اليو. اس. أي توداي
حينما اجتمع سبعون من الضباط العراقيين المنشقين في لندن مؤخرا بعثت كل من وزارة الخارجية والدفاع الاميركيتين بممثلين عنهما وكذلك فعل نائب الرئيس ديك تشيني. ولم يكن التمثيل الثلاثي الاطراف الاستثنائي يعبر عن رغبة ديك تشيني في الاطاحة بصدام فحسب ولكنه ايضا لأجل ابراز دوره الدولي الاستثنائي. وقد كان الدور الفعال والمقنع سابقا حول السياسة الخارجية من نصيب وزارة الخارجية او مستشار البيت الابيض لشؤون الامن القومي مباشرة بعد الرئيس اما في ادارة بوش فإن هذا الدور يشغله السيد تشيني حيث يقول المسؤولون في الادارة الاميركية والمراقبون الخارجيون ان تشيني يعتبر استثناء في التاريخ الاميركي فهو المهيمن داخل البيت الابيض على شؤون السياسة الخارجية ويتم كل شيء عن طريقه وفقا لما يقول دوغلاس برنكلي المؤرخ الرئاسي في جامعة نيو أورليانز. ويعتر نفوذ تشيني عن افتقار الرئيس بوش للخبرة في الشؤون الدولية وكذلك العزلة النسبية لوزير الخارجية كولن باول اضافة الى دور مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي كوندوليزا رايس التي تقوم بدور المنسق اكثر من الصانع للسياسة. فلقد تغيرت صناعة السياسة الخارجية منذ دخول ادارة الرئيس بوش الى البيت الابيض حينما كان الرئيس بوش محاطا بأربعة مستشارين متساوي النفوذ وهم كولن باول وديك تشيني وكوندوليزا رايس اضافة الى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. اما الآن فيقول المطلعون على بواطن الامور إن تشيني هو الذي يهيمن على السياسات الخارجية للرئيس بوش واصبح طاقمه الصغير اقوى نفوذا من طاقم مستشارة الامن القومي الكبير. وعلى أية حال فان تشيني يمارس نفوذه من خلف الكواليس فقد كان قليل الظهور خلال ثلاثة عقود من الصراع البيروقراطي كما انه اختفى عن الانظار خلال الاسابيع الاخيرة اثر التساؤلات التي بدأت تعلو حول عمليات حسابية مشبوهة تمت في شركة هالييورتون حينما كان رئيسا لمديريها التنفيذيين في الفترة من 1995 ـ 2000. وحاول تشيني جهده الا يدس انفه في النزاعات السياسية ويقول المشاركون في الاجتماعات انه كثيرا ما يلجأ الى توجيه الاسئلة ويستأثر لنفسه برأيه ليطرحه على الرئيس في اجتماعات خاصة بما فيها الغداء الاسبوعي ولكن لئن كانت يد تشيني غائبة فان تأثير نصائحه ليس كذلك، فقد شكل نائب الرئيس ومعاونوه الرئيسيون استراتيجية الادارة الاميركية في حربها ضد الارهاب وكذلك تعزيز رغبة الرئيس بوش في اتخاذ موقف متصلب من الوضع في العراق وايران والنزاع العربي ـ الاسرائيلي كما اننا لم يسبق لنا ان شاهدنا نائبا للرئيس يحظى بثقة الرئيس الى هذا الحد. يقول ريتشار بيرل احد كبار مسؤولي الدفاع في ادارة ريغان ورئيس مجلس الدفاع والسياسة والذي يقدم نصائحه لوزارة الدفاع حول قضايا الامن القومي "عادة ما يكون نائب الرئيس اقل نفوذا من طاقم الرئيس" ويقول المسؤولون في البيت الابيض ان على كل عضو كونغرس او اية مجموعة مهما تكن اهتماماتها وتبحث عن تأثير لها في سياسة