رغم ان إسرائيل أجلت هجومها المتوقع على قطاع غزة إلا ان الفلسطينيين الذين يعيشون في الحارات الضيقة ومخيمات اللاجئين مازالوا يشترون الاغذية بكميات كبيرة، فيما يعكف رجال المقاومة على تجهيز المتاريس والسواتر الرملية على أمل ان يتمكنوا من احباط أي هجوم تقوم به الدبابات الإسرائيلية. ويعتقد الفلسطينيون ان هناك سببين لحتمية الهجوم على قطاع غزة، أولهما ان رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون اقنع نفسه بأنه يخوض "حربا ضد الإرهاب"، وثانيهما أن شارون لايزال فخورا بالهجوم الذي قام به على قطاع غزة قبل "20" عاما عندما كان قائدا عسكريا. ومن الناحية الرسمية، فإن سبب تأجيل الهجوم هو غياب عنصر المفاجأة بسبب التقارير التليفزيونية المكثفة حول خطط الجيش الإسرائيلي والتي عرضت في مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهذا يمكن ان يكلف الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة في الارواح وفقا لما يقوله وزير الدفاع بنيامين بن اليعازر. ولا شك ان واشنطن كان لها دور من خلال ممارسة ضغوطها المتواضعة المعتادة، فضلا عن أن الإسرائيليين يعرفون أن الخسائر المدنية في غزة ستفوق بكثير تلك التي تكبدها الفلسطينيون في جنين الشهر الماضي. واخيرا، فإن هناك شكوكا كبيرة حول أن استشهادي حماس الذي قتل "16" إسرائيليا في ريشون لزيون مؤخرا لم يأت من غزة كما كان يعتقد. ومع ذلك فإنه لا يزال بالإمكان رؤية الدبابات الإسرائيلية وهي تطوق قطاع غزة، واذا ما كان شارون سينتظر حتى يحصل على عذر آخر لتنفيذ الاجتياح، فإن هذا العذر سيكون حتما هجوما فلسطينيا جديدا على احدى مستوطنات القطاع. وعلى اي حال، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك تماما ان الجماعات الفلسطينية في غزة افضل تدريبا وتسليحا من تلك التي واجهها جيشه في نابلس وجنين، فقد شهد قطاع غزة مثلا تدمير دبابتين من طراز ميركافا "3" خلال العام الحالي، في سلسلة هجمات وجهت ضربة قوية للفعالية التقنية ومعنويات الجيش الإسرائيلي. ولا شك ان الطوابير التي اصطفت امام مخابز القطاع خلال الايام الماضية واكوام الحجارة التي جمعت حول مخيم جبالية للاجئين مؤشر على ان الطرفين يعتبران الهجوم حتميا. ويبدو ان القادة الفلسطينيين عادوا إلى عادة قراءة كتاب "المحارب" الذي حمل سيرة شارون الذاتية والذي يذكر فيه تفاصيل هجومه على غزة قبل عقدين من الآن. وقد قرر شارون في ذلك الوقت أنه سيحتاج "إلى القضاء على 700 أو 800 ارهابي، كما يصف بالتفصيل كيف دخل مخيمات اللاجئين مع ضباط الاستخبارات ليكتشف بيوتا بجدران وهميةوخنادق ارضية مغطاة باغصان الاشجار، استخدمها مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية للاختباء. وفي احد الفصول يتذكر شارون انه نصح ضباط الاستخبارات قائلا: "يتوجب عليكم ان تفهموا كيف يفكر هؤلاء الناس، فهم يتحركون باستمرار وهم يحتاجون الى نقاط لقاء وأماكن متفق عليها لتوصيل الرسائل والتعليمات، كما انهم يحتاجون الى امكان محمية للحصول على الطعام، وبالتأكيد فسيستخدمون امورا تبدو عادية لتكون علامات لهذه الاماكن". ويضيف: "ما الذي سيستخدمونه اذن؟ لا شك انهم سيلجأون الى شيء مختلف، شيء لا يلفت الانتباه ويبدو صغيرا وتافها، ولذلك فاذا رأيتم شجرتي ليمون في مزرعة زيتون فعليكم بتفتيتهما واذا رأيتم شجرة ميتة بين اشجار حية، فلابد ان تنتبهوا اليها". وفي المعارك المبدئية التي شهدتها المخيمات استخدم شارون الجرافات لهدم المنازل، تماما كما فعل في جنين الشهر الماضي، ثم اجبر المقاتلين الفلسطينيين على مواجهة في العراء. وخلال المعارك التالية ارسل شارون رجالا متخفين في زي مقاتلين فلسطينيين إلى قطاع غزة، وطلب منهم التظاهر بانهم هاربون من جنود إسرائيليين حقيقيين وقد كانت الخطة تقضي بقيام هؤلاء الجنود المتنكرين ببناء خنادقهم الخاصة بهم، تمهيدا لقيام جرافات شارون بتدمير مخابىء القوات الفلسطينية. ويورد شارون في كتابة احدى العبارات التي تعطي فكرة واضحة عن مدى دموية الحملة، حيث يقول : "بمرور الوقت بدأت اعداد العائلات بالتزايد، مما اضطرها الى بناء المزيد من الغرف والسقائف حتى اصبحت المخيمات مكتظة بالابنية والازقة التي لا يتجاوز عرض بعضها 3 أو 4 أقدام. ويضيف "شكلت هذه الازقة المكتظة اماكن اختباء مناسبة، للارهابيين، مما اضطرني الى توسيعها باستخدام الجرافات حتى نتمكن من مراقبتها بشكل فعال، وبالطبع فقد كنا مضطرين الى هدم عدد المنازل وبناء منازل اخرى للسكان". ولكن الفلسطينيين اليوم يقولون ان المشردين خلال السبعينيات لم يحصلوا على أية منازل او اماكن اقامة جديدة من قبل الاسرائيليين. ولكن هناك نقطة لابد من التأكيد عليها، فقبل 20 عاما كان شارون قائد الجيش الاسرائيلي الجنوبي، وبالتأكيد فانه خبرته السابقة لن تفيده الآن مع المقاتلين الفلسطينيين الاكثر كفاءة وخبرة. والآن وبعد ان تعلم الفلسطينيون من تجارب الخنادق واشجار البرتقال، فان الاسرائيليين لن يواجهوا اوقاتا سهلة في غزة الحديثة، والمؤكد ايضا ان أية محاولة لدخول المخيم من خلال التخفي، ستعني مقتل جميع المتسللين في لحظات. وبما ان الفلسطينيين والاسرائيليين يعلمون هذه الحقائق جيدا، فان الهجوم الجديد عند وقوعه سيكون حتما في غاية الدموية.
&(عن "الوطن" القطرية)
التعليقات