عمان -ايلاف:&واحدة من قنوات استمرار حكم الرئيس العراقي هي الاعلام، وهو من دونها كمن يمارس الانتحار، ولذلك فانه مادامت هناك وسائل اعلام&تفتح ذراعيها لكل ما يصدر عن بغداد من بيانات ودعايات فانها تظل قادرة على الديمومة والبقاء مستخدمة هذا الكم الكبير من الصحافيين الذين يحجون الى بغداد بين فترة واخرى.
واذا عرف من وسائل الاعلام العربية من رهن نفسه منذ زمن بعيد في خدمة الرئيس العراقي سواء لغايات القناعة بسلامة موقفه اولا لاغراض شخصية اخرى، ومنه ما هو غير قليل في الاردن واليمن والجزائر والسودان والمغرب وتونس، فان وسائل خليجية بدأت هي الاخرى الانضمام لتلك الوسائل النظيرة.
الملاحظ ان قناة الجزيرة الفضائية القطرية هي اول من اخترق ما يمكن ان يسمى الحظر الاعلامي الخليجي على بغداد، فهي افتتحت مكتبا لها هناك، وفي الأمس نقلت مباشرة خطاب الرئيس صدام بمناسة ذكرى وصول حزب البعث الى الحكم في العراق العام 1968 .
وقبل ذلك بيوم كانت صحف في الخليج منها في قطر واخرى في سلطنة عمان تعد للنشر ما قيل انه انفراد بمقابلة صحافية حققها الاستاذ في جامعة قطر الدكتور محمد المسفر مع الرئيس صدام حسين، وتحدث&فيها عن الاوضاع الراهنة عراقيا وفلسطينيا وخليجيا.
المقابلة نشرت الأربعاء تزامنا مع ذكرى الاحتفال العراقي بالثورة البعثية في بغداد، وما يهم المتابع المهني هو ملاحظة ان ما قيل انه مقابلة صحافية لا يعدو كونه منذ الوهلة الاولى لتفاصيل الكلام المكتوب انه كلام صادر عن الرئيس صدام في خلال استقبال لوفد كبير وليس لشخص صحافي فرد بعينه.
وان ثبت ذلك، فان مهنة الصحافة سائرة من دون شك الى الهاوية على ايدي اكاديميين يصرون على اقتحام الصحافة من اوسع البوابات على انها مهنة من لا مهنة له، وليست صاحبة مهمة انسانية رفيعة وراء المتاعب الجمة في مجالات عدة.
&
فتوصيفات الجمع التي وردت على لسان الرئيس المتحدث في المقابلة التي قال مجريها الاستاذ الجامعي القطري الدكتور محمد المسفر انه حققها كانت موجهة الى جماعة وليس الى شخص مفرد بعينه، فالصحيح هو ان يخاطب الافراد من هم اكبر منهم درجة كالرؤساء والملوك بصفة الجمع وليس العكس.
&
فتوصيفات الجمع التي وردت على لسان الرئيس المتحدث في المقابلة التي قال مجريها الاستاذ الجامعي القطري الدكتور محمد المسفر انه حققها كانت موجهة الى جماعة وليس الى شخص مفرد بعينه، فالصحيح هو ان يخاطب الافراد من هم اكبر منهم درجة كالرؤساء والملوك بصفة الجمع وليس العكس.
ثم ان المقابلة الصحافية لها شروطها الخاصة ومواصفاتها خصوصا انها ان كانت متفردة تعتبر سبقا صحافيا عالميا لصفة الرئيس مركز المقابلة، فالرئيس صدام هذه الايام هو الحدث ومحركه في ضوء ما يقال عن مخططات لاطاحة نظامه في وقت ما من الخريف المقبل، ويبدو ان واشنطن جادة هذه المرة في انهاء المهمة التي لم يتم انهاؤها في حرب تحرير الكويت قبل عشر سنوات ونيف.