الادارة الخارجية ان تتحدث اولا الى تشيني او رايس اما اذا كان الخيار بين طاقميهما فالامر محسوم لصالح طاقم تشيني بالرغم من الفرق الشاسع بين عدد طاقم الشؤون الخارجية لمستشارة الأمن القومي الثمانين وعدد طاقم تشيني الثلاثة عشر والذين يحظون بالاحترام ويحضرون اجتماعات تتم خارج البيت الابيض حول المواضيع الساخنة. فمثلا جون حنا كبير مستشاري تشيني حول الشرق الاوسط كثيرا ما يكون حاضرا في مناسبات لا يحضرها ممثلون عن مجلس الأمن القومي وعلى سبيل المثال فقد شارك حنا في جلسة حول الاصلاحات في السلطة الفلسطينية التي اشرف على تنظيمها مجلس العلاقات الخارجية قبل ايام قليلة من القاء بوش خطابا في 24 يونيو جعل من الاصلاحات موضوعه الرئيسي. وفيما يتركز الاهتمام حول ما اذا كانت الولايات المتحدة تنوي مهاجمة العراق وكيفية حدوث ذلك يقال ان عين تشيني على ايران التي ستصبح لديها القدرة على تطوير اسلحة نووية خلال بضع سنوات. ويقول مسؤولو الادارة الاميركية ان تشيني يشعر بالقلق تجاه دعم ايران لـ "الإرهابيين الفلسطينيين" ومتفائل بتنامي المعارضة الداخلية للنظام الايراني. اما الخبراء الاجانب فيثنون على رئيس طاقم تشيني ومستشاره لشؤون الأمن القومي سكوتر ليبي وهو محام من واشنطن ومن اتباع نائب وزير الدفاع بول وولفويتز وتشيني ويقولون ان طاقمه الذي اختاره من اوساط وزارة الخارجية والدفاع والمرجعيات الفكرية يعمل الآن كمرجعية فكرية مستقلة. ويقول باتريك كلوسون نائب مدير معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى "لقد اختار تشيني اشخاصا اكفاء احسنوا التجول في المدن والاستماع الى الافضل والألمع". ويقول مسؤول كبير في البيت الابيض عن موظفي تشيني انهم يقومون باعمال كبيرة ويفكرون بافكار نيرة. ويشعر البعض في وزارة الخارجية والبيت الابيض بالقلق من التحالف بين تشيني ورامسفيلد الذي وظف تشيني للعمل في البيت الابيض ابان ولاية نيكسون وهو الآن الافضل بين فريق بوش للسياسة الخارجية ويقول مسؤولو الادارة ان رايس اقتنعت بقبول دور تشيني الاستثنائي وطاقمه لسبب رئيسي انها تقوم بدور الوسيط النزيه لبوش ومحطة للمعلومات والآراء. وتقول ماري ماتالين احدى كبار مساعدي تشيني: لا يوجد احتكاك بين تشيني ورايس ويعمل مستشارو نائب الرئيس ومستشارة الامن القومي يدا بيد وانهما معا اعظم مما لو كانوا فرادى. اما باول وتشيني فتلك قصة اخرى حيث ورد في كتاب باول عن سيرته الذاتية "رحلتي الاميركية" وصفه لتشيني بأنه "رجل انيق صارم قليل الثرثرة ولا يحب الظهور اكثر من اللازم" خلال الفترة التي عمل فيها تشيني وزيرا للدفاع وباول رئيسا لاركان القوات الاميركية المشتركة ابان رئاسة جورج بوش الاب. وما زالت هذه التوترات مستمرة وفقا لما يقوله المسؤولون والدبلوماسيون الاجانب فعادة يعقد الزعماء الذين يزورون واشنطن اجتماعات خاصة ومنفصلة مع تشيني لان سفراءهم اخبروهم بضرورة هذه الاجتماعات اضافة الى الاجتماعات مع كولن باول المعروف باعتداله والذي لا تلقى نصائحه اذنا