لعنة سوزان تميم طالت كل من اقترب منها وامتدت لمصر
3 سيناريوهات تفسر مفاجأة حبس ومحاكمة هشام طلعت
كتب ـ نبيل شرف الدين: المفاجأة التي فجرها النائب العام المصري بالقبض على رجل الأعمال والنائب البرلماني هشام طلعت مصطفى، وتوجيه تهمة التحريض على قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم إليه، فهذه المفاجأة لم توفر للمراقبين للشأن الداخلي في مصر حتى الآن فرصة لتأمل الحدث، والإجابة عن سؤال حول دوافع إقدام النظام الحاكم في مصر على خطوة كهذه، لم يمنح فيها مساندة لأحد أبرز رجاله المخلصين، بل باغتت الجميع بهذا الموقف المفاجئ، والذي لم يكن ليخطر ببال أحد في مصر قبل الإعلان عنه رسمياً بدقائق.
هذا الموقف الرسمي الذي تجاوز كل التوقعات يثير حزمة كبيرة من الأسئلة، بعضها يتعلق بأسباب سلوك هشام طلعت ذاته، والبعض الآخر يتعلق بدوافع سلوك النظام حياله هذا فضلاً عما جرى ويجري في كواليس هذه القصة التي توافرت لها كل عناصر الإثارة من المال والسلطة وصولاً إلى تفاصيل أكثر إثارة تتعلق بالمشاعر والعلاقات الخاصة، حتى انتهى الأمر أخيراً بطريقة درامية مكتملة الأركان، أفضت إلى جريمة قتل بالغة البشاعة والغموض والإثارة في آنٍ واحد.
ثمة أمر آخر لا يمكن إسقاطه وسط هذه التفاصيل المثيرة لهذه القصة، وهو صراع رجال الأعمال المقربين من دوائر السلطة في مصر، فلم يكن سراً أن معركة نشبت بين قطبي العقارات في مصر، أما الأول فهو رجل الأعمال، والقيادي البارز في الحزب الوطني (الحاكم) أحمد عز، والذي يوصف بأنه الأكثر اقتراباً من جمال مبارك نجل الرئيس المصري، ويشغل مناصب رفيعة داخل الحزب الحاكم والبرلمان.
الطرف الثاني في هذه المعركة هو بطل هذه القصة الدراماتيكية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، إذ تبادلا تصريحات حادة بسبب الارتفاع الهائل والمستمر في أسعار حديد التسليح، وهي الصناعة التي يكاد يحتكرها أحمد عز، غير أن الارتفاع في أسعار حديد التسليح من شأنه أن يؤثر بالطبع سلبياًفي خطط البناء الضخمة وتشييد المدن الجديدة الكبيرة، التي تتصدى لتأسيسها مجموعة شركات طلعت مصطفى، والتي كان يرأس مجلس إدارتها هشام قبل أن يصدر قرار النائب العام بحبسه وتوجيه الاتهامات له.
لعنة تميم
في هذا السياق تكاد تنحصر التفسيرات والاجتهادات الرائجة في القاهرة في ثلاثة سيناريوهات تسعى إلى تفكيك هذه القصة. ومحاولة استبار أغوارها والوقوف على دوافع أطرافها المتعددة، فالقتيلة فنانة لبنانية، اشتهرت بتعدد علاقاتها وزيجاتها ونهمها للحياة، كأنها كانت تستشعر نهايتها المبتسرة المأسوية، فسوزان تميم بارعة الجمال التي لم يتجاوز عمرها ثلاثين عاماً، وجدت نفسها في خضم معارك كبيرة مع نافذين من كبار رجال الأعمال والمسؤولين، وصارت حديث الدنيا وشاغلة الناس، ومع ذلك يمكن للمرء أن يؤكد باطمئنان أن لعنة ما طاردتها طوال حياتها القصيرة، وامتدت لكل من اقترب منها، ولم تذق يومًا طعم الراحة والاستقرار، وعاشت حياة بالغة التعاسة، رغم كل ما كان يحيط بها من مظاهر الثراء والشهرة والسفر وحكايات الحب والزواج والطلاق والفن.
وهكذا وجدت الفتاة الجميلة التعيسة نفسها موضع صفقات بين عشاقها، فزوجها الأول المدعو علي مزنر رفض طلاقها ودياً ، إلى أن قرر المنتج عادل معتوق أن يتزوجها، فدفع للأول مبلغ مليون دولار أميركي، كما تردد لدى أكثر من مصدر، غير أن العلاقة بينهما بلغت درجة من التوتر اثيرت معها قصص كثيرة حول مشاكلها مع معتوق، بعضها كان حقيقيا، وأكثرها كان ملفقا، ثم وصل الأمر إلى الملاسنات عبر الصحف والفضائيات وحتى ساحات القضاء في أكثر من بلد عربي.
