في لقاء مع أطباء مصريين وصلوا إلى مستشفيات القطاع
أهالي غزة يتمتعون بمعنويات مذهلة والعالم يتعلم منهم الصمود
باسم النبريص من غزة:
ثلاث دفعات من الأطباء العرب وصلت حتى هذه اللحظة إلى داخل قطاع غزة، عن طريق معبر رفح. وقد بلغَ عددهم حوالي الخمسين طبيباً، أغلبهم من مصر، وبعضهم من اليمن والمغرب. أطباء استشاريون من مختلف التخصصات، وخاصة التخصصات التي تناسب زمن الحرب وحالات الحرب. وقد اخترنا منهم ثلاثة، التقيناهم في مستشفى ناصر، بمدينة خان يونس، وأقنعناهم بصعوبة بالحديث معنا، حيث يعملون الآن جنباً إلى جنب مع زملائهم الأطباء الغزاوين، في معالجة الإصابات الحرجة، كلٌّ في مجال تخصصه. والأطباء هم الدكتور محمد رفاعي، أستاذ أنف وأذن وحنجرة وجراحة الرأس والرقبة في جامعة القاهرة. والدكتور مصطفى قطب أستاذ جراحة المخ والأعصاب (جامعة القاهرة أيضاً). والدكتور محمد يوسف أستاذ الجراحة في جامعة القاهرة وعضو مجلس النقابة العامة لأطباء مصر.
bull;أولاً، نرحب بكم بين أهلكم في غزة، ونقدّر عالياً مجيئكم في هذه الظروف الصعبة.
bull;إنه واجبنا أولاً ودائماً، فضلاً عن أنه حلم عزيز بعيد، تحقق أخيراً.
*أخبرونا عن تفاصيل رحلتكم من القاهرة حتى دخولكم القطاع؟
bull;وصلنا ضمن قافلة نظمها إتحاد الأطباء العرب، بالتنسيق مع البروفيسور مدحت عاصم. وصلنا معبر رفح في حوالي الرابعة والنصف عصراً يوم أمس السبت. عند المعبر فوجئنا بوجود أطباء من جنسيات مختلفة، جاءوا ليشاركوا في هذه الملحمة التي يؤديها أهالي غزة

bull;من أي جنسيات؟
bull;من النرويج والدانمرك وإندونيسيا والجزائر. المعبر كان يعج بالحركة والمعونات المختلفة (أغلبها طبية) قادمة من مؤسسات حكومية وأهلية. ويتوجب علينا هنا الإشادة بشكل خاص بجمعية (رسالة) حيث التقينا بشباب في عمر الزهور واقفين هناك، منتظرين أمام المعبر بالساعات، طالبين من الأطباء الداخلين للقطاع، أرقام هواتفهم النقالة، وذلك لتوفير كل المعدات اللازمة الناقصة في القطاع.
bull;هل واجهتم أية مشاكل مع السلطات؟
bull;بالعكس، لقينا ترحيباً وتعاطفاً كبيراً من قِبَل الضباط والجنود الذين قابلناهم خلال الرحلة كلها، على مختلف الحواجز. ولما دخلنا المعبر، حاولوا جاهدين تسهيل كل الإجراءات. واسمح لنا هنا باستغلال الفرصة، للإشادة بموقف مرّ بنا على الحدود وتأثّرنا به كثيراً، إذ قابلنا ممرضة ايرلندية متعاطفة وتتكلم العربية وتبكي وتحاول الدخول إلى غزة منذ أسبوع. وهذا ينافي ما تحاول آلة الإعلام الإسرائيلية تصويره من أن أهالي القطاع معزولون، وقلة من الأوربيين تتعاطف معهم.
bull;ما هي نوعية وتخصصات الأطباء الداخلين؟
bull;كلها تخصصات مرتبطة بإصابات الحروب. على سبيل المثال: جراحة عظام، جراحة مخ وأعصاب، جراحة عامة، جراحة أوعية دموية، جراحة قلب وصدر، جراحة رأس ورقبة، وتخدير ورعاية مركزة، بالإضافة إلى جراحة أطفال ونساء وولادة. ونريد لفت نظرك إلى أنّ هؤلاء الذين قدموا هم قلة فقط من الأطباء الذين ينتظرون ويودون الدخول وهم بالآلاف، كما نودّ لفت النظر إلى أنّ الإصابات التي وصلت إلى مصر، لاقت رعاية طبية على أعلى مستوى في القطاع، قبل وصولها للمستشفيات المصرية، بمعنى أن الخدمة الطبية في قطاع غزة خدمة ممتازة يفخر بها الأطباء العرب والشعب العربي كله. ونحن جئنا لأننا سمعنا أن الأطباء الفلسطينيين لم يناموا منذ أسبوعين، ونحن جئنا لإراحتهم، ولنكون تحت تصرف السلطات الصحية في القطاع. مع التنبيه أيضاً إلى أننا لا نملك خبرة الأطباء الفلسطينيين الذين اكتسبوا خبرات هائلة في التعامل مع الحروب. فنحن كان تعاملنا مع الحياة المدنية فقط.
bull;هل هو تواضع، فكلكم استشاريون وبدرجة أستاذ؟
bull;لا والله. بل هي الحقيقة، فزملاؤنا هنا لهم خبرة ثمينة في التعامل مع حالات الحرب.
* لماذا جئتم إلى غزة؟
* أولا وأخيراً: لوجه الله. فنحن نعتبر هذا جهاداً لنصرة إخواننا في القطاع، ولو بالمؤازرة. ثانياً: للتخفيف من العبء الملقى على كاهل زملائنا الأطباء الموجودين هنا.
bull;هل فوجئتم بشيء لم تكونوا تتوقعونه حين دخلتم القطاع؟
bull;أول حاجة دفء اللقاء مع زملائنا، ثانياً: أسلوب الحديث الذي تحدث به مدير المستشفى هنا، أسلوب راق. الروح المعنوية المذهلة للشعب الفلسطيني. فكل شخص قابلناه هنا سفير جيد لوطنه ولشعبه. ثالثاً: مدى دقة تنظيم العمل، ففي غرفة العمليات والاستقبال، كل واحد يعرف دوره. وبالقياس إلى إمكانياتهم المادية المتواضعة، فكل شيء يسير حسب منظومة عالية الجودة. وهذا يدل على الروح العالية والإخلاص في العمل.
bull;لماذا كلكم كل الأطباء الخمسين متواجدون فقط في المستشفى الأوروبي ومستشفى ناصر، جنوب قطاع غزة، بينما غزة وشمالها( وهي مركز الأحداث والإصابات)، لم يصلها أحد؟
bull;قوات الاحتلال ودباباته تمنعنا من الوصول لغزة. هذا هو السبب.
bull;هل هذه أول مرة تدخلون فيها للقطاع؟
bull;نعم هذه أول مرة بالنسبة إليّ (يجيب الدكتور محمد رفاعي)، أما الدكتور مصطفى قطب، فهي المرة الثانية، حيث كانت الأولى عام 1962، وكان له من العمر آنذاك خمس سنوات.
bull;ما هي نظرتكم لتطورات الأحداث في الفترة القادمة، بمعنى ما هي قراءتكم للواقع السياسي؟
bull;د. محمد: إن إرادة شعب بمثل هذا الصمود لا يمكن أن تنكسر. ولا أن ينهزم هذا الشعب. د. مصطفى: أنا أوافق على ما قيل وأزيد أن الوضع السياسي، بالقطع سيفرض معطيات أخرى على الساحة .

