الضغط الشعبي يكسر هيمنة المؤسسة الأمنية
أغلبية في الحكومة الإسرائيلية تؤيد إقرار الصفقة مع حزب الله
نضال وتد من تل أبيب:
تشير كافة الدلائل إلى أن الحكومة الإسرائيلية ستقر اليوم صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله، والتي سيتم بموجبها الإفراج عن الأسير اللبناني، سمير القنطار وأربعة من مقاتلي الحزب الذين تم أسرهم خلال الحرب الثانية على لبنان وجثث نحو لبناني تم دفنها في إسرائيل، وذلك على الرغم من المعارضة الشديدة للصفقة من قبل قطبي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وهما رئيس الموساد مئير دغان، ورئيس جهاز الأمن العام، quot;الشاباكquot; يوفال ديسكين، فيما أعلنت مصادر مقربة من أولمرت أن الأخير لا يزال يتخبط ولم يحسم موعده بعد وأنه سيعلن قراره عند التصويت في الحكومة.
ويأتي هذا التطور على أثر الحملة الشعبية في الرأي العام الإسرائيلي والضغوط التي مارستها أسرتا الجنديين الإسرائيليين ، أودي ريغف، وغلعاد غولد فاسير، على الحكومة، وفي أوساط الصحافة، وعلى أعضاء الكنيست والوزراء، لا سيما بعد أن كشف النقاب عن أن تقارير سرية أفادت بأن احتمالات كون الجنديين الإسرائليين ليسا على قيد الحياة.
وشكل تسريب هذه المعلومات، إلى جانب قرار الجيش الإسرائيلي إحالة التقارير الأمنية عن حالة الجنديين للحاخام العسكري للجيش للبت في إمكانية الإعلان عن موت الجنديين، رافعة زادت من حدة ضغوط عائلتي الجنديين، خصوصا في أوساط الرأي الإسرائيلي، مع انضمام عدد كبير من الجنود الإسرائيليين الذين خدموا في نفس الوحدات، وجهات إسرائيلية مختلفة، مثل الحركة الكيبوتسية، ومجموعات واسعة في الجمهور الإسرائيلي، التي دعت الحكومة الإسرائيلية إلى المصادقة على الصفقة حتى وإن كان الجنديين ليسا على قيد الحياة، حتى لا يصيرا إلى مصير الملاح الإسرائيلي، رون أراد الذي فقدت أثاره منذ الحرب الإسرائيلية الأولى على لبنان عام 1982.
وفي المقابل فإن حالة شبه اليقين السائدة في إسرائيل بشأن احتمال كون الجنديين قد ماتا، أثارت موجة شديدة معارضة لإقرار الصفقة، وخصوصا الشق المتعلق بالإفراج عن سمير القنطار، باعتباره الورقة الأهم في أيدي إسرائيل لمواجهة حزب الله ومطالبته بتوفير معلومات عن مصير الملاح رون أراد، من جهة، والقول بأن إقرار الصفقة الحالية يعني عمليا كسر قواعد اللعبة السائدة في عمليات تبادل الأسرى، ورفع السعر المدفوع إسرائيليا مقابل جثث وليس أسرى على قيد الحياة، وهو ما سيضر مستقبلا بقوة الردع الإسرائيلية.
وبرزت في هذا السياق تصريحات عضو الكنيست الإسرائيلي، يوسي بيلين، المعدود على اليسار الإسرائيلي، حيث أبلغ الإذاعة الإسرائيلية صباح اليوم، إنه يوافق أن تدفع إسرائيل كل ثمن مقابل إعادة أسرى على قيد الحياة، لكنه يرفض أن تدفع إسرائيل الثمن الباهظ المطلوب منها مقابل الحصول على جثث، لأن ذلك سيشكل سابقة قد يتسغلها حزب الله أو أي من التنظيمات الأخرى مستقبلا لدى اختطاف جنود إسرائيليين.
في المقابل قال الوزير الإسرائيلي، شاؤول موفاز، الذي شغل في السابق منصب وزير الأمن، ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، للإذاعة الإسرائيلية: quot;إن الحكومة الإسرائيلية ملزمة بإقرار الصفقة لاستعادة الجنود، وإن لم يكونوا على قيد الحياة، لأنه في حال تخلت الدولة عن أبنائها فسوف يتخلون عنها بدورهمquot;.