الدكتور المسفر الذي عاد لممارسة الدور الصحافي، كان لسنوات رئيسا لتحرير صحيفة (الراية) القطرية التي فصله مجلس ادارتها، ولا تزال المعارك شديدة الوطيس بينه وبين الصحيفة التي اتهمته قبل شهرين بـ"ديكتاتورية" القرار والتسلط وعدم المهنية "وان هذه مع جملة اسباب اخرى كانت السبب وراء اقصائه عن رئاسة التحرير".
وهنا لا بد للمراقب من ملاحظة وهي ان واحدة من اسباب الاقصاء التي ابدتها صحيفة (الراية) هي ان هنالك من يقرر للمسفر بعض مقالاته سلفا، وهنا تشير الصحيفة الى ان رئيس تحريرها السابق مرتبط بجهات تمثل راي الرئيس العراقي صدام حسين.
وقالت (الراية) انها عثرت على مقالات كتبت بخط يد غير يد المسفر، هذا فضلا عن اتهامات كثيرة ليس من الاهمية والاختصاص سردها الآن كونها تخص جريدة ورئيس تحرير سابقا اختلفت معه.
واضافة جديرة بالاهتمام هي ان مستوى المقابلة المهني يعزز اتهام (الراية) القطرية لرئيس تحريرها السابق في الشأن المهني الصحافي الذي لا علاقة لها بكونه استاذا جامعيا معروفا باكاديميته التحريضية ومستواه الناجح كمحاضر في جامعة قطر حاول الانخراط في سلك صاحبة الجلالة لكنها رفضته من خلال اقصائه من جريدة (الراية).
واضح ان الدكتور المسفر - (الاستاذ الجامعي الراغب بدور المثقف الشامل ) مارس الظهور في شكل دائم على شاشة فضائية (الجزيرة) التي يتبناها الحكم القطري محللا ومعقبا ومنتقدا وموجها للأنظمة السياسية العربية- لا يخفي في مقدمة "مقابلته الصحافية" اعجابه الشديد بالرئيس صدام، وهو عدد صفات في تلك المقدمة ندر اطلاقها على أي امام او زعيم من قبل.
واذ ذلك هو رأيه الشخصي، فان الملاحظ في الاتجاه ذاته انه وجه اتهامات لصحافيين آخرين من الصف المناهض لسياسات الرئيس صدام متهما اياهم ببساطة "انهم ينتمون الى وسائل اعلام هاربة تمولها اجهزة مخابرات متعددة الجنسية".
وهو يزيد في الاتهامات والتوصيفات في حق هؤلاء بأنهم مجموعة من "الهمازين والكتبة"، ولا يكتفي الاستاذ الجامعي (العائد) للمهنة عبر مقابلته "الخاصة مع صدام" بذلك بل انه يضع محادثه الرئيس العراقي في صف العظماء في التاريخ الحديث من دون ان يميز بين هؤلاء العظماء في التناقض.
فالاستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية يضع اول رئيس وزراء لاسرائيل ديفيد بن غوريون والملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل والرئيس الراحل جمال عبد الناصر وغاندي وشو ان لاي وماو تسي تونغ وماركس وغاندي وزايد بن سلطان آل نهيان في صف واحد وخانة واحدة من العظمة.
في المقابلة التي افتقدت الى ادنى شروط المهنية الصحفية والف بائها فان "الاستاذ الجامعي" الذي اختير من جانب فضائية (الجزيرة) ليكون المعلق الرئيس على خطاب صدام "الحماسي الاسلامي الاعلامي) امس الأربعاء خلط الحابل بالنابل في السياسة والصحافة والاتهام والايدولوجية واغتيال الآخرين وأخيرا الاعتداد بـ"الأنا" القاتلة الى درجة الغرور.
فهو اعطى على سبيل المثال اجوبة لأسئلة مهمة على السنة آخرين لم يحدد هوياتهم وكان الحري بالاجوبة التي مفترض ان تكون مهمة ان تأتي على لسان الرئيس صدام نفسه وليس على السنة مستشارين لا يستشارون في الحال العراقي في غالب الأحيان، حيث القرار معروف اين يكمن ومن اين ينطلق.
