&
المحرر الاقتصادي: في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2001، قام مجلس المدراء التنفيذيون في صندوق النقد الدولي بإنهاء عملية تقييمه للحالة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية.واتت التقييمات العامة إيجابية، وان كان معظمها مرتبطا بتطور أسعار النفط والإجراءات الإصلاحية في البنية التحتية الإدارية، وحذر التقرير من كون اقتصاد المملكة شديد الحساسية والتأثر بمخاطر الانخفاض في أسعار النفط وان أي ضعف في أسعار النفط عالميا في المدى الزمني القريب من شأنه ان يضع ضغوطا إضافية على كل من الميزان المالي وميزان الحساب الجاري الخارجي بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على معدلات النمو الاقتصادي داعيا إلى الاستمرار في ضغط المصروفات، والإسراع في تطبيق تعديلات البنية التحتية، ومقترحا على المسؤولين السعوديين الاستعداد لضغط السياسات المالية بشكل أكبر متى ما حدثت تطورات سلبية في أسعار النفط وتفعيل دور الإيرادات.
وأكد التقرير على أن تضييق السياسة المالية وتقوية البنية التحتية للميزانية هما مطبان أساسيان لتخفيض الدين العام وتقليص معدل تأثر الميزانية للتقلبات في أسعار النفط.
&
وفي ما يلي نص ترجمة التقرير:
&
مقدمة:
تحسن موقف الاقتصاد الكلي في المملكة بشكل ملحوظ في العام 2000 مما يعكس تأثير المستويات المرتفعة لأسعار النفط بالإضافة لاتباع الحكومة لسياسات اقتصادية متوسعة. حيث يقدر أن يصل معدل النمو في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى مستوى 4.5% ويرجع في ذلك بشكل رئيسي إلى نسبة الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي لقطاع النفط التي وصلت إلى 8.5% بسبب ارتفاع أسعار النفط.
كذلك طرأ تحسن متوسط المستوى على إجمالي الناتج المحلي للقطاع غير النفطي حيث يقدر ان يصل لمستوى 2.6% بسبب التوسع في الأنشطة الصناعية مثل صناعة البتروكيماويات والتحسن في مجالات الإنشاءات والتشييد وارتفاع معدل مساهمات القطاع الخاص في مجال الخدمات. كما ان مؤشر سوق الأسهم قد ارتفع بمقدار 11% عاكساً بذلك تحسن الأوضاع الاقتصادية والزيادة في ثقة المتعاملين في النظام الاقتصادي بشكل عام.
وشهدت الميزانية العامة للدولة تحولاً إيجابيا حيث كانت نسبة الفائض تمثل ما يقارب 3.5% من إجمالي الناتج المحلي بالرغم من كون الإنفاق الحكومي الفعلي قد ارتفع بمعدل 28% عن المتوقع بسبب سداد الحكومة لمدفوعات متأخرة وكذلك بسبب رغبة الدولة بالإسراع في إنجاز بعض المشاريع الاستثمارية الحكومية. أما الديون المحلية على الدولة فقد انخفضت إلى مستوى 95% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يعادل 615 مليار ريال. ومن اجل السيطرة على حجم الإعانات الحكومية، فقد فرضت زيادة على أسعار الكهرباء.
أما في ما يتعلق بالحساب الجاري الخارجي فقد طرأ تحسن ملحوظ حيث وصل الفائض لمستوى 9% من إجمالي الناتج المحلي بسبب الارتفاع في كل من الصادرات النفطية وغير النفطية وخاصة البتروكيماوية، وكذلك بسبب تحسن مستوى صافي الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي التي يمكن في الوقت الحاضر أن تغطي ما يقارب واردات عشرة اشهر.
أما في ما يتعلق بالسيولة المحلية فقد شهد نموها تباطؤا حيث انخفض لمستوى 4.5% بسبب الانخفاض في الائتمان الداخلي وذلك عائد لانخفاض مطلوبات القطاع المصرفي من قبل الحكومة. وفي المقابل ارتفع مستوى الائتمان المقدم للقطاع الخاص بنسبة 6% ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى زيادة القروض الشخصية. وعلى العكس من ذلك، كان هناك تحسن محدود في القروض التجارية قصيرة الأجل حيث يرجع السبب في ذلك إلى الزيادة في سيولة القطاع الخاص بعد أن قامت الحكومة بسداد ديونها المتأخرة لهذا القطاع. ولكن مع الانخفاض في معدلات الفائدة، تظل القروض التجارية طويلة الأجل اكثر صلابة.
كان هناك العديد من الإصلاحات أو التعديلات في البنية التحتية في العام 1999والعام 2000.
ففي عام 1999:
* بدأت خطوات تحويل أو إعادة هيكلة شركة الاتصالات وشركات الكهرباء.
* تم فتح سوق الأسهم للمستثمرين الأجانب من خلال صناديق الاستثمار.
* استمرت التحسينات والتعديلات في إدارة الضرائب والجمارك.