صاغية دائما. فعندما قام وزير الخارجية الفرنسي الجديد مؤخرا بزيارة خاطفة الى واشنطن استغرقت 22 ساعة حرص طاقم الوزير دومنيك دوفيلبان على ترتيب محادثات لمدة ثلاثين دقيقة مع ديك تشيني. كما ان رؤساء الدول مثل الرئيس المصري حسني مبارك يحرصون على تخصيص وقت للاجتماع بنائب الرئيس الذي عادة ما يستضيفهم في منزله على غداء عمل حيث يبدو اكثر ايجابية وبساطة مما هي الحال في اللقاءات الرسمية التي يعقدها الرؤساء في اماكن اخرى. وعن ذلك يقول من عملوا في الادارات السابقة ان تدخل تشيني في السياسة الخارجية يفوق تدخلات اي نائب رئيس آخر حتى اولئك ممن يدعون خبرتهم الواسعة من امثال بوش الاب الذي كان نائبا للرئيس ريغان وكذلك آل غور. ويقول احد المسؤولين ممن عمل في ادارة كلينتون في مجال السياسة الخارجية ان غور مارس نفوذا قويا في ادارة كلينتون في مجال السياسة الخارجية خاصة الاشراف على السياسة الروسية ـ الاميركية ولكن مساعدي كلينتون يقولون ان دور تشيني كان اكثر تأثيرا على السياسة وعلى منظومة اوسع من القضايا، حيث كان غور يقوم بدور "الشريك الاصغر للرئيس كلينتون ولكن تشيني هو نائب الملك". وتقول ليسلي غيب رئيسة مجلس العلاقات الخارجية ومسؤولة في وزارة الخارجية ابان وراية الرئيس كارتر إن نائبه وولتر مونديل لم يكن لديه فريق موظفين وكان مستشاره هو نائب مستشار شؤون الامن القومي زيغنيو يزيجمسكي احد اكبر مساعدي الرئيس كارتر نفوذا اما طاقم تشيني فلم يسبق له مثيل من حيث العدد والنفوذ فأعينهم على كل قضية ومنطقة. وقد اكتسب نائب الرئيس الذي كان وزيرا للدفاع ابان حرب الخليج خبرة حول قضايا الشرق الاوسط والخليج العربي ويقول مسؤولون في البيت الابيض انه نظرا لانعدام نظير لتشيني يتحلى بنفس سعة وعمق الاطلاع والروابط والصلات في المنطقة فانه وموظفيه على اتصالات هاتفية منتظمة مع القادة العرب مما يوفر قناة استثنائية تضاف الى اتصالات وزارة الخارجية المنتظمة. لكن الشرق الاوسط شكل احدى نكسات تشيني القليلة كنائب للرئيس فقد فشل خلال جولة له استمرت عشرة ايام زار خلالها اثني عشر بلدا في تهدئة الازمة الفلسطينية ـ الاسرائيلية وكذلك في حشد تأييد الحكومات العربية للاطاحة بصدام. ويقول المسؤولون ان تشيني اقل التزاما بالعقائد مما يبدو فهو شخص واقعي متشدد الرأي وقال مسؤول في البيت الابيض في الوقت الذي يتخذ فيه الرئيس بوش موقفا متزمتا من "الارهاب الفلسطيني" تجد ان موقف تشيني اقل سلبية تجاه عرفات حينما قال إن عرفات فاسد من الوجهة الأخلاقية ولكن قلقه الأكبر ينبع من اعتقاده بعدم امكانية تحقيق اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ما دام يتولى السلطة وفقا لما صرح به مسؤول في البيت الأبيض ويقول المحللون ان دور تشيني المركزي في السياسة الخارجية يوحي بانه سيكون على بطاقة الترشيح للانتخابات عن الجانب الجمهوري في عام 2004 على فرض انه سينجو من التهم الموجهة اليه فيما يتعلق بدوره في فضيحة هالييورتون وان تبقى حالته الصحية جيدة