إيلاف- سمر عبد الملك:&يتنازع المحققون البريطانيون مع نظرائهم الأوروبيين بشأن الادعاءات التي تشير الى أن بريطانيا كانت بمثابة القاعدة المحورية التي استفادت منها شبكة أسامة بن لادن "القاعدة" في فترة ما قبل اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية للتخطيط لـ11 أيلول (سبتمبر) ولغيرها من الأعمال الارهابية التي قامت بها خلال السنوات الاربع الماضية .
نقلت صحيفة "غارديان" البريطانية أنها اتطلعت على المستندات التي جمعت من مدريد وميلان وباريس وهامبرغ والتي تظهر بأن معظم الاعتداءات التي خططت لها أو نفذتها شبكة القاعدة خلال السنوات الأربعة الماضية ترتبط ببريطانيا.
ويشك المحققون ورسميون من وكالات الاستخبارات والشرطة في تلك البلاد بأنه كان للقادة الروحانيين الاسلام المرتكزين في بريطانيا الدور الرئيسي في تدريب عملاء لهم وحتى تفويضهم للقيام بأعمال ارهابية، وبأنهم لعبوا دورا أكثر أهمية من القادة الاساسيين في تنظيم القاعدة. وتوصل المحققون الى هذا الاستنتاج بعد دراستهم للتنقلات الفريدة من نوعها التي قام بها أسامة بن لادن خلال السنوات الاخيرة، وبالاستناد الى شهادات عدد من المشتبه بهم الذين اتخذوا بريطانيا مقرا لهم.
في المقابل، تعتبر المصادر الأمنية البريطانية بأن علاقات بلادها بتنظيم القاعدة ضعيفة جدا ، ويجادل عدد من خبراء الارهاب ومحامي الدفاع والشرطة فيها بأن النشاطات التي حصلت في بريطانيا والمتعلقة بالخلايا الارهابية لم تكن ذات أهمية كبيرة.
ويواجه القضاء البريطاني معضلة شرعية وأخلاقية في محاولته تقدير الدرجة التي تم فيها استغلال بلاده كملجأ للأشخاص المتورطين بالأعمال الارهابية، وكذلك فيما يتوجب عليه فعله لينفي تلك الاتهامات.
وعلى الرغم من ان عدد من الأشخاص الذين اعتقلتهم بريطانيا بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) لم يكن بالقليل ، الا أن التحقيقات لم تظهر اي علاقة مباشرة بينهم وبين الاعتداءات ، ولم تتمكن من ادانة سوى خمسة أشخاص وانما بتهم تتعلق بانتهاك قوانين الهجرة لا أكثر.
من جهة أخرى يشير المحققون في فرنسا وأسبانيا وألمانيا وايطاليا الى أن بريطانيا، التي سمحت لرجال الدين الاسلاميين مثل أبو قطادا بالوعظ بالجهاد علنا، كانت بمثابة الباب الذي حول المتطرفين الاسلام الى ناشطين ارهابيين. كما أنهم أفصحوا بأن أكثر من ثمانية أشخاص من الملازمين في شبكة القاعدة عملوا من مراكز لهم خارج بريطانيا مؤخرا.
في السياق ذاته كشفت التحقيقات الايطالية بأن 18 من أصل 32 رقما هاتفيا التي وجدتهم السلطات في مذكرات أحد المتعاملين مع القاعدة يعودون الى مشتبه بهم مرتكزين في بريطانيا. كما كشف قاض اسباني بأن مشتبها به أجرى اتصالات من المملكة المتحدة قبل وقوع أحداث 11 أيلول تظهر بأنه كان على علم بالاعتداءات الوشيكة.
...أخبر مصدر مطلع على التحقيقات الجارية في فرنسا صحيفة "غارديان" بأنه قبل احداث 11 أيلول "كانت بريطانيا، ولعلها لا زالت حتى الآن-الى حد ما، تعتبر بمثابة نوع من المصفاة لأعضاء القاعدة".