ووافق أغلبية المحللون في الصحف الإسرائيلية، اليوم أنم القرار الذي سيتخذه أولمرت ليس سهلا وأنه فعلا أمام معضلة مركبة، فالحكومة ملزمة من جهة بذل كل مجهود لاستعادة الجنود الإسرائيلين، في الأسر سواء كانوا على قيد الحياة أم لا، وهي تدين بذلك لأسر الجنود وعائلاتهم، كما أن الجيش نفسه يدين بذلك لجنوده، حتى يكونوا على قناعة أنه في حال سقطوا في الأسر فإن الجيش والدولة لن تنساهم، ولكن وفي المقابل، فإن الخضوع لشروط حزب الله، وتبادل الجثث بأسرى على قيد الحياة سيضرب ويهز قوة الردع الإسرائيلية، حسبما كتب رون بن يشاي في موقع يديعوت أحرونوت اليوم.
ومع أن بن يشاي يضع اشتراطات لإقرار الصفقة أهمها أن تتفق إسرائيل وحزب الله على إغلاق ملف خطف الجنود الإسرائيليين مستقبلا، إلا أنه يقر بضرورة وقف عناء وعذاب أسر الجنديين الإسرائيليين، لكنه يشير إلى أن الصفقة ستشكل في نهاية المطاف نصرا إضافيا لحزب الله.
وفي هذا السياق يبرز موقف كل من رئيس الموساد، مئير دغان، ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، اللذان يعارضان الصفقة، بسبب إسقاطاتها المستقبلية، سواء على مصير من يقع من الجنود الإسرائيليين، في الأسر، أو على قوة الردع الإسرائيلية، إذ يدعي الاثنان أن لا يجب مبادلة أسرى أحياء بجثث، كما أن الإفراج عن قنطار يعني عمليا إسدال الستار على فرص مفاوضة حزب الله حول مصير رون أراد، علما بأن مؤيدي الصفقة يشيرون إلى أن إقرار الصفقة مشروط أيضا، بأن يسلم حزب الله الوسيط الألماني، تقريرا مفصلا يتضمن كافة المعلومات المتوفرة لحزب الله عن أراد. وفي هذا السياق اعتبرت، الكاتبة الإسرائيلية سيما كدمون، أن قرار الحكومة اليوم، يعني عمليا الاختيار بين أراد وبين جولدفاسير وريجيف.
اعتبارات حزبية وسياسية
وعلى الرغم من عدم التلميح إلى ذلك، وبرغم الخلاف الكبير بين المستوى السياسي الإسرائيلي، وخصوصا بين وزير الأمن، براك، ورئيس الحكومة، أولمرت، من جهة وبين رئيسي جهاز الموساد، دغان، والشاباك، ديسكين، إلا أنه من الواضح أن الدوافع السياسية والحزبية، ورغبة الحكومة، وخصوصا أولمرت وبراك، بالبقاء في الحكم، لا سيما بعد انتهاء الأزمة الحزبية الداخلية، التي خيمت على إسرائيل طيلة الشهرين الماضيين، تلعب دورا كبيرا لجهة إقرار الصفقة برغم معارضة الأجهزة الأمنية التي حددت على مر السنين ومنذ إقامة إسرائيل، الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية، وكان لها حق نقض أي قرار ترى أنه قد يهدد مستقبلا أمن إسرائيل.
وفي هذا السياق، وبسبب ما ينتظر أولمرت، في السابع عشر من الشهر القادم، وهو موعد التحقيق المضاد مع الثري الأمريكي، تالينسكي، في قضايا الفساد الموجهة لأولمرت، فإن أولمرت، على ضعف حكومته، وهيبته في أوساط الرأي العام الإسرائيلي، سيراهن على دعم الشارع الإسرائيلي لإبرام الصفقة، دون أن يخشى من انتقادات شديدة من خصومه، الذين لا يمكنهم، أن يعلنوا موقفا يفسر على أنه تخلي عن جنود في الأسر.
وكان أولمرت، نحو نفس المنحى في قضية التهدئة مع حماس، عندما استند في نهاية المطاف، على رغبة أغلبية الجمهور الإسرائيلي بإقرار التهدئة لفتح الطريق أمام تكثيف المفاوضات مع حماس لإطلاق سراح شاليط، متحملا الهجمات الشديدة التي شنتها عليه المعارضة بقيادة نتنياهو.
لكن العبرة الأهم في حال إقرار الصفقة في جلسة الحكومة اليوم، هي سحب القرار في ملفات الجنود الأسرى من المؤسسة الأمنية، وإعادته لأيدي المؤسسة السياسية المتمثلة بالحكومة ورئيسها، مما يمهد لتوتر مستقبلي بين الجهازين، وربما تراشق للاتهامات بين الجهتين.