تعلم السريانية وعرف تواريخ السريان وما يقولونه عن هجراتهم ومذابحهم
أجرى الحوار& عباس بيضون

يصل فن الياس الخوري الروائي الى واحدة من اكثر لحظاته نضجا ومتانة. ومع يالو يجتمع للياس خوري اثر تكامل عبر التجريب والبحث والمثابرة وهو اثر لافت كما وتأثيرا. يتكلم الياس خوري وهو ناقد وروائي كثيرا عن الرواية في اعماله وطالما اوحت رواياته بأن سؤال الرواية بين موضوعاتها الاثيرة. وبأن هذه الرواية من جانب منها بحث عن الرواية، ليس تجريب الخوري متصل فحسب ولكن القارئ يقع ايضا على ثوابت ومفاتيح وخيوط وصل، هذا الحديث عن كل ذلك مع وقفة خاصة امام "يالو".
الياس خوري

-&في رواياتك الاخيرة، لا يبدو في اي رواية وكأنها استلهام كامل لسيرة ذاتية، هناك "قطع" من سيرة ذاتية. اين سيرتك الذاتية في رواياتك؟&
- هذه ملاحظة دقيقة، فاستثناء الفصل الاول من الجبل الصغير، الذي فيه سيرة ذاتية واضحة، ليس عندي، اطلاقا، رواية تتصل بسيرتي الذاتية بالمعنى المباشر كما نجد عند روائيين كثر في الادب العربي، كسهيل ادريس او صنع الله ابراهيم وحليم بركات الخ... وهذا يعود في الحقيقة الى سببين، الاول شخصي، فأنا لا اعتقد ان قصة حياتي تستحق ان تكتب، منذ رواياتي الاولى من (علاقات دائرة) كنت ابحث دائما عن أناس او حكايات اشعر بأنها مهمة وتستحق ان تكتب. وفي الاخير، اشعر شخصيا بأني لا استحق ان تكتب حياتي الشخصية إلا بالمعنى المجازي، بمعنى المشاعر او التفاصيل الشعورية، وهذه تمر ولا بد في رواياتي. لكن ان اكتب قصة حياتي وماذا فعلت فهذا امر لا استأهله، النقطة الثانية، أنا حريص جدا في الادب، على ألا اكتب ادبا يروي حيوات المثقفين، فقد كنت دائما وايضا افتش عن الحياة، ان اتعلم الحكي، اشعر بأن حكينا في بيئتنا الثقافية فيه رطانة وهو مركب ومثقف، وبالتالي فإن بحثي عن تجديد اللغة باللغة المحكية العامية من جهة، وسعيي الى اكتشاف المجتمع الذي اعيش فيه بهوامشه بفئاته الفقيرة والهامشية والتي هي خارج السياق الاجتماعي العام... في هذا البحث تعلمت الكتابة. ما علمني، في الحقيقة، الكتابة واللغة والادب هو هذه الفئات التي كتبت عنها.
النقطة الاخيرة والمهمة، اظن ان هناك مجموعة من الكتّاب، كاتبين تحديداً، احبهما كثيرا وهما اميل حبيبي وانطون شماس، اعطياني درسا بليغا في ان كتابة السيرة الذاتية ضد الرواية، تنهك وتقتل امكانية كتابة روايات. اميل حبيبي في الاخير كتب رواية واحدة هي "المتشائل" التي هي سيرة ذاتية مقنعة، وانطون شماس كتب سيرة ذاتية واحدة "أرابيسك" التي هي سيرة مقنعة، كتابة كل حياتك دفعة واحدة تجعلك وهذا احساسي الشخصي عاجزا عن الكتابة.
هذه الاسباب الثلاثة، اذا وضعناها في اطارها ومقتربها الادبي العام، اظن ان الرواية هي مرآة للمجتمع والكاتب هو الشخص الذي يستطيع ان يتخلى عن ذاته، ان يستقبل اصوات الآخرين وان يولفها، بالمعنى السينمائي لما نسميه "المونتاج".
فالابداع الاساسي في الرواية هو ابداع توليفي، ان تستطيع جمع اصوات متنوعة ومختلفة وتدمجها في سياق ايقاعي وحكائي واحد، ومهما كان الانسان فإنه لا يقدر كفرد ان يختزن كل شيء في ذاته وبالتالي فهو مضطر لان يهاجر او يسافر نحو الاخرين، لدرجة اني اشعر دائما بأن الامر يختلط عليّ كثيرا بين الحقيقي والمتخيل في ما كتبته وخاصة في رواياتي الاخيرة وفي النهاية، اظن ان سيرتي الذاتية هي كل كتبي.

