صالح القلاب
اجاد مسيحيو الشرق، حتى اكثر من كثيرين من المسلمين، في الدفاع عن الاسلام بعد عاصفة ما بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، ودفاعهم عن الاسلام كدين وكحضارة اتسم بالوعي المقنع. ونتمنى لو ان اصواتهم وجدت طريقها الى المجتمعات الغربية المستلبة للدعاية الموجهة التي عنوانها "صراع الحضارات".
عندما دخلت جيوش المسلمين بلاد الشام من الجنوب، وكانت اولى المعارك مع الجيش الروماني معركة مؤتة الشهيرة، رفع ابناء القبائل والعشائر العربية الشامية شعار "نقاتل مع ابناء عمومتنا"، وبالفعل قاتلوا مع ابناء عمومتهم ولم يعتبروا الزاحفين من الجزيرة العربية اعداء او غرباء.
وبقيت هذه القبائل والعشائر تغلّب الروابط القومية والحضارية على الروابط الدينية التي تربطها بالغرب.
خلال حروب الفرنجة، التي اعتبرها المؤرخون والكتاب الغربيون حروبا صليبية، قاتل المسيحيون العرب مع "ابناء عمومتهم" بل مع اخوانهم، وقاوم هؤلاء الاستعمار الغربي الذي هيمن على بلادنا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية اكثر مما قاومه المسلمون العرب، وكانوا دائما في طليعة المدافعين عن فلسطين ارضا وهوية وحضارة، ولم تستطع كل المؤامرات تحييدهم في هذه المعركة القومية.. ولعل الدور الذي يقوم به الانبا شنودة المثال الاوضح على مدى وطنية الطوائف المسيحية العربية.
هناك فكرة لدى قطاع واسع من الرأي العام الغربي، بخاصة في الولايات المتحدة، بان بلادنا بدون تعددية، لا حضارية ولا لغوية ولا دينية، وان هذه البلاد مجرد صحراء قاحلة فيها لون واحد فقط هو اللون الاصفر، ولذلك وعندما يلجأ المتزمتون الذين لا علاقة لهم بالدين الاسلامي السمح، الذي يدافع عنه مسيحيو المشرق بوعي وقناعة، بالهجوم على كنيسة او صومعة، فانهم يعزون هذه المفاهيم المشوهة للمغرر بهم من ابناء الحضارة الغربية.
كل ما قام به اسامة بن لادن ومن هم على شاكلته كان اساءة ما بعدها اساءة لنا ولقضايانا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وتصوير الصراع في فلسطين على انه صراع ديني بين اليهودية والاسلام لا يخدم الا اكثر التيارات الاسرائيلية تطرفا و"تلمودية". وعندما يقف المسيحون العرب هذه الوقفة الجريئة والشجاعة فانهم يضعون النقاط على الحروف وانهم يؤكدون على ان الذي يستهدف الاسلام يستهدفهم وان طابع الصراع ليس بين دين ودين اخر وانما بين مشروع استعماري استيطاني وبين امة، فيها المسلم وفيها المسيحي، تدافع عن ارضها وقيمها وحضارتها.
قبل ايام انعقد مؤتمر للمسيحيين العرب في عمان، كان الافضل لو تمثل فيه وحضره مسيحيو لبنان على مختلف طوائفهم ومسيحيو سورية ومصر والعراق ولم يقتصر على المسيحيين من فلسطين والاردن. والحقيقة ان هذه الفكرة العظيمة استندت الى توجيهات الملك عبد الله الذي توصل الى قناعة، خلال اول زيارة للولايات المتحدة بعد كارثة الحادي عشر من ايلول مفادها كم ان المسلمين مخطئون بحق بلدانهم العربية وبحق دينهم وبحق حضارتهم بعدم ابراز دور اشقائهم المسيحيين وبعدم التأكيد من خلال هؤلاء الاشقاء على تسامح مجتمعاتنا وعلى ان التعددية في هذه المجتمعات اكثر رسوخا وتأثيرا منها في المجتمعات الغربية.
ان الصورة الوحيدة التي تصل الى الغرب، هي صورة احراق الكنائس في صعيد مصر والاعتداء على الاقباط هناك، وصورة الحرب الاهلية اللبنانية التي ارتدت عباءة الصراع الديني، مع انها لم تكن كذلك، وهي فوق هذا كله صورة الصحراء المترامية الاطراف التي لا يعيش فيها من الحيوانات سوى الابل والتي لا لون اخر فيها سوى اللون الاصفر "الذي يبعث على الضجر والغثيان"!!
لا بد من وقف هذا النزف المتواصل في المسيحيين العرب من خلال الهجرات المتلاحقة التي غدت ظاهرة مقلقة ومرعبة في السنوات الاخيرة، ولا بد ان تتنبه الحكومات ويتنبه رموز الدين الاسلامي وعلماؤه الراشدون الى خطورة ان نستفيق ذات يوم ومجتمعاتنا احادية لا تعددية فيها وبلادنا لون صحراوي واحد لا لون فيها غيره. (عن "الشرق الاوسط")
&