أما في العام 2000 فقد تم:
* البدء في تطبيق قانون الاستثمار الجديد الذي يسمح للمستثمرين الأجانب بالتملك الكامل في جميع المجالات التجارية ما عدا 22 منها، على سبيل المثال، قطاع النفط وتوزيع الطاقة.
* تأسيس الهيئة العامة للاستثمار لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر.
* البدء ببرامج تدريب الأيدي العاملة السعودية حتى تكون قادرة على العمل في القطاع الخاص.
* إنشاء هيئة للسياحة.
ويتوقع أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في العام 2001 بمعدل 4%، ويتوقع ان يزداد إجمالي الناتج المحلي لقطاع النفط بمعدل محدود في ظل وجود بيئة غير تضخمية.
كما يتوقع أن يتأثر سلباً كل من ميزان الحساب المالي وميزان الحساب الجاري الخارجي بسبب الانخفاض في أسعار النفط. ولكن في ضوء التحسن المتوقع في القطاع غير النفطي، فإنه يتوقع ان تزداد قاعدة النقود بمعدل 7.5% في العام 2001.
كذلك يتوقع الزيادة في الائتمان المقدم للقطاع الخاص بمعدل 11% تقريباً، كما يتوقع أيضا ان تزداد صافي الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي لمستوى يعادل تغطية واردات السلع والخدمات لمدة سنة كاملة.
&
تقييم وتوصيات المجلس التنفيذي:
أشاد المديرون التنفيذيون بمواصلة المملكة توسيع سياسات الاقتصاد الكلي ومواصلة الجهود في تقوية وتعزيز عملية إصلاحات البنية التحتية من اجل:
* الإسراع في نمو القطاع غير النفطي.
* خلق فرص وظيفية للقوى العاملة الوطنية المتزايدة بمعدلات عالية.
* التخفيف من تأثر الحالة الاقتصادية بالتقلبات في أسعار النفط.
ويتفق المديرون التنفيذيون مع توجه واهتمام المسؤولين بقضية تنويع الأنشطة الاقتصادية بالاعتماد على نمو القطاع الخاص يصاحبه تقليص في دور الحكومة في التأثير على الوضع الاقتصادي، وهو ما يعتبر تحركاً نحو:
*جعل محددات السوق عنصراً أساسيا في تحديد مستويات الأسعار.
* تشجيع الاستثمار الأجنبي.
* وضع أسس علمية لتحقيق هذه الأهداف.
كما لاحظ المديرون التنفيذيون ان الخطوات التي اتخذتها الحكومة في هذا السياق، مصحوبة بارتفاع في أسعار البترول، قد ساهم في التقدم الإيجابي والملحوظ في الأداء الاقتصادي للمملكة في العام 2000.
وبالإضافة إلى ذلك، فانهم يرون انه على الرغم من انخفاض أسعار النفط في العام 2001 إلا انه يتوقع ان يظل الميزان المالي قويا بسبب:
* استمرار ترشيد الإنفاق الحكومي.
* والزيادة المتوقعة في صافي الأصول الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي في ظل نظام حرية التبادل التجاري.
وقد ابدوا ارتياحهم للمؤشرات الإيجابية للزيادة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة ولاتفاقية تطبيق مبادرة الغاز، حيث يعتقد انه سيكون لهما دور رئيسي في تمهيد الطريق لتحسين وتنشيط الاقتصاد، وعلى الرغم من ذلك، فانهم لا يزالون يرون ان اقتصاد المملكة شديد الحساسية والتأثر بمخاطر الانخفاض في أسعار النفط وان أي ضعف في أسعار النفط عالميا في المدى الزمني القريب من شأنه ان يضع ضغوطا إضافية على كل من الميزان المالي وميزان الحساب الجاري الخارجي بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على معدلات النمو الاقتصادي ولهذا فانهم يرون ان على مسؤولي الدولة ان يضعوا سياسات اقتصادية حكيمة خاصة في:
* الاستمرار في ضغط المصروفات الحكومية.
* الإسراع في تطبيق تعديلات البنية التحتية.
وفي هذا السياق يقترحون على المسؤولين الاستعداد لضغط السياسات المالية بشكل أكبر متى ما حدثت تطورات سلبية في أسعار النفط.
تفعيل دور الإيرادات
وقد أكد المديرون على أن تضييق السياسة المالية وتقوية البنية التحتية للميزانية هما مطبان أساسيان لتخفيض الدين العام وتقليص معدل تأثر الميزانية للتقلبات في أسعار النفط وذلك على المدى الزمني المتوسط، كما انهم لاحظوا أهمية الخطوات التي اتخذت لتفعيل دور الإيرادات غير النفطية وذلك عن طريق:
* تطوير إدارة الضرائب.
* فرض الضرائب غير المباشرة.
* توحيد الرسوم للمؤسسات الحكومية المختلفة.
* تقوية آليات مراقبة الإنفاق الحكومي.