bull;ماذا تقولون لأهلكم وللشعب المصري من هنا وفي هذه اللحظات الحرجة؟
bull;د. محمد: أقول لأهلي وشعبي إنّ شعب القطاع يستحق الفخر والتحية من كل مصري وكذلك الدعم. د. مصطفى: نطمئن أهلنا في مصر علينا. ونقول لهم نحن الحمد لله بخير، ولا تقلقوا علينا.

bull;هل فكرتم بالشهادة وأنتم قادمون إلى هنا؟
bull;د. محمد: عن نفسي فكرت بهذا، وأرى أنها أفضل طريقة أُنهي بها حياتي.( في هذه اللحظة، يدخل الدكتور محمد يوسف، فينضم للحديث) : عايز أحكي أننا كل الأطباء المصريين في حالة من الحماس والاستنفار والحاجة الثانية هناك مجموعات قادمة، كان في مشكلة الأسبوع الماضي، لكنها زالت الآن.
bull;هل نتوقع دخول عشرات الأطباء مثلا أم أكثر؟
bull;سيكون هناك تلبية لكل الاحتياجات حسب طلب المسئولين الطبيين في القطاع. وسيدخل العشرات إن لم يكن المئات من الأطباء، وهناك ملايين من الجنيهات تم التبرع بها، من الشعب المصري وكثير من المنظمات العربية والدولية وبالتنسيق مع الاتحاد سوف يتم توصيلها على شكل معونات طبية ولوازم أخرى.
bull;ماذا تريد القول للناس هنا في غزة؟
bull;نحن نتعلم منكم والعالم يتعلم منكم الصمود والرضا والاستغناء بالله عن الناس. وقد رأينا نظاما طبيا راقيا في مستشفى ناصر، وهو نموذج يُقتدى به. والدليل على هذا أنني لم أرَ ولم أسمع أياً من أهل غزة يعترض أو يتبرم من حماس أو الحرب أو البلاء الشديد الذي هم فيه، ولكن الجميع راضون ومستسلمون لقضاء الله بعزة وإباء وشمم. أقول لهم جزاكم الله خيراً وثبّتكم وصوب رميكم وتقبّل شهداءكم. (نضطر في هذه اللحظة لقطع الحوار، حيث تدخل عوائل شهداء جدد، وصلوا للتوّ من قرية عبسان، وتتعالى أصوات الصراخ والتّفجّع، في أروقة المستشفى. أنظر في عيون الأطباء المصريين، فأرى تأثّراً بالغاً، أقول لهم: شكراً. وأمضي بين الأمهات الثاكلات، بينما يرجع الدكاترة، كلٌّ إلى مقرّ عمله.