وهذه جاءت في ما لايقل عن ستة مواقع في تلك المقابلة، اما الباقي فنعترف انه جاء على لسان الرئيس صدام، على ان المراقب يدرك انها كانت ليست في شكل مقابلة صحافية بقدر ما هي فقرات منتقاة من حديث شامل وجهه المضيف العراقي الى زوار التقاهم في (بيت البركة) الذي تم فيه اللقاء الحاشد على ما يبدو ولا يحمل صفة الحديث الصحافي المنفرد المتفرد بين صدام و(الصحافي القطري المسفر)؟.
وغير ذلك، فان الدكتور المسفر يقودنا معه الى حال من الهلع والخوف والحذر والشكل (انا اشك فاذا انا موجود) حين تتوارد الاسئلة الى رأسه كالسهام المسمومة في شخصية الرجل الذي استقبله ويجلس امامه، وخصوصا حين يقول "وتبادر الى ذهني السؤال الكبير حين تذكرت ان صدام يظهر في مناسبات عديدة من خلال اشباه الرئيس الذين تعود عليهم زوار العراق واهل العراق خشية الرئيس الاصيل من الاغتيال.
وأخيرا، فان التوصيف الذي اورده "الاستاذ الجامعي الصحافي القطري المسفر" للدروب الصعبة والمسالك الشائكة والاشخاص والسكرتيرين ورجال الحراسة و.. و.. حتى كان وجها الى وجه مع صدام يثير حالة الشك بصدقية حصول المقابلة الصحافية من اساسها، اللهم الا اذا كان حديثا عاما لجماعة كبيرة من الناس، وهذا يبدو انه الذي حدث.
واضح ان الحملة الاعلامية التي تقودها بغداد من سنين عجاف وتتصاعد راهنا مع تسخين حدود العراق وقلب بغداد حظيت في الايام الأخيرة بانضمامات كثيرة لحملة (البروباغاندا) الوقائية مصطفة وراء الرئيس العراقي الذي ختم خطابه بمناسبة ذكرى تولي حزب البعث السلطة في العراق بما لم يختم به أي امام خطابه منذ صدر الاسلام.
من المنضمين الجدد على ما يبدو الدكتور المسفر من بوابات الصحافة، وهو لم يبرأ بعد من معركة كسر العظم مع صحيفته السابقة (الراية) القطرية التي اطاحته على نحو غير معهود لأخطاء مهنية ارتكبها لعل اقلها اقصاءه للمحترفين من قطريين واشقاء عرب من تلك الصحيفة.
ويبقى القول الفصل وهو ان المستوى المهني المتدني الذي نشرت فيه (المقابلة الصحافية) حتى وان تمت فعلا مع الرئيس العراقي يؤكد حقيقة ان قطر كانت محقة حين تبادر الى استئجار غير القطريين من مذيعين وصحافيين واعلاميين حيث الكفاءات الوطنية القطرية لا تلقى الاعداد والرعاية الكافية من جانب المسؤول الاعلامي والدبلوماسي الأول في ذلك البلد الخليجي الصغير الشيخ جاسم بن حمد بن جبر آل ثاني المتربع على "العرشين" معا.
وأخيرا، فانه اذا كان للمراقب ان يعترف بالأكاديمية الجيدة المستوى للدكتور المسفر "الطامح للنجومية دائما في أي ثمن ومن على أي منبر"، فانه لا بد من القول انه مثل كثيرين وجدوا في الصحافة الطريق السهل لتنفيذ غايات لا تتعدى تأكيد "الأنا" في اقل الحالات ، وفي اعلاها "ان الغاية تبرر الوسيلة".
واذا كان الدكتور (الصحافي) المسفر راوده الشك مرارا كما يعترف بان محدثه يحتمل ان لا يكون الرئيس صدام حسين ذاته، فان من نافل القول احتمال ان لا تكون المقابلة&تمت في الأساس.&
&
(المقابلة)















التعليقات