ظاهرياً لا علاقة بين الخطوتين اللتين اقدمت عليهما تركيا أخيراً عدا كونهما ازعجتا من دون شك الادارة الاميركية، فبعدما الغي الاتراك عقداً مع اسرائيل لتحديث 170 دبابة ام 60 ، قرروا مباشرة توريد الغاز الطبيعي من ايران علي رغم الضيق الاميركي من اي تقارب مع طهران خصوصاً اذا ما استند الي عناصر الاستمرار.
ويمكن القول ان لجوء انقرة الي استداراج عروض دولية من شركات ستحل محل شركة الصناعات العسكرية الاسرائيلية في تحديث دباباتها اميركية الصنع، شكل اكبر انتكاسة للتحالف العسكري الذي اقيم مع الدولة العبرية في العام 1999، وكان أحد الاسباب الرئيسية وراء اطاحة حكومة نجم الدين اربكان. ولأن الولايات المتحدة شجعت التحالف العسكري التركي - الاسرائيلي وباركته أملاً بتسريع ادماج اسرائيل في المنطقة وانهاء عزلتها الاقليمية، فإنها لم تنظر بعين الرضا للخطوة غير الودية من انقرة إذ اعتاد الاتراك تكليف الشركة الاسرائيلية اعمال التحديث من دون استدراج عروض دولية.
والارجح ان ما زاد من القلق الاميركي هو تنامي التقارب التركي مع ايران علي نحو كرس متغيراً جديداً في المنطقة لا يتطابق مع الرؤية الاميركية بل يعاكس سعيها المستمر الي عزل ايران. وعندما تباشر انقرة توريد كميات كبيرة من الغاز الايراني سترتفع الي بليوني متر مكعب في السنة المقبلة وستصل الي حجم اكبر لاحقاً فمعني ذلك ان هناك ترابطاً اقتصادياً بدأ يتكرس وان في مقدم استتباعاته تحسين العلاقات السياسية التركية - الايرانية.
كانت تركيا تعتمد اساساً علي الغاز الروسي الآني عبر انابيب البحر الاسود اضافة الي الغازين المصري والجزائري وسيستمر الاعتماد علي تلك المصادر، لكن مع اضافة المصدر الايراني الذي تلكأت انقرة في الماضي باللجوء اليه متعللة باسباب فنية تخفي الحرص علي عدم اغضاب واشنطن. صحيح ان هذه الخطوة اتت بعد زيارة وزير الخارجية الاميركي كولن باول الاخيرة الي انقرة والتي رمت الي تعديل الاوتار في التعاطي مع القضايا الاقليمية والدولية في علاقة مع ما يسمي بـ مكافحة الارهاب ، ما حمل بعض المراقبين علي استنتاج وجود ضوء اخضر اميركي للتعاون الاقتصادي بين ايران وتركيا اساسه التقارب الاميركي - الايراني علي خلفية العداء المشترك لحركة طالبان .
لكن الاصح ان الاقتراب من طهران يعكس موقفاً داخلياً تركياً في الدرجة الاولي، فالاتفاق الذي باشرت الحكومتان تنفيذه الآن يعود الي ايام حكومة اربكان في العام 1999 ما يدل الي تغليب المصالح القومية التركية علي مقتضيات الصداقة مع الولايات المتحدة.
المهم هو كيف ينظر العرب الي هذه التطورات وكيف سيتعاطون معها؟ هل بمنطق نفض الايدي من الاتراك ام برؤية تمنح الاهمية التي تستحق للعلاقات مع دول الجوار الكبري من دون استثناء؟ هل بتقريب دولة علي حساب اخري بحكم الصراع التاريخي بين تركيا وايران ام بمحاولة ايجاد توازن يشجع الاتراك علي الابتعاد عن اسرائيل؟ الثابت ان موقف الصدمة والعجز الذي تم التعاطي من خلاله مع التوقيع علي التحالف العسكري التركي - الاسرائيلي لم يعد جائزاً وأن تفادي مثل تلك الحالات يحتاج الي وضع سياسة عربية موحدة تجاه البلدان الاسلامية الرئيسية، تركيا وايران وباكستان، بوصفها دول جوار تؤثر تأثيراً مباشراً في مصير الامن القومي العربي.(الحياة اللندنية)