وفسر المصدر قائلا بأن لندن وليسيستير كانتا المركزان الأساسيان التي يبدأ المجاهد فيهما علومه الدينية. أما المجندون الجدد فكانوا يرسلون للمعاناة في المخيمات الأفغانية، وبعد تخطي المجاهد لهتين المرحلتين بنجاح، كان ينم نقله للجهاد في أوروبا.
كل هذه الشكوك والاتهامات لخصها قائد في الاستخبارات الألمانية قائلا: "جميع الأدلة تشير الى لندن. جميع المسالك تؤدي الى لندن".
الأدلة
ترتكز تلك الادعاءات الخطيرة بحق بريطانيا وفقا للمحققين في أوروبا على عدد من الشخصيات الأساسية التي (بحسب قولهم) تثبت بأن بريطانيا كانت بمثابة "الباب الدوار" للارهابيين:
* أبو قطادا
يدعي القاضي الاسباني بالتازار غارزون بأن الشيخ أبو قطادا، وهو رجل دين مسلم مرتكز في غرب لندن، هو "القائد الروحاني للمجاهدين في أوروبا" مضيفا بأن قطادا الذي جمدت السلطات حساباته المصرفية بعد اتهامه بتمويل اعمال ارهابية ساعد في نقل الأموال من الارهابيين الاسبانيين الى جماعة في الأردن خططت لعدد من الأعمال الارهابية عام 1999.
وتتهم الولايات المتحدة واسبانيا وفرنسا والجزائر قطادا بأنه المحر&ض الرئيسي لاعتداءات 11 أيلول(سبتمبر) اذ وجدت السلطات أفلام فيديو تحتوي على خطاباته في شقة محمد عطا في هامبرغ، رئيس عصابة خاطفي الطائرات التي نفذت الاعتداءات الارهابية على واشنطن ونيويورك.
ونوه المتهم بقيادة شبكة القاعدة في ايطاليا الذي سيمثل أمام القضاء في ميلان هذا الشهر سامي إسّد، خلال حديثه عن الحفاظ على الأمن داخل المنظمة بأن "الشيخ أبو قطادا" هو مثل يحتذى به، الأمر الذي تعتبره السلطات الايطالية بأنه يورط قطادا.
* دجامل بيغال
تشير جهات رسمية فرنسية الى أن المشتبه بأنه خطط لعملية تفجير السفارة الأميركية في باريس الجزائري الفرنسي دجامل بيغال والذي اعتقل في دبي، أفاد في اعترافه بأنه من أتباع الشيخ قطادا الذي يعتبره الشخصية الأساسية التي أدت الى تحوله الى التطرف.
الجدير ذكره أن بيغال انتقل الى فرنسا من ليسيستير وكان يسافر الى لندن ليحضر وعظ الشيخ قطادا.
* كامل داوودي
وبعد اعتراف بيغال، ألقت الشرطة في أوروبا القبض على وحدة صغيرة من الرجال اشتبهت بأنهم كانوا يخططون لعمل "مثير للشكوك" وبينهم كان كامل ضاوي الذي كان يعيش في شقة بيغال في باريس وألقي القبض عليه في شقة بيغال الأخرى في ليسيستير ويشتبه بأنه الخبير في الكمبيوتر في الوحدة.
* أبو عبدالله
اعترف داوودي بأنه التقى أحد المقاتلين في تنظيم القاعدة في ليسيستير ويدعى أبو عبدالله الا أن التحقيقات الفرنسية لم تتمكن حتى الآن من التأكد من هويته على الرغم من أنها تشتبه بأنه بين الـ11 رجل الذين ألقت السلطات القبض عليهم في ليسيستير الشهر الماضي.
