الدار البيضاء-إيلاف: تعتقد مارغريت تتوايلر، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية بالرباط، أن المغرب هو البلد الوحيد، خارج أميركا، الذي يمكن للفرد أن يمارس فيه معتقداته بكل حرية، وأن أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 مكنت أميركا والمغرب وكل الأمم المتحضرة من التوحد من خلال التعاطف مع الضحايا. وأشارت السفيرة في حوار مع الصباح إلى وجود ثلاثة مجالات للتعاون بين البلدين: المجال الأمني والاقتصادي والعسكري. ووصفت هذا التعاون بالجاد والعميق والصادق والملموس.
وبخصوص قضية الصحراء أوضحت السفيرة أن بلادها وفرت أحسن ما يمكن أن توفره من أجل حل هذه القضية المعقدة، وأن الحكومة الأمريكية تساند كل حل عادل يقود إلى السلم في المنطقة. وأشارت السفيرة إلى أن التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين البلدين مظهر آخر لتعميق التعاون الاقتصادي. وكشفت أنه من المنتظر أن تحل بالمغرب خلال شهر أكتوبر المقبل لجنة تقنية لمتابعة ومناقشة الموضوع مع الطرف المغربي.
من جانب آخر، عبرت تتوايلر عن رضاها لما حصل لأسامة بن لادن لكونه "لا يستطيع أن يستعمل أية وسيلة من وسائل الاتصال ولا يستطيع أن يتواصل مع المجانين التابعين له". وبخصوص قضية الشرق الأوسط، قالت تتوايلر إن الإدارة الأمريكية الحالية عازمة كل العزم على المساهمة في إيجاد حل عادل وشامل لقضية الشرق الأوسط، وأشارت السفيرة إلى الجهود التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس. وعبرت عن أسفها لوجود بعض الإسرائيليين وبعض الفلسطينيين الذين لا يريدون أن يحل السلام في المنطقة، وقالت إن هؤلاء هم أعداء السلام.
وفي ما يتعلق بالعراق، أوضحت السفيرة الأمريكية أن العالم لن يغفر للولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تقم بواجبها أمام خطورة الوضع للحد من المخاطر التي تهدد المنطقة والعالم أجمع بسبب حماقات النظام العراقي.
في هذه المقابلة التي خصت بها الدبلوماسية الأمريكية جريدة الصباح، كان البعد الإنساني لكل القضايا التي أثيرت، سواء ما تعلق بالمبادلات التجارية أو ملف السلم بالشرق الأوسط أو ضرورة مواجهة الإرهاب والتطرف أو محاولة تفسير شرعية مشروع الهجوم الأمريكي على العراق، حاضرا وبقوة في كلام مارغريت تتوايلر. وحاولت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف فترات الحوار المطول أن تبرز مكونات المعادلة التالية: هي أن وراء كل قرار أو إجراء سياسي أو دبلوماسي أو أمني أو عسكري يوجد الإنسان وتوجد ضرورة المحافظة على حقوقه ووسائل عيشه الكريم.
&وفي ما يلي نص الحوار:

- لا يمكننا أن نبدأ هذه المقابلة دون الرجوع إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي بعد الهجوم الذي استهدف نيويورك وواشنطن. نريد أن نعلم منكم كيف تعامل الأمريكان مع هذه الفاجعة وما هو شعوركم الشخصي بهذا الصدد؟
- شعوري الشخصي سأسوقه لكم عبر ماراج في مكالمة هاتفية أجريتها مع أختي وهي أم لطفل يبلغ من العمر 11 سنة وتقطن بولاية تينسي وأبلغتني أنها ذهبت إلى السوق لتقتني أعلاما أمريكية من أجل المشاركة في الاحتفالات بيوم الوحدة مع باقي أطفال المدرسة في الحادي عشر من سبتمبر. إنه أمر رائع لكونها قالت يوم الوحدة ولم تقل يوم أمريكا.
إنني أعتقد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 مكنت أمريكا والمغرب وكل الأمم المتحضرة من التوحد من خلال التعاطف مع الضحايا، كما تلتقي هذه الدول في عزمها على النضال المتواصل من أجل المحافظة على عالم متحضر يحترم القانون والنظام.
- كيف تقيمين مساندة المغرب لكم إبان هذه الفاجعة؟
- أعتقد أن هذه المساندة كانت صادقة ونابعة من الأعماق وتنم عن شجاعة سياسية وتشكل ترجمة ناصعة للإنسان المغربي الذي أعرب بصدق عن تعاطفه مع الولايات المتحدة الأمريكية ويعود هذا إلى التاريخ المشترك بين البلدين. إن المغرب في تقديري هو البلد الوحيد، خارج أمريكا، الذي يمكن للفرد أن يمارس معتقداته بكل حرية مهما كانت هذه المعتقدات.
