عامر الحنتولي- إيلاف: ما إن لامست عجلات الطائرة الملكية التي حملت العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي عهده الأمير حسين بن عبدالله إلى عمان من الولايات المتحدة الأميركية، أرض مطار الملكة علياء الدولي في وقت متأخر أمس فإن جهات أردنية عدة قد أدارت نظرها الى بوابات القصر الملكي للتلصص على كل شاردة وواردة بشأن تغييرات سياسية بدا خلال اليومين الماضيين أنها صارت قريبة جدًا دون أن يعني ذلك وفقًا لمصادر أردنية خاصة جدًا أن العاهل الأردني قد حسم إتجاهات التغيير الذي تحدث عنه في إطار مراجعة للمشهد السياسي الأردني بعد إنقضاء عشريته الأولى في الحكم قبل نحو شهرين، علمًا أن لا أحد في الداخل الأردني يتطوع لإفشاء توقعاته بشأن تلك التغييرات المحتملة التي قد يقررها العاهل الأردني على جبهات كثيرة وفي أي وقت خلال الأسابيع القليلة المقبلة تحصينا على الأرجح للجبهة الداخلية في بلاده في وجه تحرشات إسرائيلية مبرمجة ضد الأردن، ربما لإعادة خلط الأوراق، أو إفساد الفرحة الأردنية الرسمية بالحصيلة السياسية التي عاد بها الملك الأردني من رحلة العمل الى ولايات أميركية.

وعلى مدى الأسبوعين المقبلين فإن جهات أردنية عدة ستحاول أكبر قدر ممكن إستطلاع توجهات الملك الأردني الذي حرص خلال السنوات الأخيرة مباغتة أقرب المقربين إليه قبل الشارع الأردني بقرارات لافتة وجريئة، إما بالعزل أو بالتعيين، مما يعني أن التغيير الملكي المقبل والوشيك قد يتعدى التغيير التقليدي الذي لا يبرح عادة تكليف شخصية أردنية تأليف وزارة جديدة، لا تلبث أكثر من عامين لتتغير ثانية تحت وطأة أزمات داخلية وخارجية، إلا أن التغيير المنتظر قد يشمل آليات تشكيل الحكومة الجديدة، وإعتماد مواصفات جديدة لإنتقاء العناصر الوزارية، وسط حديث متصاعد القوة عن قرار ملكي مؤجل منذ مارس/ آذار الماضي بحل مجلس النواب الأردني، وتأجيل الإنتخابات البرلمانية نحو عامين أو أقل تتفق خلالها القوى السياسية الأردنية على قانون إنتخابات جديد يومئ إليه العاهل الأردني منذ إعتلائه العرش في فبراير شباط العام 1999 إلا أن الحكومات الأردنية المتعاقبة لا تملك القوة السياسية التي تؤهلها الى تقديم مشروع قانون إنتخاب، إذ تفضل الإستماع دائمًا وتخرج بحصيلة مهمة من الأفكار والإنطباعات تودعها في الأدراج المنسية، ثم تأتي الحكومة اللاحقة فتقرر الإستماع مجددا.

التغييرات السياسية بالطبع ستشمل الحكومة والبرلمان في أقرب الآجال، إلا أن مصادر quot;إيلافquot; تؤكد أن العاهل الأردني سئم التغيير اعتمادا على قراءة السيرة الذاتية لشخصيات سياسية يتضح مع أول إحتكاك عملي لها أنها لا تعرف الإدارة السياسية، ولا تجيد تنفيذ إستراتيجية الإتصال بالشارع لتأمين أكبر قدر ممكن من التفهم الشعبي، ولا تعرف أساسًا ثقافة الإتصال بالبرلمان من خلال تحييده وتنشيطه وتسييره نحو التشريع الحقيقي، إلا أن أي رئيس حكومة في الأردن يكتشف منذ اللحظة الأولى أن جرى تقييده بالتعامل مع برلمان أقلية بسيطة فيه تمتلك الفكر السياسي، فيما الكثير من الوزراء ينشغلون منذ اليوم الأول بالدفاع عن أنفسهم أمام البرلمان والإعلام الذي تصطف الكثير من وسائله اصطفافات مثيرة ومريبة. فبعضها إما أن تواليها بالمطلق مجملة بإستمرار أي مصائب تقدم عليها، وإما معارضة بشراسة لها مغمضة العين عن أي إنجازات تحققا، ناهيك عن مراكز قوة أخرى في المشهد الأردني تزحف دون أطر دستورية على صلاحيات الحكومة حين تتراخى، لكن تجربة وزارة نادر الذهبي مع مراكز القوة، ورفع آلياتها من طريق وزارته بعد شكاوى منه، أثبت أن بعض الحكومات تحتاج فعلا الى مراكز قوة رديفة تستر عيوبها وتتكفل بإنجاز ملفات أخرى.

