واشنطن ـ غلوبال فيوبوينت: خلال ساعات من هجمات 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن ، رفعت محطة وقود بدالاس أسعار الغازولين إلى 5 دولارات للغالون. واتخذ آخرون في ديترويت ، شيكاغو وأوماها خطوات مشابهة، تغيير السعر بالدقيقة والساعة حتى وصلوا لدرجة حساب الغالون بأربعة دولارات. السبب يعتبر بسيطا، حتى لو تشبثوا برأيهم الخاطئ: بحدوث هجوم على الولايات المتحدة اتهم به اشخاص ينحدرون من الشرق الأوسط ، فهذا يعني أن الحرب في منطقة انتاج النفط الرئيسية في العالم أمر واقع لا محالة وامدادات الغازولين من المؤكد أنها ستتعرض للانقطاع عن أميركا.
بعد مرور شهرين عرف أن أسعار الغازولين في الولايات المتحدة ، في الحقيقة ، قد انخفضت بمعدل 20 في المائة منذ 11 سبتمبر ، مع عدم وجود طوابير طويلة ، عدم وجود نقص ولم تكن هناك حمى شراء. بطء اقتصادنا خف بسبب استقرار وانخفاض أسعار الطاقة وتعززت ثقتنا الاقتصادية بحقيقة أن الضغوط التضخمية من ارتفاع تكلفة الغاز ووقود التدفئة ـ الحظ العاثر المزدوج في أوقات تباطؤ الانتاج ـ لن تأتي.
لماذا كان للتورط العسكري الأميركي في الشرق الأدنى والأوسط في عام 2001 تأثير مختلف من اتحاد عام 1991 ؟ بعد كل شئ ، عندما تركزت القوات الأميركية في السعودية وأخرجت القوات العراقية من الكويت منذ عقد من الزمان، ارتفعت أسعار الغازولين في الولايات المتحدة إلى مستوى يقارب 30 في المائة ، ودفعت أميركا في اتجاه الكساد. لأن اليوم، قامت الولايات المتحدة بتنويع مصادرها من النفط خارج الشرق الأوسط المتفجر على الدوام ولأن منتجي النفط في المنطقة قد عثروا على رخائهم الاقتصادي باعتمادهم على حيوية السوق الأميركية .
الأساسيات: الاقتصادات تستهلك طاقة أقل في أوقات بطء النمو، وهذا يؤدي لتدهور أسعار النفط. لكن خفض امدادات النفط بغرض رفع الأسعار يهدد بظهور ضغوطات تضخمية تؤدي إلى بداية وتطويل فترات الكساد. بالنسبة لمنظمة (أوبك) فإن هذه الحقيقة تحديدا تعتبر خطيرة بما أن ، بالنسبة لمعظم الدول الأعضاء، يشكل النفط ما يقارب 90 في المائة من عائدات التصدير وتغذي ميزانياتها. أي خفض في انتاج النفط لرفع الأسعار سيؤدي فقط إلى اضعاف اقتصاديات دول أخرى ويقلل من الطلب ويخفض من عائدات (أوبك) وتتضرر بشكل خطير تقريبا كل الدول الاحدى عشرة المكونة للمنظمة.
الآن مع نشاط القوات الأميركية في أفغانستان، مع مزيد من القوات التي تتجمع في المنطقة، في باكستان، أوزبكستان والآن طاجكستان، ومع تراوح الارتباط السياسي والعسكري والاستخباراتي مع السعودية، مصر ودول الخليج&& بين المعقد والمتعاون ، فإنه من المهم لاعادة فحص سياسة الولايات المتحدة في مجال الطاقة إزاء الشرق الأوسط واحتياجات وأولويات الأمن القومي لبلدنا.
من الواضح أن الولايات المتحدة تعتمد على غيرها في الطاقة. نصف نفطنا بالكامل يتم استيراده، وحوالي ربع غازنا الطبيعي. بالنسبة للقدرة على رؤية الأشياء حسب منظورها الصحيح بخصوص التحدي الذي يتمثل في تخفيض واردات النفط، خذ بعين الاعتبار بأنه يجب إقامة 50 منشأة جديدة للطاقة النووية من أجل خفض استهلاك النفط الأميركي بمعدل 10 في المائة فقط ـ وفي الوقت الحاضر هنالك 103 منشآت تعمل في الولايات المتحدة، تم انشاء اثنتن فقط خلال العقد الماضي. لكن ما يعمل في صالحنا هو سوق النفط العالمي، الذي لم تعد تسيطر عليه منظمة (أوبك). اليوم دول متنوعة جغرافيا وسياسيا مثل روسيا، النرويج، المكسيك، أنغولا ودول آسيا الوسطى التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق ، كلهم الآن لاعبون على مسرح النفط العالمي وتساعد في سد حاجات الغرب من الطاقة.
تعهد الرئيس المكسيكي فيسنت فوكس، أقرب أصدقاء الرئيس بوش من بين رؤساء الدول، بأن تكون بلاده مصدر طاقة رئيسيا للولايات المتحدة. وبدأ بإمداد الكهرباء لـ(50) ألف منزل بكاليفورنيا خلال ذروة أزمة الطاقة التي واجهتها الولاية في الصيف الماضي ووسع من ذلك الاستعراض في التعاون في مجال الطاقة الحيوية من خلال اقتراحه انشاء سوق للطاقة في أميركا الشمالية.