* بغداد مزيان وابراهيم بن مرزوغا
ألقت السلطات القبض عليهم في ليسيستير في كانون الثاني(يناير) وهم متهمين بانتمائهم الى القاعدة وبالتآمر لجمع الأموال وتمويل الارهاب. كما أن مزيان متهم أيضا بـ"ادارة نشاطات القاعدة".
* أبو ضحى
قبل اعتداءات 11 أيلول بخمسة أشهر، أصدرت قوات العمليات الخاصة الايطالية تقريرا حدد شبكتين في أوروبا تديرهما جماعات اسلامية متطرفة مرتكزة في بريطانيا "الأولى تتألف من الجزائريين تحت قيادة أبو ضحى والثانية من أغلبية تونسية وتحت قيادة التونسي سيف الله بن حسين".
وتحتجز السلطات في بيلمارش ضحى حاليا في سجن يخضع لحراسة مشددة في جنوب غرب لندن ويواجه التسليم الى الولايات المتحدة الأميركية بتهمة اشتراكه في تخطيط تنظيم القاعدة لتفجير مطار لوس أنجلس عشية احتفالات راس السنة.
كما كشفت مصادر من الشرطة الفرنسية عن روابط أخرى ارهابية تتعلق ببريطانيا بينها الفرنسي الجزائري ياسين أخنوش المتهم بأنه على علاقة بالخلية المرتكزة في فرانكفورت والتي خططت لاعتداء على سوق ستراسبورغ للميلاد. واعترف أخنوش بأنه خلال فترة تدربه مع تنظيم القاعدة في أفغانستان التقى بزكريا الموسوي المتهم بأنه "الخاطف العشرين" للطائرات التي نفذت بها اعتداءات 11 أيلول.
كما تشير جهات اسبانية الى أن أربعة من الملازمين التابعين لبن لادن هم مرتكزين في بريطانيا. وسجلت عدة اتصالات من بريطانيا، استخدم فيها المتصلين أسماءا مستعارة. واستشهد القاضي غارزون باحدى هذه الاتصالات التي اعتبر بأن المتصل كان على علم باعتداءات 11 أيلول قبل وقوعها.
تدعي المصادر البريطانية بأن الفرنسيين والألمان والاسبان والايطايين يحاولون توجيه أصابع الاتهام الى بريطانيا لتشتيت الانتباه عن المشتبه بهم الارهابين الموجودين في بلادهم، كما يحاولون تغطية أنفسهم من الانتقادات الأميركية. وتضيف هذه الجمهات البريطانية بأن العديد من هذه الاتهامات هي من صنع قضاة طموحين يرغبون بتطوير مهنتهم على الصعيد السياسي وكذلك القانوني.
وتنفي المصادر الرسمية البريطانية هذه الادعاءات مفيدة بأنه من الضروري التمييز بين الاختلاف في الرئي السياسي والعنف السياسي المتطرف لدى النظر الى بريطانيا. كما يشدد المحققون البريطانيون على أن تنظيم "القاعدة" ليس جماعة ارهابية ذات هيكلية على غرار "Eta" أو "IRA"، و"لا يمكن اعتباره خلية حتى. انه عبارة عن أفراد متصلين برخاوة بتنظيم القاعدة وبشبكات أخرى".
الجدير ذكره أن محاولة ربط بريطانيا بالشبكات الارهابية أغضبت الجهات الأمنية فيها اذا تقتنع السلطات البريطانية بأنه لا وجود لشبكات مرتبطة بالقاعدة هناك، ومن الممكن أن يكون هناك بعض الأفراد على علاقة بالارهاب ولكنهم يؤكدون على عدم وجود "خلايا" ارهابية.
وتعتبر المصادر الاستخباراتية أن التركيز يجب أن يكون على المستقبل وليس على الماضي، خصوصا أن عدد من الشبان في بريطانيا لا زالوا يجذبون باتجاه التطرف الاسلامي وباتجاه الواعظين الدينيين الذين يستغلون اسم أسامة بن لادن لجذب الشبان اليهم.