جمع الحكايات&

- انطلاقا مما قلته، هل تحس ان الروائي بالنسبة إليك هو جامع روايات، بمعنى ان الحكاية هي ما يشغلك لا الاشخاص؟&
- هذا يرتبط بالمراحل، ففي البداية وخاصة في "وجوه بيضاء" و"غاندي الصغير" كانت الحكايات هي ما يشغلني، فقد كنت اشعر بأن الكاتب هو راو او قريب من الراوي، ولكي تروي يجب ان تجمع حكايات الاخرين ولكي تجمع حكايات الاخرين يجب ان تبحث عنها. والدرس الأبلغ الذي تعلمته من رواية "وجوه بيضاء" لأن الشخصية الوحيدة المتخيلة كليا في هذه الرواية هي خليل احمد جابر "بطل الرواية" الذي يدهن الجدران باللون الابيض. ثم اكتشفت ان خليل احمد جابر بالنسبة الى القراء هو الشخصية الاكثر واقعية. مع ان الشخصيات الاخرى كانت تمت بشيء الى الواقع، ورغم ان شخصية جابر متخيلة كليا. ذلك اعطاني درسا مهما جدا بمعنى ان جمع الحكايات اصبح في مرحلة ثانية في خدمة تطوير الشخصيات، اي في خدمة تطوير مواقف ومواقع وتجارب حصلت خلال هذه الحياة. فبدلا من ان اجري تحليلا نفسيا للشخصية في كثير من رواياتي، اقوم بكتابة مجموعة من القصص وكأنها استعارات للذات الشخصية او مرايا متعددة للشخصية تكشف، او تعنى على تحليل دواخلها وبواطنها. اتجه الى جمع هذين العاملين اي جمع الحكايات وتأليف حكايات، من جهة وتقديم شخصيات لها عمق إنساني من جهة اخرى هذا الجمع اعتقد انه المنطقة التي بدأت روايتي تصل إليه.&
- سؤال جانبي لانك تحدثت عن مسألة اللغة، كنت دائما تتحدث عن اللغة بوصفها احدى مشكلاتك الدائمة، وبالتالي فإن ميلك الى لغة حياة كان دائما مسيطرا على الأقل على حياتك النظرية. وانتهى ذلك الى كتابة الحوار بالعامية. هل هكذا حُلت مشكلة اللغة عندك؟&
- لم يكن ذلك حلا للمشكلة، كتابة الحوار بالعامية مرت بعدة مراحل، في "وجوه بيضاء" لم اكتب الحوار بالعامية، بل كتبت الحوار بلغة مبسطة كثيرا وكتبت السرد بنفس الفصحى. في "غاندي الصغير" و"مجمع الأسرار" كتبت الحوار بالعامية. في "باب الشمس" كتبت الحوار بفصحى مبسطة. اما في "يالو" فقد وصلت الى محل كتبت فيه الحوار والسرد بلغة دخلت فيها العامية الى السرد بشكل واضح وتم الحوار كله بالعامية. انطلاقا من التجربة الاخيرة ذات القدرة على ادخال النكهة العامية في السرد نفسه، اشعر بأني اقترب اكثر من اكتشاف لغة حية وصالحة للسرد. فأنا اظن ان عندنا مشكلا في اللغة العربية، ناجما عن كسل، كسل المؤسسات، ليس لدينا قواميس تنتج دوريا. منذ القرن التاسع عشر تطورت اللغة العربية تطورا هائلا، لكن ليس عندنا مراجع لدراسة هذا التطور حتى في بنية النحو العربي الذي طرأت عليه تغيرات جذرية وكبرى، لكنها تغيرات ليست مدروسة. اعتقد ان تطويع النثر العربي للسرد بتخمير الحكايات، يفترض تقريبه من العامية، من دون ان نفقد المبنى اللغوي العربي العام.
نحن اذا اردنا ان نسمي الاشياء، نلجأ الى القواميس القديمة فنستخدم كلمات لا يفهمها احد او لا نسمي الاشياء ابداً، ففي حياتنا اليومية نستخدم: هيدا وهيديك وهيداك... اذن نحن لا نسمي كثيرا من الاشياء في حياتنا اليومية لاننا لا نبذل في سبيل ذلك الجهد الذي يستحقه وخاصة في الادب، او ان هذا الجهد في الادب لا ينتقل الى القاموس او الى المدرسة كي يظهر التطور الذي يحصل في اللغة، وبالتالي نبقى "نصف خرسان" في حياتنا اليومية. كسر هذا الخَرَس وتطوير اللغة الفصحى لا بد ان يمر باللغة المحكية او بلغة الحكي. من دون الحكي لا تتطور اللغة. واللغة العربية برأيي، مثل كل لغات العالم هناك وهم بأن العربية لغة مقدسة، لانها لغة القرآن، العربية ليست لغة مقدسة لانها ايضا لغة الشعر الجاهلي والشعر الجاهلي ليس مقدسا على الاطلاق، وربطها بالقرآن ربط حديث جدا وليس له اي سبب عقلاني ومنطقي. اللغة العربية دائما كانت قابلة للتطور والتطوير. فافتراض انها لغة مقدسة افتراض خاطئ. افتراض انها لغة ميتة هو ايضا افتراض خاطئ، اللغة العربية لغة حية ككل لغات العالم.
