التلغراف
&
يلف المملكة الأردنية شعور بدنو يوم الحساب من جراء خوفها من الحصار بين حربين ــ النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني غربا والغزو الأميركي المتوقع للعراق شرقا. فالأردن ظل وجوده كدولة دائما غير مستقر ولكنه الآن أصبح يسمع كل انواع الحديث عن القوة الماحقة التي تتهدده. وسيكون الملك عبدالله الثاني أمام أكبر تحد له منذ اعتلى العرش قبل ثلاث سنوات ممثلا بالمهمة شبه المستحيلة لقيادة البلاد وسط المشاعر المؤيدة للعراق في اوساط شعبة والاستجابة للمطالب الأميركية منه كحليف لواشنطن في هذا النزاع. ويمكن تلمس التوتر في الشوارع بوضوح فاعداد رجال الشرطة المسلحين اكثر من المألوف وعلى اهبة الاستعداد، وبدأ الناس يتحدثون همسا مخافة من المخبرين السريين. وفي مكتب لتبديل العملة بوسط عمان كان رجل يشتري دولارات تحوطا من احتمال انهيار العملة الأردنية. وقال عبدالسلام سعودي صراف العملة ان الأمر يعتمد على طول الوقت الذي سيحتاجه الأميركيون لانجاز المهمة، وعلى ما إذا تمكن الأميركيون من اقناع بلد ما بتزويدنا بالنفط بدلا من النفط العراقي. ومثل معظم الأردنيين يعتقد هذا الرجل أن من الجنون ان يشن الأميركيون حربا على العراق في الوقت الذي لا يزال فيه النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين مستعرا. فإذا قاوم العراقيون وصمدوا أمام الأميركيين واستمرت الحرب فعلا في العراق فسوف يشهد الشرق الأوسط انتفاضة ضد كل شيء يمت للغرب بصلة. ومما يزيد المشكلة تعقيدا بالنسبة للأردن ان ارييل شارون رئيس وزراء اسرائيل سوف يستخدم ضباب الحرب لتنفيذ تصوره بأن الأردن هو الوطن الطبيعي للفلسطينيين. وهناك اشاعات تقول ان مئات الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية قد يبعدون بالقوة عبر الحدود الى الأردن. لقد سافر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الى كل من لندن وواشنطن للاعراب عن مخاوفه من ان العمل العسكري لازاحة الرئيس صدام حسين سوف يطلق العنان لمجموعة من المآسي في الشرق الأوسط. ولكن الأميركيين لم يكونوا في مزاج مستعد لسماع تحذيراته فعاد بمزاج متعكر مع تحذير بأن يستعد للأسوأ. وكان أول رد فعل للملك هو التضييق على الحريات التي يتمتع بها الناس في الأردن في ظل نظام ليبرالي نسبيا بالمعايير العربية. فأعلن عن تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في سبتمبر الى فصل الربيع القادم علما بأن البرلمان الأردني معطل منذ أكثر من عام. وتتعرض وسائل الإعلام الأردنية للسيطرة المشددة والمظاهرات محظورة منذ شهور، ولوقف تدفق اعداد كبيرة من الفلسطينيين تشترط السلطات الأردنية ايداع خمسة آلاف جنيه استرليني لدخول الأردن ومصادرتها في حالة تجاوز مدة الإقامة الممنوحة للزائر. ويعتبر الأردن البلد العربي الأكثر انكشافا بين البلدان العربية، فبالنسبة للعراقيين يمثل الغزو العسكري الأميركي فتح آفاق وضع نهاية للنظام وإقامة نظام جديد وانهاء العقوبات. واما بالنسبة للاردنيين فيمثل الغزو الأميركي جيوشا أجنبية تجتاح ترابهم الوطني. ويقول الدبلوماسيون في عمان أن لدى الملك الشاب فسحة من الوقت لتجنب الوقوع في الجانب الخطأ بالنسبة للأميركيين كما حدث في عام 1991 عندما ساير الملك حسين الراحل مشاعر شعبه وحاول مساعدة صدام حسين. ولكن يبدو أن الملك الشاب قد حسم موقفه بوضوح من خلال سماحه لأربعة آلاف جندي اميركي بالدخول في مناورات منتظمة في المنطقة الصحراوية من جنوب الأردن. وشاركت في تلك المناورات وحدة بريطانية قوامها 200 جندي و50 عربة عسكرية في إطار مناورات منتظمة أيضا. ويصر المسؤولون الأردنيون على القول ان هؤلاء الجنود سوف يغادرون قريبا وسيأخذون جميع معداتهم معهم. ومن الناحية الاقتصادية تبدو الآفاق قاتمة، فالأردن يعتمد على استيراد النفط العراقي الرخيص وستكلف الحرب في العراق خسارة للأردن قدرها 650 مليون جنيه استرليني سنويا. وقد يعبر صدام حسين عن غضبه بارسال مليون لاجىء عراقي عبر الحدود الى الأردن والبلاد لا يوجد لديها ما يكفيها من المياه فكيف مع تدفق هذا العدد من اللاجئين؟ وفي خطوة يائسة أخيرة يمكن ان يرسل صدام حسين جيشا عراقيا عبر الحدود في غزو قد يجد الترحيب به من قبل الكثيرين من الأردنيين. وإذا حارب الجيش العراقي جيدا، ضد الأميركيين، يقول مصطفى حمارنة مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في عمان، فعندئذ سيصبح صدام حسين أقدس رجل في المنطقة.
التعليقات