وبحسب معلومات متناثرة أمكن لـquot;إيلافquot; تجميعها خلال الساعات القليلة الماضية فإن العاهل الأردني ربما يوقع قرارات تغيير في طاقم القصر أولا، ثم يوقع قرار تغيير آخر على رئاسة سلطات دستورية من بينها التنفيذية والقضائية، إلا أن كل تلك التغييرات وأي تغييرات أخرى قد تكون عرضة لما يستجد من ملاحظات داخلية أو خارجية قد تطيل عمر وزارة الذهبي أو ربما تقصرها، إلا أن المعلومات المتاحة حتى الآن تقول أن الرئيس نادر الذهبي لا يزال يملك حظوظ البقاء على رأس وزارة جديدة للتخلص من بضعة وزراء تحول أحدهم الى ملاكم لأحد مراجعيه، فيما فضل وزير آخر تقزيم واختصار دور وحجم حقيبته السيادية والحساسة في الرد على تقارير إعلامية تطال عمل وزارته.

الحصيلة الأميركية

أما بشأن الزيارة الملكية لأميركا فقد تحدث إلى quot;إيلافquot;مسؤول أردني كبير أن العاهل الأردني خصص وقتا مطولا من رحلته الأخيرة في الإستماع لأجوبة وتحليلات وتشخيصات بشأن سؤال محدد طرحه على فعاليات سياسية أميركية، و مراكز قوة وضغط التقاها عما إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة باراك أوباما قد تقبل يوما بالفكرة الإسرائيلية إحالة الوطن الأردني الى وطن بديل للفلسطينيين، في ظل تزايد الحديث داخل إسرائيل كما لو أن الأمر بات محسومًا داخل غلاف ضبابي لا تفهمه عمان من الصمت الأميركي ليس الرسمي فحسب بل والتشريعي والإعلامي والإقتصادي أيضًا.

إلا أن قوى أميركية متنفذة عدة في المشهد الأميركي رأت في السؤال الملكي الأردني إتهامًا ضمنيًا بتواطؤ أميركي محتمل مع اليمين الإسرائيلي المتشدد، وعلى هذا الأساس وجدت تلك القوى الأميركية نفسها مضطرة للدفاع عن منهج الرئيس أوباما في الحيلولة دون تعقيد خيوط الحل بين أصابعه، لأنه يعرف أن تعقيدات تلك الخيوط بحاجة الى صبر وتأن، وأن أوباما لا يميل أساسًا الى فكرة الإصطفاف مع أي مقترحات أو وجهات النظر، وأنه سيمضي وقتًا طويلا وهو يحاول تكوين الصورة الإنطباعية للأزمة الحقيقية في الشرق الأوسط، وأن واشنطن لا ترى أبدا أي جدية أو جدوى في الحل السياسي على الظهر الأردني المنهك أساسا بأزمات ضاغطة من جميع الجهات.

ووفقا للمسؤول الأردني ذاته فقد سمعت القيادة السياسية الأردنية مواقف أميركية شبه رسمية داعمة بقوة للأردن البلد والقيادة، حتى أن مسؤولاص أميركيًا رفيعًا ضمن طاقم الظل في إدارة أوباما نقل للعاهل الأردني انطباع أوباما عن لقاء القمة في البيت الأبيض حين كان أوباما يحرص على أن يكون عبدالله الثاني أول زعيم شرق أوسطي يستقبله في المكتب البيضاوي، إذ بعد إنتهاء تلك القمة أشار أوباما لمطبخه الرئاسي أن قيادة عبدالله الثاني أنوذجا يحتذى، وهي إحترافية ومهارية الى حد كبير في ظل إقليم لا يلجم شهوته تجاه التصعيد والحرائق السياسية، طالبًا من طاقم الظل الذي يعد حلقة الوصل مع أركان الإدارة الأميركية الحرص على دعم الأردن ومساندته بقوة، حتى لو كان هذا الأمر على حساب العلاقة مع إسرائيل، في إشارة ضمنية لكنها بالغة الدلالات أن الإشمئزاز الأردني من وجود حزب quot;ليكودquot; الإسرائيلي على رأس السلطة في تل أبيب، هو إشمئزاز أميركي تحرص واشنطن على أن يكون أبغض الحلال معه مؤجلاً أكبر قدر ممكن.