ثلاثة وجوه&
- &بالعودة الى رواياتك، هناك على مستوى الرجال ثلاث شخصيات كأنها دائمة الظهور، هي البطل او الشهيد... السافل او القبضاي والكاهن او الصوفي والديني، هل توافق على هذا التوصيف؟&
- هناك اذا اردت الخوري او الشيخ، اي رجل الدين. هذا صحيح، وهناك دائما شهيد او قتيل او بطل غائب. في باب الشمس "يونس" غائب، غائب عن الوعي. وهناك اذا شئت، بشر عاديون، اذا اردت ان تسمي هذا النوع سافلا فإنه للبشر العاديين. لا السفلة.&
- اتحدث عن العالم السفلي، عالم الزعران والقبضيات...&
- اعتقد ان اغلبية شخصيات رواياتي هي من العالم السفلي.&
- كيف تجمع بين اوتاد ثلاثة متباعدة الى هذه الدرجة: الحثالة، البطل، والصوفي او الديني او الناسك او الخوري... الديني تحديدا؟&
- في رأيي ان الديني والداعر يتشابهان كثيرا، والبطل غالبا عندي ميت. الشخصية التقليدية الاب او الخوري او الشيخ اي الديني... الخ شخصية اساسية في الرواية استخدمها لا لأعبر بها كالعادة مثل نجيب محفوظ او غيره عن بناء اجتماعي، شخصية الديني تعبر عن تفكك المجتمع. الخوري في "يالو" مثلا ويونس في "باب الشمس" يعبران عن التفكك لا عن السلطة، عن انهيار السلطة لا عن السلطة نفسها. لذلك، فشخصية ابو يونس في "باب الشمس" الذي هو شيخ، لا تعبر عن سلطة الدين بل عن انهيارها وتفككها. احسب اننا في مجتمع انتقالي وفي مجتمع تتفكك فيه كل السلطات، لذلك يؤخذ على رواياتي عموما ان فيها الكثير من التفكك. رأيي ان المجتمع هو المتفكك لا رواياتي. رواياتي تعبر عما اشعر به وليس من الضرورة ان يكون حقيقة، فليس المطلوب من الادب ان يكون شهادة حقيقية على مجتمعه بقدر ما هو شهادة متخيلة عن المجتمع. لذلك في هذا المجتمع المتفكك فإن الهامشي هو الذي يمسك، عادة، بمسار الحدث الحكائي.&
- لو استطردت قليلا، أنا اشعر انني أراك في هؤلاء الثلاثة معا: المسيحي لا بالمعنى الديني بل الثقافي والتربوي، وفي الوقت نفسه القبضاي، والمناضل... كأن هذه وجوه متعددة لك؟&
- ممكن، لا استطيع ان انكر فذلك محتمل، لكن ما احب ان اقوله هو اني رغم كل ما لا يشي بذلك اشعر بأنني هامشي، شعوري العميق انني هامشي جدا، صحيح اني شغلت في حياتي الثقافية والاجتماعية مواقع اساسية، لكن في كل هذه المواقع كنت على الهامش منها، من هنا فهامشيتي الشخصية تسمح لي بالحرية، وتجعل ابطالي الهامشيين هم الاكثر حرية واكثر حرية مني بكثير. وبالنسبة لي، الدين هو عامل ثقافي اساسي، الفن والدين متخالطان جدا في ذهني وذاكرتي ووعيي، وبالتالي فعلاقتي بالخطاب الديني كخطاب ثقافي، واستخداماتي المسيحية اكثر من استخداماتي الاسلامية لأني مسيحي ثقافيا وتربويا، لكني استخدمت الاسلام كثيرا ايضا. أنا اعيش في مجتمع، الدين فيه اساسي.
فليس عندنا سوى اعياد دينية، وطقوس دينية، فشلت الحركات الوطنية والقومية في ان تنشئ طقسا علمانيا واحدا.
الطقس العلماني الوحيد في العالم العربي، هو "شمّ النسيم" في مصر، وهو عيد يرجع الى ايام الفراعنة. العامل الديني عامل اساسي، وأنا استخدم الدين استخداما ثقافيا محصنا، وليس استخداما ايمانيا. صحيح ما تقوله فأنا احب ان اكون مناضلا رغم اني لست مناضلا كفاية طالما شعرت ايام النضال بأني لست مناضلا بما يكفي او بما يتوجب عليّ ان اكون، او اني لا انتمي الى فئة تضحي بحياتها، وهذا له علاقة بالدين من جهة، وبثقافتنا كشباب ماركسي وغيفاري... آنذاك.&
- انطلاقا من هذا السؤال، هناك في اكثر من رواية، عودة الى مشي، المسيح على الماء، على الأقل في روايتين؟&
- المسيح شخص مهم جدا في ادبي، لكنه شخصية روائية اكثر مما هو شخصية حقيقية، لان اول انجيل كتب بعد ثمانين سنة على ولادة المسيح، فكل الروايات هي عن المسيح بينما هو لم يرو. المسيح، روي عنه كل الوقت، وبالتالي فهناك نقاش كبير يدور حتى في الاوساط اللاهوتية المسيحية حول حقيقية ما نسب الى المسيح من اعمال وأقوال الخ... فهذا الشخص، روائي بامتياز اذا اردت تحدثت عن قصة مشيه على الماء باعتبارها المعجزة التي لم تتحقق. ف"يالو" دائما يحاول ان يمشي على الماء ليقنع الاخرين وليقنع نفسه بأنه يستطيع ان يكون بطلا، وفي الاخير هذه البطولة هي، القدرة على اختراق قوانين الطبيعة. وهو يفشل في ذلك بالطبع، عندي ان مشي المسيح على الماء هو فشل المشي على الماء. أنا انطلق من الفشل. لا اعرف ما مدى صحة ان المسيح مشى على الماء لكن هذه الفكرة عند المتربين تربية دينية مسيحية، هي الفكرة التي تحول المتخيل الى حقيقي، وفي لعبة التفتيش عن حقيقية المتخيل، اظن ان هذه القصة يمكن استخدامها.