عادت القصة تتكرر مجدداً حين وقع هشام طلعت مصطفى في حب سوزان تميم وقد سعى ـ كما يتردد في أوساط المقربين ـ أن يسترضي عادل معتوق بالمال تارة، والتهديدات عبر وسطاء تارات، حتى يطلقها، إلا أنه ـ وكما يقول مصدر مصري ـ كانت سوزان قد وقعت في غرام شاب رياضي عراقي يقيم في العاصمة البريطانية لندن، ولعلها كانت قد سئمت من كونها موضعاً لصفقات بيع وشراء من رجل لآخر، ومن مليونير لآخر، هذا ناهيك عما تردد من قصص غير موثقة عن علاقة أخرى ربطتها بشخصية نافذة في دولة الإمارات العربية.
أما هشام طلعت مصطفى، فعلى الرغم من كونه ابن رجل أعمال ناجح، أسس إمبراطورية اقتصادية تعد الأولى من نوعها في مصر، خاصة بعد أن تراجع دور المؤسسات الحكومية العاملة في سوق البناء والتشييد، مثل quot;المقاولون العربquot;، التي أنهكتها الإدارة الحكومية البائسة، وما يترتب عليها من ترهل وفساد وضحالة في الخيال وغير ذلك من الأمراض التي تحيط الإدارات الحكومية في مصر.
على الرغم من أن هشام كان ينظر إليه كشاب ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، إلا أن مجموعة الشركات التي يرأسها شهدت على يديه ازدهاراً غير مسبوق، خاصة بعد النجاح الهائل الذي حققته في مشروع quot;مدينة الرحابquot;، ناهيك عن مشاريع أخرى في مدن الإسكندرية والسادس من أكتوبر، ومدينة الشروق وغيرها، بالإضافة إلى المشروع السكني الضخم الذي يتواصل العمل فيه حالياً وهو مشروع quot;مدينتيquot; على طريق القاهرة ـ السويس الصحراوي الذي يتجاوز آلاف الهكتارات، ويسعى إلى بناء مدينة متكاملة لعلها الأكثر حداثة وتطوراً من نوعها في تاريخ مصر المعاصر.
هشام طلعت |
ثلاثة سيناريوهات
أما في سياق تفسير ما جرى في خلفيات قصة إحالة رجل الأعمال المصري البارز هشام طلعت مصطفى، فيطرح المراقبون ثلاثة تصورات أو سيناريوهات، الأول يرى أن دوائر الحكم في مصر تصرفت هذه المرة بطريقة براغماتية حاسمة، حيث فضّلت أن تُضّحي بشخصٍ تسبب في إحراجها على صعيد تخطي الحدود الجغرافية والسلوكية معاً مهما كانت حيثيات هذا الشخص وارتباطاته بشخصيات نافذة، خاصة وأن ردود الفعل الشعبية كانت قد بلغت درجة عالية من الاستياء بعد أن ظفر متهمون في قضيتين شغلتا الرأي العام بالبراءة، وهما المتهمان في قضية الدم الملوث، ثم العبّارة التي راح ضحيتها أكثر من ألف مصري في البحر الأحمر، وبالتالي فلم يعد النظام يحتمل مزيداً من الحرج الشعبي، ولاسيما أن الأمر هذه المرة تجاوز مصر إلى دبي وبيروت ولندن وهي كلفة غالية لا يبدو معها النظام مستعداً لتحملها في هذه الظروف.
السيناريو الأول يقودنا إلى السيناريو الثاني، فخروج الأمر هذه المرة على حدود الجغرافيا والسلوك المتعارف إليه، لينتقل إلى إمارة دبي كما يصل لحد التصفية الجسدية بشهوة الانتقام، هو أمر دفع إلى المشهد عنصرا جديدا لا يستهان به، وهو موقف حكّام دبي، الذين يسعون منذ عقود إلى تحويل بلدهم إلى ساحة للاستثمارات الآمنة ويحلمون بها وقد أصبحت quot;هونغ كونغquot; الشرق الأوسط، لم يكن ليرضيهم أن تشهد هذه الإمارة الواعدة جرائم من هذا النوع الدامي الذي يهدد حال انتشاره بتحويلها إلى مسرح quot;مافيوزيquot; لرجال الأعمال والشركات وربما الدول أيضاً وبالتالي أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية، ومن هنا كانت هناك وقفة صارمة من قبل حكّام دبي، الذين جمعوا أكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذه الجريمة وملابساتها، ووضعوها تحت تصرف السلطات المصرية مطالبين إياها بضرورة التعاون معها، بموجب الاتفاق القضائي بين البلدين، والأهم من هذا باسم العلاقات الجيدة بين مصر والإمارات العربية، والمصالح الكبيرة والعلاقات المتميزة التي تربط البلدين.