* توجيه تركيبة الإنفاق الحكومي نحو الاستثمار.
حتى يتسنى تحقيق التوازن في الميزانية أو الحصول على فائض محدود وذلك على المدى الزمني المتوسط، كما انهم يرون ان هناك بعض المعايير المهمة، ومنها:
* تخفيض مستويات الرواتب والأجور عن طريق تعديل أنظمة الخدمة المدنية
* ترشيد الإنفاق على القطاع الاجتماعي.
* تقليص الإعانات الحكومية.
كما وأنهم يدعمون توسيع مفهوم القطاع العام من أجل القدرة على تحسين عملية وضع وتطبيق السياسات المالية.
&
إعادة الهيكلة
وقد رحب المديرون التنفيذيون بحرص مسؤولي الدولة ومتابعتهم لعملية إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية من أجل تحسين مسألة توزيع الموارد وتمهيد الطرق للخصخصة، كما يوصوا المسؤولين بان يعتمدوا في خطط الخصخصة على:
* إطار عملي منظم.
* تطبيق قيود حازمة على الميزانية.
* إدخال تعديلات على الأسعار.
وذلك حتى يمكن تحسين الأداء المالي لهذه المؤسسات، وبالإضافة إلى ذلك يؤكد المديرون على أن التقليص السريع لعدد المجالات التي لا يستطيع المستثمر الأجنبي الاستثمار بها سوف يكون له الأثر الإيجابي على تطوير القطاع الخاص.
وأشاد المديرون التنفيذيون بدور المسؤولين فيما يتعلق بالإشراف على النظام المصرفي بما يتطابق مع المعايير والأنظمة الدولية، وكذلك للخطوات التي اتخذها القضاء على عمليات غسيل الأموال، كما رحبوا بالتقدم والتحسينات التي شهدها سوق الأسهم السعودي، والسوق الثانوي للسندات الحكومية، وكذلك عملية تطوير سوق سندات الشركات، كما انهم يحثون المسؤولين على الاستمرار في تطوير القطاع المالي من أجل تسهيل استثمار القطاع الخاص، كما أنهم يؤيدون سياسة دعم المنافسة من خارج الحدود لتحسين فعالية النظام المصرفي، ويتطلعون لتفعيل وتطبيق قانون السوق الرأسمالي في الأمد القريب.
كما أبدى المديرون ارتياحهم لاهتمام المسؤولين بمجالي التدريب والتعليم والذي من شأنه رفع مستوى المهارات المطلوبة لمعالجة مشكلة البطالة من خلال النمو الذي يشهده القطاع الخاص، وبالإضافة إلى ذلك فانهم يرون ان:
* اتباع سياسة تحديد الرواتب والأجور تبعا لمعطيات السوق.
* وتضييق مستويات الرواتب والأجور في القطاع العام.
* وتعديل نظام الخدمة المدنية.
من شأنه ان يساعد في جعل طالبي الوظائف من القطاع العام مضطرين للاتجاه للقطاع الخاص، كما انهم من الدوافع التي تجعل المواطنين يتجهون لوظائف القطاع العام، كما يؤكدون دعمهم لخطط الدولة الرامية لتعديل قانون العمل والعمال من أجل تحسين مستوى حركة العمالة وتبسيط قوانين تراخيص العمل بالإضافة إلى تطوير باقي الأنظمة المتعلقة بالتوظيف.
كما أشاد المديرون التنفيذيون بمواصلة المسؤولين في اتباع سياسة نقدية حكيمة ـ مدعومة بقوة النظام المالي ـ مما ساعد في تأكيد مصداقية معدل الصرف وحرية نظام التبادل التجاري واستقرار الأسعار المحلية، كما انهم يتطلعون لحلول فيما يتعلق بقضايا التبادل التجاري التي لا تزال عالقة والتي من شأنها ان تمهد الطريق للمملكة العربية السعودية للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، كما رحب المديرون بجهود المملكة في دعمها لاستقرار سوق النفط العالمي، كما أشادوا بدور المملكة فيما يتعلق بالمساعدات المالية للدول النامية.
وأخيرا فقد لاحظ المديرون أهمية التقدم الذي قد تم تحقيقه خلال العام الماضي فيما يتعلق بالتطور الذي شهده مجال جمع ونشر البيانات الاقتصادية وتحسن مستوى الشفافية، كما انهم يشجعون الاستمرار في هذه المجهودات، بالتعاون مع الصندوق، لتطوير وتحسين وسائل جمع وتحليل ونشر البيانات خاصة فيما يتعلق بالحسابات القومية والتوظيف ومستوى الرواتب والأجور والحسابات الموحدة للقطاع العام، كما انهم أيضا يشجعون المسؤولين على تبني أنظمة صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بنشر البيانات.
&
&
ترجمة: الدكتور أحمد بن صالح السالم
من "جامعة الملك سعود"
نقلا عن صحيفة "الرياض" السعودية