النقطة الثانية، "يالو" جده خوري وتربى في عائلة متدينة جدا تعتقد ككثير من العائلات غيرها بأن المسيح مشى على الماء، والآن اذا شئت فحلل، هذه النقطة تحتاج الى تحليل لا بل تلفت نظري الى واقعة لم احللها ولا مرة. كقارئ، المشي على الماء في رأيي هو اكثر محل معرض للفشل، وأكثر محل تتعرض فيه الحكاية للهشاشة والفشل، لا يستطيع احد الابطال ان يقول اريد ان احيي الميت، لكنه يستطيع ان يجرب المشي على الماء وسيفشل حينها، كل الابطال يفشلون في ذلك ايضا.&
- دائما في رواياتك، شخصيات تملك تاريخا غير مكتوب، تاريخا فولكلوريا بمعنى ما. رغم ان شخصياتك تطلع من الراهن والحاضر، هناك شعوب من تاريخ غير معروف، بعادات منقرضة ولغات ميتة.&
- دعنا بداية، من اللغات الميتة لانها تستأهل التوقف عندها على حدة، لا اوافق على كلمة فولكلور، نتذكر انك كنت تجتذبني عندما كنا نعمل معا، الى قصص عن ادباء جبل عامل، الذين كتبوا نصوصا، لكن قصصهم وحكاياتهم غير مكتوبة، نحن قادمون من مجتمع، ماضيه المباشر غير مكتوب.
فنحن حين ندرس تاريخ الادب العربي، الادب العباسي مثلا، ندرسه على انه ماضينا. هذا ليس ماضينا، هذا كذب. ماضينا هو ادب القرن التاسع عشر، وأدب وحياة ومجتمع القرن العشرين والتاسع عشر والثامن عشر والسابع عشر. هذا غير مكتوب على الاطلاق، فنحن من سلالة شفاهية فعلا، وادعاؤنا وادعاء عصر النهضة اننا ننتمي الى العصر العباسي هو محاولة خلق جسر ايديولوجي وهي، نحن لا ننتمي الى العصر العباسي. نحن ننتمي الى أبي وجدي وجدك، الى آبائنا المباشرين، الذين حياتهم شفهية وغير مكتوبة، وأنا لا اتكلم عن المجتمع اللبناني او الجماعات اللبنانية، بل عن بلاد الشام كلها، وربما العالم العربي كله، ثقافة غير مكتوبة، وهذه الفكرة راودتني خلال الحرب الاهلية، حيث فوجئت بأن اقرباء لي كبارا في السن اخذوا يروون حكايات عن 1860، وهي حكايات لم اسمعها في البيت على الاطلاق من قبل، فأنا من بيت، اهلي فيه مثقفون، من بورجوازية وسطى، نقرأ جرجي زيدان والادب العربي الى ما هنالك... وفجأة بدأت تروى حكايات، واخذ ابي يتحدث عن 1860 كأنه كان يعيش حينها. حتى جدي لم يكن حينها قد ولد، والد جدي هو الذي كان يعيش في تلك الفترة.
اذا عندنا تراث شفهي مكبوت، متتابع، ويظهر في الازمات، ولا نملك تاريخا مكتوبا، لذا فأي بطل او اي شخصية، لا بل أنا او انت، حين نتجاوز اوائل القرن الماضي، نصير في الشفهي المطلق. كتابة هذا الشفهي وتحريره من شفهيته، اظن انها من مهمات الادب والثقافة، ومن مهمة المؤرخين، لكن للاسف الشديد نحن في بلاد، لا يزال الادب فيها يلعب دورا ثقافيا اساسيا نتيجة غياب الجامعات والمؤسسات، وهذا بحث اخر.
