجميّل، الراوي، إنه لا يعرف لماذا رمى حبيقة هذه القنبلة الدخانية في دمشق . والأرجح أنه أراد أن يوقع مزيداً من خصومة وكراهية ومشاكل على خصمه آنذاك سمير جعجع الذي سيُصبح مطالًباً بالدبلوماسيين ما داموا لا يزالون أحياء. في العام نفسه 1986 ، يكمل الراوي، قفز ملاح إسرائيلي إسمه رون أراد من طائرته الحربية بمظلة بين صيدا وصور واعتقله مقاتلو حركة quot;أملquot;. في السنة التالية 1978 أرسل رسالتين وصورة إلى أهله تؤكد أنه على قيد الحياة . في السنة التالية 1988 انقطعت أخباره ولا تزال .
إستنفرت إسرائيل كل أجهزتها الإستخباراتية وكل الوسطاء للتوصل إلى معرفة شيء عن رون أراد ، ولكن بلا نتيجة . كل ما حصلت عليه معلومات مختصرها أنه إثر مواجهات وقتال شديد بين حركة quot;أملquot; وquot;حزب الله quot; أوقع مئات الجرحى في والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت إنتقل أراد من عهدة الحركة إلى عهدة الحزب على يد قائد مجموعة من الحركة إنفصل عنها وأسس quot;أمل المؤمنةquot; ثم انضم إلى quot;حزب اللهquot;واسمه مصطفى الديراني.
في 1992 خطفت قوة كومندوس إسرائيلية الديراني من منزله في بلدة قصرنبا في بعلبك وبقي في معتقلات إسرائيل مع زميله في الحزب الشيخ عبد الكريم عبيد حتى سنة 2004، وكانت تصر على عدم إطلاقهما إلا في مقابل رون أراد أو معلومات مثبتة عنه . لكنها عادت وأطلقتهما في إطار صفقة تبادل لاستعادة ضابط إسرائيلي سابق اسمه حنان نتنباوم استُدرج إلى بيروت وخطف فيها ووصفت إسرائيل دوافعه بأنها quot;مشبوهةquot;.
لكن جلّ ما حصلت عليه من الديراني وعبيد هو الرواية نفسها التي كان يقدمها quot;حزب اللهquot; عن أراد. بعد حوادث الضاحية نقل إلى سهل قرية تدعى ميدون في البقاع ، وفي أحد الأيام من العام نفسه ، 1988، نفذت قوة من المظليين الإسرائيليين هجوماً على المكان ، فقتل مع حرسه ، أو تمكن من الهرب ولم يعد الحزب يعرف عنه شيئاً.
بين 1986 و1988 تلقت قيادة ميليشيا quot;القوات اللبنانيةquot;، على ما روى لي نائب قائدها في تلك الحقبة كريم بقرادوني ، إتصالات من دول غربية، لا سيما منها بريطانيا، تعرض على quot;القواتquot; ما تشاء من أشكال الدعم لقاء الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة . تلك كانت أيام خطف الرعايا الغربيين في بيروت الغربية، وبما أن الخاطفين كانوا على إرتباط بإيران تحت مسميات تنظيمات وهمية، أرادت بريطانيا عرض مقايضة بينهم وبين الإيرانيين الأربعة.
أبلغت quot;القواتquot; البريطانيين بعد إستقصاءات وتحقيقات واسعة أن مبنى أنشئ في المكان الذي يعتقد أن الدبلوماسيين الأربعة دُفنوا فيه على الأرجح، وبالتالي لا يمكن العثور حتى على رفاتهم .
وفي أواخر عام 1990 زار وفد دبلوماسي إيراني يرافق عائلات الدبلوماسيين المفقودين سمير جعجع في مقره آنذاك في الكرنتينا، فأبلغهم جعجع ما جرى، وأن الأربعة قتلوا بعد وقت قصير من خطفهم وتعذر العثور على رفاتهم.
لكن السلطات الإيرانية ظلت على اقتناع بأن الأربعة أحياء وأنهم أصبحوا في إسرائيل بعد حل ميليشيا quot;القواتquot;. ودفع المسؤول الكتائبي بطرس خوند الذي خطف بعد الحرب مطلع التسعينات واختفت آثاره، هو أيضاً ثمن الإعتقاد الإيراني هذا ، على ما يقول مطلعون على هذا الملف. ولا تزال عائلته حتى اليوم تنتظر عودته .
والمفارقة في لعبة مرايا الكذب المتبادل أن إسرائيل لم تنف يوماً وجود الدبلوماسيين الأربعة لديها ، وكانت كلما راجعها أحد في شأنهم تبدي إستعداداً للتعاون في مقابل معلومات عن أراد الذي ظلت مقيمة لسنوات طويلة على اقتناع بأنه موجود في سجن في مدينة طهران، وأنه عليل. هذا على الأقل ما أبلغه جهاز quot;أمانquot; الإسرائيلي لأرييل شارون عام 2005.
لكن القائد السابق لquot;الحرس الثوري الإيرانيquot; الجنرال علي راضي أصغري الذي فرّ من سلطات بلاده خلال زيارة كان يقوم بها لتركيا والتحق بإحدى دول الغرب كان يحمل معه مفاجأة للمحققين : لا علاقة لإيران بقضية رون أراد ، لا من قريب ولا من بعيد ، وبالطبع ليس في طهران.
رغم ذلك أصرت إسرائيل في كل عمليات التبادل التي أجرتها مع quot;حزب اللهquot; على الإحتفاظ باللبناني سمير قنطار المعتقل لديها منذ 30 عاماً بحكم قضائي quot;مفتوحquot;، أي أبعد من المؤبد في قضايا شن عمليات ضد إسرائيليين وقتلهم في إطار المقاومة الفلسطينية ، وتحديداً مع quot;جبهة التحرير العربيةquot;، ورفضت إطلاقه إلا في مقابل رون أراد أو ما يثبت وفاته.
ولم يكن في إسرائيل من معتقلين لبنانيين بعد عملية التبادل الكبيرة عام 2004 سوى سمير قنطار، باعتبار أن نسيم نصر الذي أخرجته سلمته أخيرا إلى quot;حزب اللهquot; . وهو يحمل الجنسية الإسرائيلية إلى جانب الجنسية اللبنانية. وقد أبعدته بعدما أمضى حكمه ستة أعوام سجناً بتهمة التجسس لquot;حزب اللهquot;.
وبعد إتمام صفقة التبادل الكبيرة اليوم، سيكون المجال متاحاً للتأمل في نتائج الأكاذيب أو عمليات إخفاء المعلومات التي مارسها أطراف كثيرون على مدى عقود ، والتي دفع ثمنها العشرات عشرات الأعوام من حياتهم، وفي العذابات التي كان يمكن تفاديها، والمآسي الإنسانية التي تفوق التصوّر.
لقد قررت إسرائيل أن تقدم لquot;حزب اللهquot; وإيران إثباتات مقنعة تؤكد أن دبلوماسييها قتلوا بعيد خطفهم عام 1982. وقرر quot;حزب اللهquot; في المقابل أن يقدم إثباتات مقنعة على أن رون أراد ليس على قيد الحياة .
ألم يكن ذلك ممكناً من قبل؟
* ملاحظة: تمنى علي مساعد بشير الجميّل عندما روى ما جرى للدبلوماسيين ألا أكتب عن هذه المسألة أبداً . quot;مش وقتها quot; ، قال . وشرح لماذا يجب ألا تكتب. اليوم أعتقد أن الوقت قد حان ، ولم أذكر إسمه لأنه هو أيضاً ، مثل حبيقة ، أصبح في دنيا الحق.
التعليقات