&
هناك حرب تدور رحاها في واشنطن بقسوة الحرب التي تدور رحاها في افغانستان. انها حرب تستهدف الاستئثار بإذن الرئيس بوش الصاغية، كما تستهدف الهيمنة علي روح الولايات المتحدة. ويحتدم القتال بين الطرفين المتنافسين لتغليب وجهة النظر حول موضوعين: اولهما اهداف حرب افغانستان والموقف الراشد منها وثانيهما ما الذي ينبغي عمله مع اسرائيل والصراع العربي - الاسرائيلي.
ان حكومة الولايات المتحدة الجبارة ليست كتلة متراصة متجانسة: فهناك، من جهة، الرئيس بوش، في قمة الهرم الحاكم، وتحيط به بيروقراطيات متنافسة، ولا اقل من 13 وكالة للاستخبارات، تحاول كل واحدة منها المحافظة علي نفوذها، وهناك من جهة اخري، مجموعة من اللجان الاستشارية واللوبيات التي تجاهر باهدافها وصحافة طاغية ومؤثرة، وتحاول هذه كلها ان تعكس او ان تشارك او ان تتحكم في قرارات الادارات الحكومية المختلفة فلا عجب اذا لم تتحدث الولايات المتحدة بصوت واحد واذا اصطخبت المعارك حول كل مظهر من مظاهر السياسة الداخلية والخارجية ومن الطبيعي ان يتجلي هذا التوتر في اوقات الازمات الحادة كما يجري اليوم.
الصقور ضد الحمائم
من المستحسن ان نقول ـ ولغرض تسهيل فهم المشهد المعقد الحالي ـ ان حدود معارك اليوم هي بين الصقور والحمائم، وان الدلائل الواردة من واشنطن تؤكد بأن الصقور قد كسبوا الحرب حتي الآن.
اما الصقور الاربعة في الحكم فهم نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومعاونه بول ولفوويتز، ومستشارة الامن القومي كونداليزا رايس. وهؤلاء جميعاً مصممون علي الانتقام لما حدث في 11 ايلول (سبتمبر) كما انهم من اعتي مناصري اسرائيل، ويقف في وجههم وزير الخارجية كولن باول الذي تزداد عزلته، ويصفه العارفون داخل الحكم بانه صوت العقل الوحيد في ادارة بوش الحالية. ويمكن القول ان مدير الاستخبارات المركزية C.I.A جورج تينت ـ وهو من المعتدلين ـ يقف الي جانب باول بسبب احتكاكه المباشر بالصراع العربي ـ الاسرائيلي. ولكنه يصنّف من الضعفاء ومن المرجح ان يغادر الطاقم الحاكم قريباً، وقد يُدان بسبب فشله في التنبؤ بما حدث في 11 ايلول، او علي الاقل في التصدي له بمهارة علي الرغم من تصرفه بموازنة سنوية تتجاوز الـ30 بليون دولار.
ويتصارع الصقور والحمائم كالديكة حول الحرب في افغانستان: ففي حين يصرّ الصقور علي الاستمرار في قصف طالبان ، بل يطالبون بتصعيد هذا القصف، ويناصرهم في موقفهم هذا الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة اركان الجيش، لانه ضابط في سلاح الجو ـ يطالب الحمائم، في المقابل، بضرورة التلازم بين الحملة العسكرية والجهود الديبلوماسية الهادفة الي تشكيل حكومة تخلف حكومة طالبان ، وتكون مقبولة من اكثرية الشعب الافغاني من جهة وجيران افغانستان من جهة اخري.
وفي حين يرفض الصقور، وبشكل قاطع، ايقاف الحرب ـ كما يطالب الحمائم ـ في شهر رمضان، بل انهم يذهبون الي انه اذا لم يدمّر القصف الجوي طالبان وحلفاء القاعدة فلا بد من تكليف القوات البرية بالقيام بهذه المهمة، ويحذّر الحمائم من مخاطر التدخل البري في مناطق صعبة ووعرة، وفي حين يريد الصقور اجتثاث خلايا القاعدة في العالم كله، اي في الصومال واندونيسيا والفيليبين، بل في كل البلدان الستين (60) التي يعتقد الرئيس بوش بأن للقاعدة خلايا ناشطة فيها، يُفضل الحمائم ان تقتصر الحرب ضد الارهاب علي افغانستان فقط.
ازدراء الرأي العام العربي
وهناك مظهران آخران لتفكير الصقور: هم يعتقدون ان الولايات المتحدة ليست بحاجة الي التحالفات، انهم، طبعاً سعداء بما يمكن ان يقدمه الحلفاء الاوروبيون من مساعدات عسكرية او مخابراتية زهيدة، ولكنهم ليسوا علي استعداد للتراجع، او التوقف بسبب شكوك اوروبا حول اهداف الحرب ومسيرتها. اما كولن باول، في المقابل، فهو يعي الحاجة الي اكتساب الرأي العام العالمي ووقوفه الي جانب الولايات المتحدة. وقد بذل كل جهده في الشهرين الماضيين لبناء وتكريس التحالفات الدولية.
