فجأة‏,‏ انتقلت مشاهد الحرب بكل أدواتها الحديثة ووسائلها المتطورة‏,‏ بطائرات ف ـ‏16‏ الأميركية الصنع والطائرات المروحية من طراز آباتشي إلي الصواريخ والدبابات‏,‏ من أفغانستان إلى فلسطين‏..‏ وبدلا من قندهار ومزار الشريف‏,‏ تغير المشهد إلي غزة وجنين ورام الله‏..‏ الأسلحة والمعدات أميركية الصنع ولكن الطيارين والمقاتلين يحملون جنسية إسرائيلية‏..‏ ويشنون عدوانهم ويوجهون نيرانهم بتوافق كامل مع واشنطن‏,‏ التي باركت خطط شارون واعتبرتها دفاعا عن النفس‏!‏
ومن يقرأ ويسمع تصريحات شارون والبيانات المقتضبة للرئيس بوش ثم تأكيدات رامسفيلد وباول‏,‏ حول تبريرات ماأسموه الحملة الإسرائيلية علي الإرهاب‏,‏ والتي أعطت شارون حرية كاملة في قصف مكاتب عرفات أملا في اغتياله والتخلص منه‏,‏ وماأعقبها من قصف مكثف للمدن والقري والمنازل‏,‏ ومن حصار كامل للمدن الفلسطينية يمنع الانتقال والحركة ـ بينها‏,‏ يخيل إليه أنها جاءت أخيرا فقط‏,‏ رد فعل علي العمليات الفدائية التي وقعت قبل يومين وراح ضحيتها عدد من الإسرائيليين‏..‏
بينما هي في الحقيقة استمرار لممارسات إسرائيلية لم تتغير طوال الشهور الأخيرة‏.‏ كل مافي الأمر أنها تراوحت بين الشدة والوحشية‏,‏ حيث كانت الدبابات الإسرائيلية تنسحب من الشوارع الفلسطينية ثم تعود إليها بعد ساعات‏.‏ وكانت فرق الموت الإسرائيلية تواصل مهامها في اغتيال القيادات الفلسطينية كل يوم أو يومين‏.‏ وعمليات تدمير المنازل والحقول والمباني لا تتوقف بالليل والنهار‏.‏ ولذلك فحين قامت حماس بعملياتها الاستشهادية الأخيرة أثناء وجود شارون في واشنطن‏,‏ لم تكن غير رد متأخر علي عمليات ارهابية إسرائيلية لا تكاد تتوقف يوما واحدا‏.‏
وفي كل الأحوال فإن شارون لم يكن مستعدا لتغيير سياساته لتحقيق التهدئة المطلوبة علي يد المبعوثين الأمريكيين‏..‏ ودلت تصريحاته قبل سفره إلي واشنطن علي وجود تخطيط مسبق يستهدف التخلص من عرفات والبحث عن قيادات فلسطينية أخري أكثر تلاؤما مع المطالب الإسرائيلية‏.‏
وقد جاء توقيت العمليات الفدائية الأخيرة في القدس وحيفا‏,‏ ليعطي شارومبررا لتنفيذ مخططه لضرب عرفات والسلطة الوطنية‏,‏ وإكمال عمليات الفصل والعزل بين المدن والقري الفلسطينية التي كان قد بدأها‏..‏ وعلي الرغم من أن عرفات سعي بشدة الي تلافي الضربات الإسرائيلية القادمة عن طريق اعتقال أكثر من مائة من أعضاء حماس والجهاد‏,‏ إلا أن ذلك لم يعفه من اللوم والاتهام‏,‏ ولم يمنع إسرائيل من شن حربها ضده بدعم أمريكي معلن‏..‏ ولن تتوقف هذه الحرب قبل أن يجهز شارون علي السلطة الفلسطينية‏.‏
ولو كنت من عرفات لأطلقت في الحال سراح الذين ألقي القبض عليهم‏..‏ هذا لو أبقي عليه شارون ولم يضعه رهن الإقامة الجبرية‏!!‏(الأهرام المصرية)