ومن هنا يذهب فريق من المراقبين إلى التعويل كثيراً على إلحاح سلطات الإمارات بضرورة تحريك القضية، ومساءلة المتورطين في ارتكاب هذه الجريمة حتى لا تصبح quot;دبيquot; ساحة للقتل والتصفية الجسدية، بما يهدد سمعتها، بل ويرى بعض كتّاب الرأي والمعلقين في الصحافة المصرية أن هذه الجريمة لو كانت وقعت في مصر كلها، ولم تتجاوز الحدود، أو حتى لو جرت وقائعها في لندن مثلا، ذات التاريخ الأسوأ في مصرع مصريين مشهورين، لما كانت الأمور قد تطورت على هذا النحو، وامتدت لتطال رجل الأعمال المتنفذ، وتلقي به في السجن متهماً مع القتلة واللصوص وبقية المجرمين والمتهمين.
بقى سيناريو أخير يسوقه المسؤولون الحكوميون وقادة الحزب الوطني (الحاكم) في مصر، ومن يتبنون الدفاع عن سياساته الذين يؤكدون أن هذا هو المسلك المعتاد والطبيعي في مصر بعدم محاباة أحد على حساب العدالة وسيادة القانون، وهو رأي قد لا يتفق معهم بشأنه ملايين المصريين الذين تساورهم الهواجس والشكوك حيال أي سياسات أو ممارسات حكومية، في ظل الاحتقان السياسي السائد في مصر.
ومن جهة الموقف القانوني، يرى محامون مصريون أن عقوبة الإعدام ربما تطال رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، المتهم بالتحريض في عملية قتل سوزان تميم، وفي أدنى تقدير يمكن أن تصل في حالة الإدانة إلى السجن المؤبد، مؤكدين أن هشام يواجه مأزقاً حقيقيا، وهو ما يذهب إليه أستاذ القانون الدكتور حسن رأفت، الذي يقول إنه في ظل توجيه تهمة التحريض والاتفاق والمساعدة في قضايا القتل، فإن عقوبة الشريك تكون هي ذاتها عقوبة الفاعل الأصلي، وتتحدد تبعاً لنوع الجريمة، بل إنه في بعض الأحيان ترى المحكمة أن دور الشريك قد يتجاوز دور الفاعل فهو المحرض والممول والمنسق والمخطط لارتكاب الجريمة، بينما لم يكن الفاعل الأصلي سوى أداة للتنفيذ فحسب، وبالتالي فقد تقضي المحكمة حينئذ بعقوبة أشد على الشريك، كما لفت رأفت إلى أن عقوبة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد هي الإعدام شنقاً، وإذا خفضتها المحكمة فإنها حينئذ تصبح السجن المشدد أو السجن، الذي تتفاوت مدته من ثلاثة أعوام إلى خمسة وعشرين عاماً وفقاً للسلطة التقديرية للمحكمة ومدى اقتناعها وما استقر في عقيدتها حيال موضوع القضية وما اكتنفها من ملابسات ووقائع.
أسرار التحقيقات مع المتهمين بقتل سوزان تميم
وبالعودة الى موضوع التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في مصر فقد كشفت عن تفاصيل بالغة الإثارة في قضية اتهام رجل الأعمال والبرلماني المصري البارز هشام طلعت مصطفى بتحريض الضابط السابق محسن السكري على قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم في شقتها في مدينة دبي الشهر الماضي . كما نقل أيضاً عن مصادر قضائية أن المتهم محسن السكري سلم المحققين مبلغ مليون ونصف المليون دولار، كان قد تلقاها من هشام طلعت مصطفى نظير قيامه بقتل سوزان تميم حيث تم إيداع المبلغ في خزينة النيابة العامة، كما عثر في حسابه على 300 ألف دولار أميركي من باقي مبلغ المليوني دولار التي تسلمها من هشام طلعت .
كما سلم السكري للنيابة تسجيلات كانت على هاتفه المحمول تتضمن الاتصالات المتبادلة بينه وبين هشام طلعت للاتفاق على قتل سوزان. وقالت المصادر إن النيابة واجهت هشام بهذه التسجيلات فلم ينكر وقال إن صوت التسجيل يشبه صوته . وأكدت المصادر أن السكري ذكر في التحقيقات أن هشام كان يريد الانتقام من سوزان تميم بعد أن خانته وارتبطت بشخص آخر بدلا منه وغادرت القاهرة الى لندن ثم دبي دون علمه بعد أن أنفق عليها نحو 13 مليون دولار.
غير أن هشام طلعت مصطفى وأثناء نقله إلى السجن، نفى أن يكون له دور سواء في التحريض أو الترتيب لتنفيذ الجريمة ووصف السكري بأنه quot;شخص مشبوه مأجور يهدف الى تحطيم الاستثمارات الخاصة بشركاتهquot;. وقالت مصادر قريبة من التحقيقات التي أجرتها السلطات المصرية أنه جرى التخطيط لقتل سوزان تميم في لندن خلال وجودها هناك، وجرت اتصالات هاتفية بين هشام والسكري لتنفيذ الجريمة في لندن على غرار ما حدث لأشرف مروان والفنانة سعاد حسني، لكن مغادرة سوزان تميم الى دبي حال دون تنفيذ العملية في لندن، وبالتالي انتقل مسرح الجريمة إلى شقتها في دبي .
[email protected]
شاهد في إيلاف: | ||
|
التعليقات