ومن الطموحات الملحة للصقور هي توسيع الحرب لتشمل عراق صدام حسين، اذ يرون فيه التهديد الرئيسي لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. انهم يفعلون كل ما في وسعهم لتجريم العراق. وقد سعوا الي ايجاد علاقة ما بين العراق وانتشار وباء الجمرة الخبيثة، او بينه وبين تنظيم القاعدة وقد بالغوا في اثارة ضجة مصطنعة حول لقاء مزعوم في براغ بين ضابط في المخابرات العراقية ومحمد عطا احد المتهمين باختطاف احدي الطائرات المشاركة في هجوم نيويورك. وحينما فشلت هذه الاتهامات في احداث الاثر المطلوب، ولم تثبت صحتها، عادوا يتحدثون عن برامج العراق في انتاج اسلحة الدمار الشامل.، علي ان الحمائم يؤكدون بأنه لا توجد دلائل او قرائن تشير الي تورط العراق في حوادث 11 ايلول.
واذا كان الصقور لا يكترثون بالرأي العام الاوروبي فانهم لا يقيمون ادني وزن للشارع العربي، اذ يرون وبازدراء، انه يمكن تجاهله نهائياً. وقد يستفيق هؤلاء الصقور، اذ ما تعرضت دولة عربية كبيرة لثورة شعبية عارمة، مثلاً، اذا تعرضت مصر والسعودية لخطر الوقوع تحت سيطرة الاصوليين الاسلاميين، حينئذ فقط يمكن ان يراقبوا ما يجري باهتمام، ولكن مثل هذا الخطر ـ في رأيهم ـ ليس مطروحاً في الوقت الحاضر. ثم انهم يعتقدون بأن جنرالات الرئيس مشرف في باكستان، من الذين ينتقدون سياسته يمكن شراؤهم بتخفيف الديون او بتزويدهم بالاسلحة الحديثة.
وباختصار، فان سياسة الصقور هي سياسة شوفينية وعدوانية، وهم يكررون حجة لا يملّون من تردادها: لقد خسرت الولايات المتحدة حرباً وحيدة هي حرب فيتنام، ولا يجوز لها ان تخسر حرباً جديدة، اذن ينبغي الانتصار في الحرب الافغانية مهما كان الثمن غالياً، وهم علي استعداد للتضحية بكل شيء لتحقيق هذا الانتصار. وفي المقابل، يحافظ الحمائم علي حذرهم الشديد ان الخوف الذي لا يجاهرون به هو احتمال نجاح بن لادن في استدراج الولايات المتحدة الي الوقوع في الفخ الافغاني، قد يعرضها لهزيمة عسكرية مريرة.
العامل الاسرائيلي
وفي الحرب التي تدور رحاها في واشنطن يحتل النزاع حول ما ينبغي عمله مع اسرائيل مكاناً اوسع بكثير من الخلافات والمشاحنات حول الحرب في افغانستان: ففي قناعة كولن باول ان التقدم في تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي ضروري جداً لكسب تأييد العرب والمسلمين في حرب اميركا ضد طالبان وهو يريد ان يستأنف الاسرائيليون والفلسطينيون مفاوضات المرحلة الاخيرة باسرع وقت ممكن، مما سيضع بين يدي ياسر عرفات الحافز الذي سيشجعه علي ايقاف العنف. ويعتقد كوفي انان الامين العام للامم المتحدة انه يتوجب علي الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والروس ان يضعوا مسودة خطة سلام معقولة بحيث يجد الاسرائيليون والفلسطينيون انفسهم ملزمين بقبولها، والا تعرضوا لاستنكار المجتمع الدولي بكامله. وهذا الاسبوع، تمني الرئيس جاك شيراك، ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير علي الرئيس بوش ان يقود هو التحرك لتسوية القضية الفلسطينية، ولكن اخبار واشنطن تشير الي ان الرئيس بوش ليست لديه الرغبة في الوقت الحاضر، لمجابهة اسرائيل، او علي الاصح، مجابهة الرجال الاقوياء في حكومته: فقد ثبت ان نائبه تشيني، ووزير دفاعه رامسفيلد، ومعاونه بول ولفوويتز يحتقرون حجج اوروبا والامم المتحدة. اما الرأي العام العربي ـ كما يزعمون ـ فلا يجوز ان يُحسب له حساب. وحُجتهم التي يتذرعون بها تكرار لما يقوله ارييل شارون، رئيس وزراء اسرائيل بعصبية: لا يجوز للولايات المتحدة ان ترضي العرب علي حساب اسرائيل .