كلما بحثنا في الماضي وحاولنا ان نكتب، فنحن مضطرون الى ان نعبئ فراغات الصمت، او فراغات الشفهي، ان نكتب الشفهي، وأظن ان هذا عنصر اساسي اذا اردنا ان نؤسس لانفسنا تاريخا ادبيا، وتاريخا ثقافيا وتاريخا اجتماعيا. بهذا المعنى معك حق، دائما، اي حفر يأخذنا الى مناطق شفهية وغامضة. فمثلا في "مجمع الاسرار" قصة العائلة التي هاجرت من حوران قادمة الى قانا في جنوب لبنان، العائلة التي كانت مسيحية وأسلمت، وثلاثة ارباع العائلات هذه حالها، لكن لم يكتب عن ذلك مرة قط. والمسألة ليست فقط مسألة جرأة في ان نكتب، بل قصة وعي، وقصة ان يذهب الادب السردي الى اعماق الشخصيات والى تاريخها ولا وعيها.&
- للمرة الثانية او الثالثة اسمعك تجري مطابقة ومقارنة بين شكل الرواية وشكل المدنية او المجتمع، بافتراض ان الشكل الحلزوني والدهليزي والعنقودي والدائري الذي تكتب به، هو على نحو ما شكل المدينة نفسها... أليست هذه المطابقة مبالغا فيها؟.&
- معك حق، الرواية هي شكلنا نحن انفسنا تماما، لكن حين بدأت اكتب الرواية كنت اشعر بأني انتمي الى ثقافة شعرية لا روائية، فنحن في لبنان وسوريا وفلسطين ليس عندنا تراث سردي وهوسنا الاساسي شعري، لذلك فالعلاقات الدائرية في رواياتي الاولى كانت محاولة كتابة قصيدة سردية اذا اردت. كررت هذه المحاولة في "ابواب المدينة" لأن ثقافتي الشخصية شعرية لو سألتني عن الشعر، القديم والحديث، اقرأ لك الى الغد، وقد حفظت كل ما يمكن ان يحفظ من اشعار.
هذه هي النقطة الاولى للحلزونية، ليس صحيحا انها مطابقة للمدينة فقط، الحلزونية لها علاقة بالمكان الذي أتت منه والذي هو مكان شعري، وخاصة في القصيدة الحديثة التي لم يعد لها اول، ميزتها انها هجرة الى داخل النفس الانسانية، وبالتالي ليس لها قواعد في مطابقة المبنى والمعنى على الطريقة الكلاسيكية.
النقطة الثانية والمهمة هي المصدر الثاني، "الف ليلة وليلة" والتراث السردي العربي، الذي هو ايضا متداخل. مع ان تداخله مختلف عن تداخل رواياتي، لأني لا استطيع ان اقلد "الف ليلة وليلة" فذلك عيب فضلا عن ان "الف ليلة وليلة" لا يقلد وهو كتب مرة واحدة لا تتكرر، ولكن تحويل الحكاية الى مرآة لحكاية اخرى، هذه التقنية الاساسية ل "الف ليلة وليلة"، اخذتها عمليا. فكل الكتاب استعارة للحكاية الاولى، حكاية شهرزاد وشهريار. هكذا أقرأ "الف ليلة وليلة" وأستطيع ان ادافع عن هذه القراءة بأن شهرزاد تعيد كتابة قصتها هي والملك كل الوقت.& والنقطة الثالثة هي الحكي، كيف نحكي.
هذه النقاط الثلاث او العناصر الثلاثة معا مفتوحة على احتمالات شكلية متعددة لا احتمال، وإذا قرأنا الرواية اللبنانية وقد اصبح بإمكاننا الحديث عن رواية لبنانية ووضعنا الروايات جنبا الى جنب فسنجدها كلها احتمالات لعنصرين من هذه العناصر او لعنصر واحد منها او للعناصر الثلاثة مجتمعة. ففي الرواية اللبنانية عدة احتمالات للشكل.
النقطة الأخيرة والمهمة، اني انا شخصيا مديني جدا، بيروتي الى اقصى حد. ليس لي علاقة بالريف إلا بزيارته بين فينة وأخرى. صورة التداخل في المدينة التي تجدها في رواياتي، هي اساسا صورة تواز. لست أقلد صورة المدينة، ولا أدخل صورة المدينة في الأدب. الشكل الأدبي هو الشكل الأدبي معك حق والشكل الأدبي الذي احاول انا ان اعمله يجمع بين هذه العناصر الأدبية الثلاثة، فتاريخ الأدب تجده في الأدب لا في الحياة فقط.
يالو&
- قبل ان اتحدث عن "يالو" قليلا معك اريد ان الاحظ انك لا تعترف دائما بأن بواعثك الأدبية والفكرية طالعة من شغف بحت، من محل صعب، وعر، من محل ليس فيه اختيارات واعية...&
- معك حق عباس، لكن الذي يتكلم فيّ ردا على سؤالك هو القارئ، وهذا يجب توضيحه للقراء. الذي يتكلم الآن هو القارئ، ففي رأيي ان الكاتب وأنت شاعر وكاتب وتعرف ذلك لا يستطيع ان يتكلم غير ما يكتب. فلو سألتني عن "يالو" سأعطيك يالو. لو كنت اعرف ان اتكلم عن يالو شيئا آخر لما كتبت هذه الرواية. الذي يتكلم الآن هو القارئ، وأنا، كقارئ لنفسي، احاول ان احلل، لكن في العمق ارى ان الأدب عمل سري، هناك سر عميق داخل النفس الإنسانية ولا اعرفه، استطيع ان ارى تمظهراته. لا أحب ان اتكلم كثيرا على هذه المسألة حتى لا ابدو مدعيا، ولا أحب ان يتكلم الكاتب عن نفسه ككاتب لأنه سيبدو للناس، فعلا مدعيا. فالكتابة فيها قدر من الجنون. مجرد ان تجلس وتكتب 400 صفحة فهذا "هبل" وهوس ولا يمكن تفسيره بشيء، لأن كمية الطاقة المهدورة لا سبب لها ولا جواب، سوى ان هناك شيئا في روحك وقلبك وأعصابك يدفعك الى الكتابة. إذا هناك سر عميق للأدب، لذلك لا أدري لماذا يكتب المرء، ولا اعرف لماذا اختار شخصية مثل يالو او يونس... الخ وإذا سألتني عن ذلك فسأحاول كقارئ ان أبرر بأن يالو مثلا يعبر عن كذا وكذا. اما ككاتب فلا ادري لماذا اخترت هذه الشخصية او تلك. ولا أظن ان من الممكن ان نعرف، لأن هناك مكانا يشبه الحوار مع الموتى، وهو مكان خطر وسري، نستطيع ان نصل اليه ولكن لا نستطيع ان نتكلم عنه.&
- ألاحظ من قراءة رواياتك ان الشخص العادي، الذي لا يملك صفات بطولة، لا بالمعنى السلبي ولا بالمعنى الايجابي، ليس شخصا محببا في رواياتك. اشخاص هم ابطال بمعنى انهم اناس متطرفون الى الحد الأقصى ولديهم تجربة قصوية (إذا صح التعبير)، ليس هناك اناس يوميون،اناس اصحاب حياة رتيبة وبسيطة ومبتذلة...&
- قناعتي ورأيي ان ليس هناك انسان رتيب، نستطيع ان نصور الانسان من الخارج، فلو نزلنا الآن الى الشارع ووجدنا اي انسان في الشارع او في المقهى ووصفاه من الخارج، حيث يشرب القهوة او يقرأ الجريدة او يتغزل بفتاة، نصفه بأنه رتيب و"بانال" "Banal" الخ... لكن في الحقيقة ليس هناك إنسان رتيب، "Banal". ليس هناك انسان الا ويفتح امامك في لحظة من اللحظات هاوية من الاعماق التي لا نهاية لها. اغلب الناس لا يخبرون عن هذه الاعماق. اغلب الناس لا يعرفون كيف يخبرون عنها. عندما اشتغلت على "غاندي الصغير" اشتغلت مع "بويجييّن" (ماسحي احذية) ورحت ازورهم في بيوتهم لأرى كيف يتكلمون، فقد كان هاجسي لغويا لا قصصيا. كنت في مرحلة ابحث فيها عن طريقة تركيب جملة مرتبطة بالمحكي الخ... اكتشفت ان اي إنسان، عندما تتحدث معه حقيقة يستطيع ان يفتح محلا رهيبا، قد يبدو "بانال" وتافها وبلا معنى، وإذا هو يحمل قصة جميلة. برأيي كل قصة هي بالضرورة جميلة ولكن حسب ما تكتبها، وليس هناك قصص "بانال" ولا اشخاص "بانال". وفي الأدب، الشخصية "البانال" هي خيار ايديولوجي، إذا اخذت من كامو الى بيتر هانكه. هذا خيار، ان تقترب من الانسان هكذا.
اشعر كقارئ، ولا ادري ككاتب بأننا في مجتمع ليس فيه شيء مكتوب. اي مكان تدخل اليه يفتح لك ابعادا بلا نهاية، وأعماقا مكبوتة لم تعبر عن نفسها منذ 500 سنة.
كل إنسان يختزن في داخله تاريخ البشرية، تاريخه، هذه الثقافة لم تعبر عن نفسها منذ قرون، فإذا ما فتحت لها الأبواب فستنفجر امامك وتفجر المجتمع. لذلك لا استطيع ان اكتب هذا النسق من الأدب، هذا تفسير، وربما هناك تفسير آخر له علاقة بشخصيتي، بمعنى اني ايضا اسعى وأبحث وأحب ان اضع حكاية حلوة. لا استطيع ان اعيش في قصص مبتذلة...&
- انت ملحمي إذا جاز التعبير...&
- ربما هذا نتيجة تجربتي الشخصية، ولكن لا. فتجربتك مثل تجربتي، وكلنا عملنا حربا وكنا شركاء فيها. لكن رأيي ان جيلنا عندما اخذ يكتب بشغف عميق، فإنه دخل في منطقة شبيهة بمنطقة ملحمية حتى لو كانت ملحمية ذاتية كما عند بعض الكتاب او الشعراء.