هذا تغيير دراماتيكي للنظرة التقليدية المكسيكية إزاء مصادرها للطاقة ، والتي تصور النفط باعتباره كنزا طبيعيا يجب الحفاظ عليه ـ وهي حقيقة انعكست في الحدود التي تعمل تحتها شركة النفط الوطنية المكسيكية ، بيميكس، حيث تذهب 75 في المائة من أرباحها إلى الدولة، ومن الصعب منح رأس مال من أجل التوسع والتحديث. الآن، مع ذلك، يتحدث فوكس عن فتح قطاع النفط المكسيكي أمام الاستثمار الأميركي، وهي خطوة جريئة لتنمية صناعة النفط المكسيكية ، امداد مزيد من الطاقة للاستهلاك الأميركي ورفع العوائد للخزانة المكسيكية.
إن رؤية فوكس لصناعة نفط مكسيكية حديثة تتماشى بشكل لصيق مع ما وضعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبلاده. تعمل الدولة المصدرة للنفط الثانية في العالم على أن تصبح مصدرا موثوقا ومتجددا للطاقة إلى أوروبا ، آسيا والعالم. بعد أسبوعين من الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون ، رفضت روسيا طلب دعوة (أوبك) للانضمام إلى اتحاد المنتجين، وبدلا من ذلك سعت لأن تدير بشكل مستقل صناعتها النفطية . جاء هذا القرار متماشيا مع سياسات بوتين الخارجية التي تركز على اندماج روسيا بشكل أكثر ثباتا مع الحياة الأوروبية وأن تعمل كمتراس في وجه التطرف (الإسلامي).
عقب مبادرة الحكومة، تبحث صناعة النفط في روسيا عن فرص جديدة في سوق الطاقة العالمي. تتحرى (لوك أويل) اكبر شركة نفط وغاز في روسيا ، عن محطة تصدير جديدة في المنطقة القطبية الشمالية لتسهل حركة صادراتها من النفط السيبيري مباشرة إلى أوروبا بدلا من نقلها عبر البحر الأسود وآسيا الوسطى. طريق الشحن الجديد عبر المنطقة القطبية الشمالية قد يسمح أيضا بنقل الشحنات مباشرة إلى اليابان، مما يسرع بالتسليم بمعدل أسبوعين. يتم الآن وضع خط أنابيب لنقل 600 ألف برميل في اليوم إلى الصين ـ توسع 15 في المائة من الصادرات الحالية ـ على لوحة التخطيط ، في حين أن مشاريع مع شركات غربية مثل إكسون موبيل، رويال دتش /شل، بي بي ـ اموكو وآخرين ، في مراحل مختلفة من التطور، كلها من أجل وضع انتاج أكبر للنفط وتصديره عبر الأنابيب. في أعقاب 11 سبتمبر تعهد بوتين بامداد مزيد من النفط إلى الولايات المتحدة وتقوية روابط روسيا الاقتصادية والتجارية مع الغرب في وقت الأزمة وتأمين استقرار الطاقة للولايات المتحدة والمساعدة في تقليل قابلية تعرضنا لمصاعب في العالم العربي الغني بالنفط وفي عملية رسم خطة جديدة للتعاون الأميركي ـ الروسي.
يبرز أمن النفط الأميركي والعالمي من بين جبهات أخرى كذلك. تماشت النرويج، ثالث أكبر مصدر للنفط في العالم، مع تخفيض الانتاج الذي قادته (أوبك) في عام 1998 لرفع الأسعار من 8 دولارات للبرميل حينها (مقابل 20 دولارا حاليا) لكنها أوضحت بأنها لن تفعل الشئ نفسه الآن. بدلا من ذلك ، أعلنت عن خطط لزيادة الانتاج. تدخل حكومة كازاخستان في شراكة الآن مع شركة شيفرون الأميركية في انشاء خط تصدير جديد إلى البحر الأسود. هنالك في طور التخطيط أو التنفيذ ستة خطوط أنابيب منفصلة تربط منطقة قزوين وروسيا إلى أوروبا والغرب، بما فيها خطوط تمر عبر منطقة البلقان وخطوط نقل أوكرانية عبر عمق البحر الأسود. تجذب حقول النفط غير المطورة في أنغولا الاهتمام من الشركات الغربية إلف اكويتين ، بي بي ـ اموكو، شيفرون وأخرى.
اجمالا ، فإن سوق الطاقة العالمي لم يعد تسيطر عليه (أوبك) ، ويتزايد تحديد أسعار النفط من خلال المنافسة لأجل حصة السوق والمصالح الاقتصادية المتداخلة.
يجب أن تكون هذه أخبارا جيدة للولايات المتحدة التي تشن حربها ضد طالبان و(الإرهاب) في كافة أنحاء العالم. الشرق الأوسط مكان معقد ـ سياسيا، عسكريا ، ثقافيا ـ والشعوب هناك لا تنحاز دائما إلى مصالح الولايات المتحدة. أعاق الواقع السياسي المحلي بعض من أقرب حلفائنا الاقليميين من أن يكون مساعدا للأهداف الأميركية الآن كما كانوا في الماضي. المخاوف الأمنية وتلك المتعلقة بالاستقرار في السعودية والكويت ومصر ومناطق أخرى حدت من الطرق التي يمكن لهذه الحكومات أن تكون مؤيدة صراحة وبشكل ملموس.
يجب علينا أن نفهم السياسة الواقعية للشرق الأوسط ، أن ندرك بأن وجود سوق نفط عالمية متنافسة تخفض من سقطاتنا الاقتصادية والدفاع عن مصالح الأمن القومي لأميركا بدون خوف من اشتعال أزمة طاقة.(الوطن العمانية)
*& خاص بـ (الوطن) ـ بيل رتشاردسون كان يشغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ووزير الطاقة الحالي. الآن يعمل كبير المديرين التنفيذيين بمؤسسة كيسينغر ماكلارتي اسوشيتس ، وهي مؤسسة استشارات استراتيجية مقرها في واشنطن ونيويورك.
&
التعليقات