كانت المدن النووية السرية الروسية ذات يوم، مراكز تضم نخبة الباحثين العسكريين وكانت مخبأة في اركان مظلمة من الاتحاد السوفياتي معزولة عن العالم الخارجي، ولا وجود لها على خرائط الطرق العادية.
ويثير خبراء في هذه المدن تدنت اجورهم منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، مخاوف الغرب من تسريبات نووية وسرقات وارهاب, ويقولون ان ما يروى من حكايات عن حقائب مليئة بيورانيوم من النوع الذي تصنع منه الاسلحة، فيها من الخيال اكثر ما فيها من الواقع, لكن الحملة العسكرية الاميركية في افغانستان، دعمت المطالبة بالقضاء على اسلحة الدمار الشامل وعلى توافر الخبرات القادرة على تشغيلها.
وقال المحلل العسكري الكسندر بيكاييف لـ "رويترز": "احد اكبر مشكلاتنا هي هجرة العقول ونحن نعرف العديد من العلماء الذين تركوا المدن المعزولة", وأضاف: "ولحسن الحظ اننا نعرف انهم غادروا الى الغرب والى اسرائيل، لكن اذا استمرت الاوضاع الدولية في التطور بهذا الشكل لا يمكننا ان نستبعد انتقالهم الى دول اخرى".
ويقول اسامة بن لادن انه يملك اسلحة نووية وكيمياوية، وهو زعم شكك فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويعتير المحللون ان التخفيضات الكبيرة في برامج تمويل تحويل المدن السرية الى الحياة المدنية، قد تخل بتوازن حرج بالفعل.
وتساءل جون ولفستال من جماعة كارنيغي للسلام الدولي "كيف يمكن لجماعة او دولة ان تنتج اسلحة نووية او اشعاعية من مواد تمكنت من الحصول عليها؟" وأضاف: "لا اعتقد ان بالامكان انتاج اسلحة صغيرة جدا من هذا النوع من دون مساعدات كبيرة، مما يثير السؤال المهم، وهو: هل نبذل ما يكفي لحماية او منع الخبراء الروس من تقديم هذه المساعدات؟".
وكانت مبادرة المدن النووية التي اعلنت في مارس عام 1998، خطوة ملموسة في اتجاه مواجهة التحديات النووية الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وتهدف الى تشجيع التحول في المدن النووية عن طريق الاستثمارات الخاصة والتنمية.
وفي المدن الثلاث الرائدة، فتحت المبادرة مراكز تطوير اعمال وكمبيوتر ومولت تدريبات لاعادة التأهيل.
لكن الاموال التي خصصتها الحكومة الاميركية للمبادرة تقلصت لتصل الى ادنى مستوياتها على الاطلاق عند نحو ستة ملايين دولار في عام 2002 من ذروتها البالغة 30 مليون دولار.
واضاف بيكاييف: "مخاطر هجرة العقول حقيقة للغاية وللاسف يمكن ان تزيد نظرا الى ان بعض البرامج الاميركية، مثل مبادرة المدن النووية تم تقليصها".
وفي العهد السوفياتي، ادت المخاوف الامنية الى اختفاء المدن المغلقة من على الخرائط واخفائها تحت اسماء صناديق بريد في بلدات مجاورة مثل تشيليابينسك 70 وتومسك 7 التي لا يعرف ما بها حتى سكان القرى المجاورة, ومقابل ذلك عاش سكان هذه المدن في رغد نسبي.
وكانت هذه المناطق المغلقة التي اقيمت في اقاليم روسية نائية، تضم ليس فقط قلب صناعة الاسلحة النووية الروسية بل مراكز الابحاث الكيمياوية والبيولوجية كذلك.
وما زالت المدن المغلقة محظورة على الاجانب، لكن العديد منها يبدأ حياة جديدة باسماء جديدة واغراض جديدة وبحق في الظهور على الخريطة, لكن البعض يقول ان الحياة في هذه المدن، التي كانت تشمل مزايا عديدة في العهد السوفياتي، لكن طواها النسيان بعد انهيار الشيوعية، لم تعد تختلف الان بدرجة تذكر عن الحياة في بقية ارجاء روسيا.
وقال ديميتري كوفتشيغن المحلل في مركز الدراسات السياسية في موسكو ان "الوضع يتحسن في مدننا المغلقة بخاصة في المدن التابعة لوزارة الطاقة النووية", واضاف: "كنت في مدينة تومسك (في سيبيريا) وتحدثت الى الناس من المجمع الكيمياوي بعد يوم واحد من وقوع هجمات 11 سبتمبر، وقالوا ان ليس هناك اي تسرب بشري من المدينة".
وأضاف ان الطلاب، بدلا من ترك المدينة بحثا عن وظائف اكبر اجرا، يتنافسون للحصول على وظائف في المنشأة.
لكن اخرين يقولون ان ليس هناك اي تحسن يستحق الاحتفا.
ونشر فالانتين تيخونوف استاذ العلوم الاجتماعية في اكاديمية العلوم الروسية، دراسة عن خمسة مواقع نووية روسية اظهرت ان 62 في المئة من العاملين فيها يتقاضون اقل من 50 دولار شهريا, وتقدر بيانات غير رسمية اجور كبار العاملين في المجال النووي بما بين 100 و300 دولار في الشهر.
ويعتبر خبراء ان الحل هو المبادرات الخاصة والاستثمارات الاجنبية.
ويضرب ولفستال المثل بشركة "انتل", ويقول ان للشركة، وهي اكبر مصنع في العالم لرقائق الكمبيوتر، مركز تصميم برامج في ساروف (ارزاماس 16 سابقا), ويضيف: "لم يعد الامر يتطلب مصانع كبيرة او هجرات جماعية للافراد للاستفادة من مواهبهم".
لكن ليس هناك ما يجذب اهتمام المستثمرين, فالحصول على مجرد تصريح لزيارة احدى المدن المغلقة قد يستغرق شهرين, واجراءات الامن في اعقاب هجمات 11 سبتمبر زادت من العقبات.
واضاف كوفتشيغن: "الحكومة الروسية يمكنها القيام باكثر من ذلك ربما باعطاء المدن وضعا اكثر انفتاحا", وقال ان الزعماء الاقليميين يحرصون على جمع الضرائب من المدن التي مازالت تتمتع باعفاءات ضريبية ويزيدون من ضغوطهم على موسكو.
وقال بيكاييف: "اود لو اصدق ان العلاقات الطيبة بين روسيا والغرب ستساعدنا على تقرير ماذا نفعل بهذه المدن,,, لكن في الوقت نفسه ستفيدنا زيادة المساعدات الاميركية".(الرأي العام الكويتية)