هذه رواية&
- هناك محل في رواياتك، هو إذا جاز التعبير محل فكري. دائما في رواياتك محل تقف فيه لتقول: لا تنخدعوا، هذا ليس واقعا، هذه ليست حياة، بل رواية. دائما تريد ان تقول نظريتك في الرواية لماذا؟ في "يالو" لا نجد ذلك، ولكنه في عدد كبير من الأماكن.&
- آخر تمظهرات هذه المسألة كانت في "مملكة الغرباء". ذلك ربما لأني كنت ابحث عن كيفية كتابة الرواية اثناء كتابتها. احدى قراءات "يالو" الممكنة انها تمرين على كتابة الرواية. في رأيي ان احد الأسئلة الكبرى في الأدب، هو الأدب نفسه، عندما نكتب نسأل ماذا نكتب وكيف نكتبه، وهذا سؤال متضمن في الأدب دائما، قد يظهره الكاتب في احيان ويخفيه في احيان اخرى.&
- لماذا يظهره؟ في لحظة من اللحظات تقول للقارئ نظريتك في الرواية وتقول له ايضا ان هذه رواية.
ان بريخت يقول للناس هذا مسرح. هل عندك نفس الغرض التعليمي، ان تقول للقارئ هذه رواية انا لا اخدعك، هل تشعر بمسؤولية ما تجاه القارئ؟&
- لا انا اقول له اني اخدعك، لكن بريشت يؤسس لعبته على قوله للقارئ او للمتفرج ان الامور جدية جدا،&و ان تنقسم الى صراع طبقات. انا افعل ذلك لأقول للقارئ ان القضية ليست جدية الى الحد الأقصى وفي النهاية انا العب وتستطيع انت ايضا ان تلعب، وفي طرق السرد والإخبار التي اعمل عليها، افتش عن معنى ان نسرد حكاية. فأنا اعتقد ان حياة الحكاية هي سردها، عندما تسرد حكاية ما تخلق شيئا صحيحا، مع انه ليس من العدم، لكنما كأنه من العدم لأنه اذا لم يكتب او يقل فهو ليس موجودا اصلا. اذا انت في عملية تركيب دائمة. كشف هذه المسألة، تحديدا في "مملكة الغرباء" كان ضرورة لي لأعرف ككاتب كيف اشتغل في هذه الفوضى، شعرت بأني في مكان تسوده الفوضى وليس فيه نصاب، وبالتالي فإن كشف الفوضى هو شكل من اشكال ايجاد انصبة داخلية للكتابة.

إعداد الرواية&

- &الرواية عندك هل تنبني اثناء الكتابة، ترتجل اثناء الكتابة، كيف هي عملية الإعداد التي تجريها؟ "يالو" مثلا كيف اعددتها؟
- الرواية لا ترتجل. الرواية شغل. "يالو" صعب جدا. انطلقت من حكاية بسيطة جدا هي حادثة حارس في فيلا، وبدأت اركب القصة في رأسي، وفي وقتها كان عندي هاجس هو موت اللغة، وهذا كان ناتجا عن قراءاتي المتنوعة للأدب السرياني القديم وقراءاتي خصوصا لأنيس فريحة الذي يرى ان اجدادنا في سوريا والعراق كانوا يتكلمون السريانية قبل التعريب وقبل حصول الفتح وبالتالي فإن هناك لغة ما قد ماتت، خطر ببالي ان اجعل من الشاب سريانيا لأطرح من خلاله هذا الخوف الفظيع على اللغات من ان تموت. موت اللغة هو الموت الحقيقي. وهذا مرعب. كل اللغات ماتت، ليس هناك لغة لم تمت، ليس هناك لغة ابدية. هذا وهم.
تسجلت في مدرسة لدراسة اللغة السريانية، و"يالو" لا يعرف السريانية جيدا، مع انه حفيد الخوري، لكنه يفهم السريانية قليلا. كان علي ان اتعلم السريانية بقدر ما يعرفها هو، فانتهيت الى ان اعرف السريانية اكثر منه بكثير، خلال الدراسة اخذت الشخصيات تتشكل، درست حصتين اسبوعيا في مدرسة اسمها مدرسة التقدم تابعة للكنيسة السريانية.
الرواية كتبت عمليا ثلاث مرات كتابة كاملة، في كل كتابة كان هناك حذف كثير وتغيير كثير وعمل على الإيقاع وخاصة في المرتين الثانية والثالثة، لكني بدأت من مخطط في الأساس كما يفعل اي كاتب مخطط، مع انك لا تستطيع ان تطبقه كله، فدور الخوري (جد يالو) كان اكبر في المخطط الأساسي، باعتبار اشكاليات اللغة والسريان الخ... وجدت ان هذا يضعف الرواية ايقاعيا وفنيا. خففت ايضا من التكرار الذي، لا بأس في ان يوجد في الرواية انما ليس الى درجة كبيرة ليبقى الايقاع متوازنا. اذاً كان مخطط وتنفيذ لهذا المخطط، شغل ثلاث سنوات يوميا وبشكل متواصل.&
-&"الخبريات" المتسلسلة والمتناسلة في "يالو"، هل كتبتها منذ البداية واخترعتها من الأول ثم دمجتها في العمل، ام انك كنت تخترعها في اثناء العمل؟&
- &الاثنان. البعض كان مخططا له منذ البداية والبعض طلع اثناء العمل، مثل قصة الديك الذي قتل لأنه كان ينام مع الدجاجات. هذه القصة كانت "منوّطة"، ولكن ثمة قصصا داخلية تفصيلية لم تكن معدة سلفا، مثلا قصة المرأة التي كانت حاملا وهربت الى دير الراهبات المسكوبيات، فهذه ليست في المخطط.