ويبدو ان الصقور قد كسبوا المعركة حول اسرائيل كما كسبوا معركتهم حول الحرب في افغانستان، وقد بات في حكم المؤكد ان واشنطن لن تمارس اي ضغط علي شارون مهما بدا هذا التصرف في منتهي الحماقة.
وها هو دليل جديد علي نجاح الصقور المؤيدين لاسرائيل: انه ادراج اسماء حزب الله ، و حماس ، و الجهاد الاسلامي و الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في القائمة الجديدة لما يسمي بـ المنظمات الارهابية التي نشرتها وزارة الخارجية الاميركية في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري ضد توصيات كبار موظفي الادارة. والدليل الجديد الآخر هو التحدي السافر الذي اعلنه ارييل شارون ضد الرئيس بوش ووزير خارجيته كولن باول، اذ لم يُعر انتباهاً طوال الاسبوعين المنصرمين لطلباتهما المتكررة بوجوب سحب قواته ودباباته من المدن الفلسطينية واذا ما انسحب فانه يفعل هذا حسب توقيته الخاص به، او في تطابق تام مع تفسيره الخاص لمصالح اسرائيل الامنية.
وهؤلاء العرب الذين يأملون ان يبادر الرئيس بوش ووزير خارجيته كولن باول بالتقدم بمقترحات تفصيلية لتسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي سيُصابون بخيبة امل كبيرة، ولن تكون هذه الخيبة هي المرة الاولي!
كل ما يمكن ان يحصلوا عليه هي تصريحات غامضة حول تأييد الحكم الذاتي للفلسطينيين، ودعوة عامة لانهاء العنف، مشابهة للتصريحات التي ادلي بها توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا بعد عودته من جولته الشرق اوسطية، ولا يحق لهم ان يتوقعوا ان تقدم لهم الولايات المتحدة وبريطانيا الدول الفلسطينية علي طبق من فضة: فهذا امر لن يحدث، دون تحرك عاجل وجدي وحقيقي يقوم به العرب انفسهم.
فاذا كان هذا التحليل صحيحاً، فما الذين يتوجب علي العرب ان يفعلوه؟ لقد دعا عزمي بشارة العضو العربي في الكنيست الاسرائيلي جميع الفصائل والقوي الفلسطينية الي الاتفاق علي استراتيجية موحدة ينبغي ان تقوم انتفاضة واحدة ـ كما يقول ـ لها هدف واحد هو التخلص من الاحتلال، ورفض اية تسوية سلمية غير عادلة.
وقد يحتاج العرب الي مثل هذه الاستراتيجية الموحدة . وكما قلت سابقاً، لا يجوز للعرب ان يخجلوا من التدخل في السياسات الاسرائيلية حيث يوجد مفتاح الحل، لا يمكن التوصل الي اي حل علي الاطلاق مع ارييل شارون. ان حياته كلها الملطخة بالدماء قد استهلكـها في قــتل العرب، ولا يبـدو انه ســيعدل سيرته او اسلوبه. وعلي العرب ان يسعوا الي اسقاطه وبكل الوسائل المتاحة، ويتحقق هذا اذا اعطوا لحزب العمل الحافز الضروري والمشجع علي ترك حكومة شارون وتشكيل معارضة متماسكة ضده. علي العرب ان يتقدموا بعرض موحد لتحقيق السلام مع اسرائيل مقابل انسحابها الي حدود 1967 وبعرض لتسوية مشــكلة اللاجئين الفلســطينيين توالفق عليه اسرائيل. مثل هذه المبادرة يمكن، علي الارجح، ان يتولاها الامير عبدالله ولي عهد المملكة العربية السعودية، علي غرار خطة الملك فهد التي تقدم بها عام 1981. لقد ظهرت مبادرة واعدة من اسرائيل اخـيراً: فقد دعا شلومو بن عامي وزير خارجية ايهود باراك الولايات المتحدة واوروبا وروســيا والدول العربية المعتدلة الي فرض السلام علي الطرفين علي اعتبار انه يتعذر علي الاسـرائيليين والفلسطينيين التوصل الي السلام من تلقاء انفسهم. وقد اقترح ايضاً ان يطبّق هذا السلام باشراف دولي وقوات متعددة الجنسية علي الارض متجاوزاً بذلك الرفض الاسرائيلي التقليدي والدائم لأي تدخل خــارجي.
لماذا لم ترتفع اصوات عربية للترحيب بهذا المقترح؟ هذا، من شأنه، ان يعطي للجمهور الاسرائيلي، بديلاً من مذابح شارون القذرة والفظيعة!(الحياة اللندنية)

ہ كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط.