&
سيف الرحبي
&
عودة الى الجبال *
&
دائما مخطوف بهيامك
ايتها الجبال المتآخية مثل أرواح صلبة
لا تفنى
ترمقين العابرين من البشر
بنظرة ملؤها الشفقة والسخرية.
منذ طفولتنا البعيدة.
التي تقاذفتها أحجارك الكريمة
وأنت تلامسين المغيب
بأروع ما يكون التوحد بين حبيبين فرقتهما
أنواء عاصفة.
عبر دروبك الممتدة،
أحدق فيها الآن من نافذتي،
مضاءة بشموس ضارية
حفرها البشر والحيوانات المندفعة
نحو كهوف الراحة المستحقة بعد شقاء طويل
لكنها ممتدة الى ما هو أبعد
مثل ذُراك المتناسلة في عرين
لا ينتهي.
كأن الزمن لم يمر قط
كأن القيامة لفظت أنفاسها الأخيرة
كأنك سدرة الخلق ومنتهاه.
أي سر يقذفه النيزك في مساء قاتم؟
أي حلم لموجة جاثمة تخبط ثغرك
على الشاطئ؟
مروا سريعين من هنا
من الغجر والبداة
مرت القبائل والسلالات في حروب عبثية
البغال والحمير والجمال
الخيل الشاحبة تحت فتنة المعدن.
مرت الدول والأساطيل
ناقلات النفط وراجمات القارات العملاقة
كلهم مروا من هنا
من غير ان يتركو اثرا او معمارا،
لأن أي خلق سيكون صغيرا
في أزل شموخك الباهر
لأن جلجامش
لو حدّق في مرآتك مرة، ترك
البحث عن عشبة الخلود
لأن الفراعنة فكرة مبسطة من
صرامتك الهندسية.
لقد فُكّت اعمالهم ورموزهم
وشُرحت الملاحم والحفريات
وأنت ما زلت عصية على الشرح والتفسير
محصنة أسرارك بالغموض.
"ليس الجيولوجي وانما الروحي المتسامي"
شاهدت الطوفان والزلازل والفيضانات
شاهدت البشرية تنحدر
الى مراتع الوحش.
ربما أغمضت عينيك قليلا
ربما رفست قبّة السماء
ربما سالت دمعة في الشعاب
لأنك المضاءة بالعزلة والمنفى
المجبولة بالغضب والأرق.
ولأنك تملكين القدرة على الغفران
صليت لأجلهم
صليت في محراب ذاتك
مرتجفة من فرط الندم والمحبة
كأنك من أسلت الدماء
وارتكبت المجزرة.

&
أدور على كرسي
صنع من شمس وماء
أطل على المنحدرات المدارية
لأرى الأزمنة متجمدة
في آبارها الأولى.

&
&
من كتابه "قوس قزح الصحراء - تأملات في الجفاف واللاجدوى" الصادر حديثا عن "منشورات الجمل" كولونيا - ألمانيا. 146 صفحة من القطع المتوسط، تحت العناوين التالية: رسائل الصيف، مصبات الأنهار (مصبات الانهار، عودة الى الجبال)، يتيمة الدهر، القمر (الضاح)، وداعة النسيم، البارحة، غيمة، مدينة النساء، شاي، أماديوس، نمرة الجزيرة العربية، السلحفاة، المرأة. القاهرة مطلع السبعينيات: هاشم، الأب، الأم، حكاية نهاية العالم، الجميل الأخير، أطلنطا جديدة، مملكة مترامية.
&