الكتابة الفعلية عندي هي الكتابة الثانية بعد ان تكون الأولى بمثابة مخطط.
- هل اجريت توثيقا تاريخيا؟
- نعم، طبعا.&
- &اين بحثت؟&
- &في كتب السريان كلها تقريبا.&
- &شخصية مثل كوهينو، هل هي اختراع مطلق، ام انها تشبه اناسا في الواقع؟
- تشبه كثيرا اناسا حقيقيين. اولا اجريت مقابلات مع سريان عن كيفية هجرتهم، عن المذابح التي وقعت، جلبت كثيرا من الكتب التي نشرها السريان والتي تتحدث عن المذابح، التي حصلت لهم في اوائل القرن. قابلت سريانا أخبروني عن أهلهم وعن المذبحة التي حصلت في عين ورد...حذفت جزءاً لأنه صار يشكل عبئاً على إيقاع الكتاب هو الأكل السرياني.استغلت على الأكل لكني وجدت في النهاية أن هذا الموضوع يصلح للبحث أكثر منه للرواية فخذفته، كان مهما لي شخصياً أن أعرف هذه الأمور لأن معرفتي بالسريان بدأت سطحية وتحتاج إلى الكثير من الشغل حتى تغدو تفصيلية، تفاصيل حياتهم ولأكتب كأني أعرفها لم يكن مهما أن أكتبها بل أن أعرفها. لذلك في كل مرة أكتب فيها رواية أتعلم. في الواية أنا أسافر إلى محل أتعلم فيه أشياء جديدة لا أعرفها أساساً وأظن ما كتبته هو أول عمل عربي عن السريان وتجربتهم كشعب.

-هل تفترض في الواية أن تتمثل علما أو معرفة لعلم... أو تاريخاً لعلم؟
&-التمثيل هو ما قبل الأدب، كل هذه التمثلات ضرورية لتأسيس خلفية الشخصية، لكنها متى دخلت في الشخصيات أصبحت أمام أناس يواجهون مشكلات الإنسان مشكلات الحياة والحب والموت والحرب وخاصة الحرب ألخ...أما تمثل هذه التفاصيل فهو برأيي ضرورة ليكون الأدب على علاقة جزئية أو أن ينقل حقيقة المجتمع جزئيا هذا التمثل يخدم في هذا السبيل لكنه ليس حقيقة المجتمع. الأدب مرآة متخيلة للمجتمع وإذا أردت أن تخلق هذه المرآة فيجب أن تعرف جيداً عم تتحدث.

-هل هناك إشارات من المسيح أو علامات في " يالو" الذي هو برو أي الإبن
-طبعاً في تكوينه الشخصي كان يفترض جده أنه سيقولبه لهذا الدور لكنه لم يكن راضيا عن هذا الدور فهو يجمع نقيضين: المشروع الاجتماعي الذي وضع على كاهل هذا الولد ليكون ليبرو وخياره الشخصي في أن يكون شيئاً آخر، لكن المشروع الاجتماعي بقي معه بقي في قلبه فحين يضعك أهلك منذ صغرك في مناخات معينة فإنها تظل عاملا أساسيا في تكوينك الشخصي والنفسي حتى لو تمردت عليها.

-هذه الرواية أول رواية لك أجد الجنس فيها مناخا عاما ليشيد الواية، وهنا أسأل سؤالا يستحق بحثاً مطولا لماذا كلما تكلمت عن الجنس ظهر الماء؟ في كل رواياتك... الجنس الأكمل هو الماء؟
-الملاحظة صحيحة ولكني لا أعرف لماذا، وأنا أفاجأ بذلك فحين كنت أقرأ " يالو" للمرة الأخيرة قبل ارسالها إلى الطبع فوجئت بذلك. لا أعرف. مع أني نضجت وكبرت وصرت أقرأ بنفسي بنضج وبنقدية عالية، فقد فوجئت بذلك وبوجود سوابق.

-أثناء قراءتي للرواية كنت أفكر بالنماذج الوائية السابقة عن الرواية.
-في الحقيقة وجدت سلمان رشدي في أطفال منتصف الليل.

-ماذا عنى لك سلمان رشدي؟
-رأيي أن سلمان رشدي كتب رواية كبرى وحيدة هي " أطفال منصف الليل" وهي رواية أحبها كثيراً ، لكن رشدي كان فيها لا يزال تحت تأثير واقعية سحرية، لا أظن أن يالو فيها واقعية سحرية بالمعنى الأميركي اللاتيني فيها خرافات مأخوذة من حياتنا. البنية العامة لأطفال منتصف الليل مختلفة، لأن فيها راويا وفيها كتابة تاريخ الهند، وهذا ليس موجوداً عندي، لا أستطيع أن أقول أني تأثرت بأطفال منتصف الليل أثناء كتابة يالو لكن لا شك بأنها في مكان ما عندي، مكان مهم من ذاكرتي الأدبية.
&(عن "السفير" البيروتية)