&
كان المسؤول الإيراني الكبير يشرح لي كيف يبدو العالم من طهران: إيران ساعدت الولايات المتحدة في تنظيم التحالف الشمالي، الحليف القديم لإيران، لاسقاط نظام طالبان، الذي كانت طهران تعارضه معارضة عنيفة. (نحن اصوليون متحضرون وليس مثل طالبان، هكذا قال بامتعاض مسؤول ايراني آخر). وبمجرد سقوط نظام طالبان، قدمت إيران في هدوء مساعدات لاميركا لتشكيل الحكومة الانتقالية في كابل. لم يشترك ايراني واحد في هجمات 11سبتمبر (ايلول)، لم يعثر على إيراني واحد في عضوية القاعدة، كما أن المفاعل الذري الإيراني خاضع للرقابة الدولية. ويحكم إيران حاليا النظام الأكثر ديمقراطية، والصحافة الأكثر حرية في كل العالم الاسلامي والشرق الاوسط. وتعبيرا عن شكره لكل ذلك أدرج الرئيس بوش إيران ضمن "محور الشر".
من الناحية الأخرى قامت باكستان بخلق طالبان، واستضافت أعضاء القاعدة، ودعمت الارهابيين الاسلاميين في كشمير، وصنعت قنبلة ذرية إسلامية، ومع ذلك فإن رئيسها الذي وصل الى السلطة عن طريق الانقلاب، تلقى بليون دولار كمساعدات من الولايات المتحدة. العربية السعودية كانت تمول طالبان، ولديها مئات المواطنين في تنظيم القاعدة ويكوّن مواطنوها جمعيات خيرية تساعد حماس والجهاد الإسلامي وتدعم المدارس الاصولية في كل انحاء العالم، وهي موطن 15من الخاطفين الـ 19في هجمات 11سبتمبر، ومع ذلك يحتفي بقيادتها أميركيا.
أعترف أنني ضحكت عندما وضعت الصورة أمامي على هذا النحو. ولكنني لست في موضع المدافع عن إيران التي دعمت الارهاب، سواء ضد مواطنيها او في الخارج. ولكنني سادافع عن الفكرة القائلة، ان إيران هي البلد المسلم الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتمتع بالحيوية السياسية، والصراعات العارمة، والذي له مصالح متوافقة مع المصالح الاميركية، وانه يستحق لكل هذه العوامل نظرة جديدة وغمزة في الجنب حتى يسير في الاتجاه الصحيح، لا ان يدمغ بميسم الشر ويجري تجاهله.
هناك ثلاثة مراكز للقوى في إيران: هناك ايران الشريرة، المكونة من رجال الدين المحافظين واجهزة المخابرات وقوات الصاعقة الخاصة بالنظام، التي تحتكر في ما بينها كل وسائل القهر، وهي المسؤولة عن دعم حماس والجهاد الاسلامي، وعن قتل المفكرين الايرانيين قبل عدة سنوات. وهناك ايران المحافظين العقلانيين، وهؤلاء جزء من رجال الدين ومن التجار، الذين ايدوا الثورة الاسلامية لنفورهم من نظام الشاه لتسلطه وعلمانيته، ولكنهم يميلون الى الديمقرطية وحكم القانون. وهذه الفئة متحالفة حاليا مع فئة الاشرار.
وأخيرا هناك إيران الاصلاحية. وهذه تتكون من عناصر الطبقة الوسطى التي تعاني من الضيق الاقتصادي، والفئات الطلابية الصاعدة والثوريين السابقين الذين فاض بهم الكيل كرها للنظام الثيوقراطي. وهؤلاء يتطلعون الى مزيد من الديمقراطية والى قدر أقل من القيود الدينية المفروضة، وهم الذين يقودون المعارضة حاليا، ولكنهم يتمتعون بقدر ضئيل من القوة والنفوذ.
وهذا يعني ان مفتاح التغيير السلمي في ايران هو حدوث انقسام في صفوف الصفوة الحاكمة. المفتاح هو اقناع المحافظين العقلانيين بالانفصال عن الفئة الشريرة من المحافظين، وخلق تحالف جديد مع الاصلاحيين. وهذا ليس مستحيلا. فهناك العديد من العقلانيين المحافظين الذين توصلوا الى ان حكم رجال الدين ـ وخاصة الفئة المتدنية الكفاءة والمعزولة والمستبدة، الموجودة في إيران حاليا ـ صار مكروها لدى الناس ويمكن ان يهدد في النهاية الثورة الاسلامية نفسها.
ماذا يمكن للولايات المتحدة ان تفعل؟
يقول اغلب الاصلاحيين ان الولايات المتحدة يمكن ان تخدمهم اذا اعادت العلاقات الدبلوماسية وخففت من العقوبات الاقتصادية. وقال لي آخرون، ان على الولايات ان تذهب الى الامم المتحدة وتكشف البينات التي لديها حول تورط أي مسؤول ايراني في النشاط الارهابي. وقال احد الاصلاحيين:
"نحن أنفسنا لا نعرف من يفعل هذا ومن يفعل ذاك. واذا كشفت الولايات المتحدة اسماء هؤلاء الاشخاص فان ذلك سيؤدي الى عزلهم وتجميدهم داخليا. (عندما اقترح احد رجال الدين فرض ضريبة جديدة ضئيلة الحجم لدعم الانتفاضة الفلسطينية، رفض البرلمان الإيراني اقتراحه). وقال آخرون ان على الولايات المتحدة ان تدافع عن كل ايراني يريد ان يخوض الانتخابات، او يصدر صحيفة جديدة او يتعرض لمضايقات او اعتقالات من رجال الدين. يدعي رجال الدين ان ايران ديمقراطية اسلامية، وعلى الولايات المتحدة ان تطلب منهم باستمرار ان يبرهنوا على ذلك.
لست متأكدا مما اذا كانت هذه النصائح صحيحة او خاطئة، ولكنني اعرف ان ايران في حالة من الفوران وتستحق إعادة النظر من قبل اميركا، وليس ذلك لان القوى الظلامية غير متورطة في الارهاب، بل لأنها متورطة في ذلك النشاط. وليس لان مثل تلك النظرة الجديدة ستدعم هذه القوى، بل لانها في نظر الكثيرين هنا ستضعفها. وليس لأن الإيرانيين انفسهم لم يتصدوا بشجاعة وحماس لهذه القوى الظلامية، بل لأنهم يتصدون لها بالفعل، وليس لأن النظرة الجديدة ستبطئ من سقوط القوى الظلامية، بل لأنها ربما تسرع بهذه النهاية.
* كاتب وصحافي أميركي ـ خدمة "نيويورك تايمز"(الشرق الأوسط اللندنية)