- يعتقد عدد كبير من الأمريكان، مسؤولين وأناس عاديين، أن بلدهم سيتعرض لهجمة ثانية كالتي حصلت في الحادي عشر من سبتمبر 2001. هل تعتقدين أن ردة الفعل هاته مبالغ فيها، أم أن أمريكا تعيش فعلا الإرهاصات الأولى لحرب طويلة الأمد؟
- أعتقد أنه لا أحد يتوفر على جواب مقنع لهذا السؤال. سنكون سذجا ومتهورين إذا اعتبرنا أن الأمر قد انتهى وأصبح في طي الماضي.
إن كل ما نعيشه الآن من تعزيزات أمنية في المطارات وتعقيدات إدارية في تسليم تأشيرات الدخول إلى أمريكا، يعود إلى ما اقترفته مجموعة متكونة من 19 رجلا مختلين عقليا والعالم بأسره يؤدي ثمن حماقاتهم. أنا لا أتوفر على بلورة سحرية للتنبؤ بالمستقبل، كما أن لا أحد يستطيع ذلك. لكنني شاهدت بأم عيني على قنوات سي إن إن والجزيرة أشخاصا يصرحون أن هدفهم الأسمى في الحياة هو تدمير الولايات المتحدة الأمريكية. كنت أتمنى من كل أعماقي أن كلاما من هذا القبيل لم ينطق به قط، ولكن علينا أن نصغي إلى هذا الكلام ونتصرف بالطريقة الملائمة.
إنه من المستحيل ضمان وضع آمن مائة في المائة في أي بلد في العالم. ولذا فمن واجب المسؤولين في كل بلد أن يكونوا حذرين اليوم أكثر مما كانوا عليه سنة من قبل.
- ما هو تقديرك للجهود التي بذلها المغرب من أجل المساهمة في الحرب ضد الإرهاب والتطرف؟
- أعتقد أن كل دولة تتصرف بالطريقة التي تستجيب ومصالحها. وأعتقد أنه بغض النظر عن العلاقات العريقة والمتميزة بين الحكومة المغربية ونظيرتها الأمريكية وكذا ما يربط شعبي البلدين، فإن المغرب وأمريكا يلتقيان في نبذهما للتطرف والإرهاب.
إنه واضح من خلال ما استطعت أن أستقرئه خلال وجودي في المغرب ولقاءاتي العديدة مع مختلف شرائح المجتمع، أن المغرب يساند هذه السياسة التي انتهجتها أغلب دول العالم.
الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أنه إذا حدثت أعمال إرهابية في المغرب فهذا ستكون عواقبه وخيمة على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، فإذا تأثر القطاع السياحي مثلا من جراء هذه الأعمال، فسيؤدي ذلك إلى فقدان عدد كبير من مناصب الشغل، كما سيؤدي إلى تخويف المستثمرين الأجانب وكل ما سيترتب عن ذلك من عواقب وخيمة.
وهذا ما كنت أعني لما تحدثت عن صواب القرار السياسي الذي اتخذته قيادة المغرب. إن هذا القرار، في تقديري الشخصي، قرار ذو بعد أخلاقي، ولهذا فالولايات المتحدة الأمريكية تثمن الموقف الذي اتخذه المغرب علانية. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تثمن التعاون الثنائي بين البلدين في مجال محاربة الإرهاب والتطرف.
- هل لكم أن تطلعونا عن فحوى هذا التعاون الثنائي؟
- لا يمكنني أن أدخل في التفاصيل وإلا أصبحت شخصية غير مرغوب فيها من قبل السلطات المغربية التي ستضطر أن تطلب مني مغادرة البلد لأني سأكون أفشيت أسرار الدولة. (ضحكة...) لكن رغم هذا يمكن التذكير بوجود ثلاثة مجالات للتعاون بين البلدين: المجال الأمني والاقتصادي والعسكري. ويمكن أن أصف هذا التعاون بالجاد والعميق والصادق والملموس.
- حرب أمريكا ضد الإرهاب ما زالت في بدايتها، كيف يمكن التكهن بانتصار أمريكا في هاته الحرب في الوقت الذي فشلت فيه في إلقاء القبض على ابن لادن والملا عمر؟
- لا أعتقد أن هذه الحرب موجهة ضد هذين الشخصين فقط، إنهما يتحملان المسؤولية عن آلية الحرب التي أنشآها. وهما أيضا مسؤولان عن الجيوش التي درباها، هذه الجيوش ليست جيوشا تقليدية ولم يعرف لها التاريخ مثيلا. إنهم أشخاص لا يرتدون زيا عسكريا وليست لهم سلسلة قيادية كما هو متعارف عليه ولا يعيشون في بلد واحد، بل يجوبون كل أرجاء العالم. في تقديري الخاص يمكن أن أعبر عن رضاي لما حصل لأسامة بن لادن، بغض النظر إذا كان حيا أو ميتا. إنه لا يستطيع أن يستعمل أية وسيلة من وسائل الاتصال، فهو لا يمكنه استعمال الهاتف أو الفاكس ولا يستطيع أن يدلي بمقابلة صحافية في التلفزة، فهو إذن معزول تماما ولا يستطيع أن يتواصل مع هؤلاء المجانين التابعين له.
إنها في نظري هزيمة بن لادن لأنه يختبئ، فإذا كان على قيد الحياة فإن الإثني عشر شهرا الأخيرة كانت بمثابة جحيم له لأنه يوجد داخل سجن. فهو سجين ضميره إذا كان يتوفر على ضمير. وهو في سجن لعدم قدرته على التواصل. وإذا كنت غير قادر على التواصل فأين تكمن قوتك.
- مسلسل السلام في الشرق الأوسط وصل إلى الطريق المسدود، هل من مبادرة أمريكية جديدة؟
- الوضع صعب جدا بالنسبة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، هذا رأيي الخاص ورأي الإدارة الأمريكية. إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تدخر جهدا وعلى كل المستويات كما رصدت موارد مادية وبشرية هائلة من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة الإنسانية. إنها جهود حثيثة بذلت على أعلى مستوى حتى يتمكن العرب والإسرائيليون من العيش جنبا إلى جنب في أمان وسلام. السلام يعني لي أن يخرج الأطفال من الجانبين للعب والمرح في الشوارع دون أن يصيبهم أي مكروه، هذا هو السلام الحقيقي في نظري. ومع الأسف هذا هو ما ينقص الشعبين في تلك المنطقة من العالم.
الرئيس جورج بوش ووزير الخارجية كولن باول والاتحاد الأوربي والدول العربية سيستمرون في بذل كل الجهود الممكنة لمساعدة الطرفين والوقوف إلى جانب السياسيين الشجعان الذين يحاولون التغلب على المصاعب. إنني لا أستسهل صعوبة الموقف وتعقده.
ليس باستطاعة أمريكا أن تفرض وجهة نظرها فيما يخص السلام هناك، وأية محاولة من هذا القبيل ستمنى بالفشل الذريع، على الإسرائيليين والفلسطينيين إذن أن يتوصلوا إلى حل يرضيهم وليس باستطاعة باقي دول العالم إلا أن تشجع وتدعم أي اتفاق يتوصلون إليه.
إنه في الواقع لأمر محبط أن لا يتحقق السلام هناك، لأن من يدفع الثمن في نهاية المطاف هم الناس العاديون، إنهم يستيقظون صباحا ولكنهم يجهلون إن كانوا سيبقون على قيد الحياة في نهاية اليوم، ولا يمكن وصف هذا الوضع بالطبيعي.
- الإدارة الأمريكية الحالية تساند إسرائيل على طول الخط بل انها طالبت برحيل الرئيس ياسر عرفات عن السلطة. كيف يمكن إذن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بدور الوسيط النزيه في ظل هذه المعطيات؟
- أعتقد أن الإدارة الحالية قامت بمجهودات جمة من أجل الخروج من المأزق الحالي. فالرئيس جورج بوش هو أول رئيس طالب بوجوب تأسيس دولة فلسطينية. وهذا شيء ملموس لا يمكن نكرانه، كما أن هذا الرئيس ساعد الفلسطينيين ماديا حتى وإن لم يصل حجم هذه المساعدات إلى الحجم الممنوح لإسرائيل. لقد سبق لي أن اشتغلت في إدارة جورج بوش الأب ومع وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وحضرت شخصيا مفاوضات مدريد ولاحظت كيف أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يقضون الساعات الطوال في مناقشة أمور ذات حمولة رمزية دون التطرق إلى القضايا الحقيقية، لأن التطرق لهذه القضايا شيء صعب في حد ذاته. أعتقد أن الإدارة الحالية تحاول جهد الإمكان مساعدة الطرفين ويتجلى هذا في عدد المبعوثين الخاصين إلى المنطقة للمساعدة على إيجاد حل لهذا المشكل.
الدول العربية بدورها تبذل جهودا حثيثة من أجل إخراج المنطقة من المأزق الذي توجد فيه، ولابد من الإشارة إلى الجهود التي يبذلها الملك محمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس.
لا أعرف أي جهة لا تحاول إيجاد حل لهذا المشكل. لكن مع الأسف هناك بعض الإسرائيليين وبعض الفلسطينيين الذين لا يريدون أن يحل السلام في المنطقة، هؤلاء هم أعداء السلام.
وبالرغم من العلاقات المميزة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يسر، فإن الإدارة الأمريكية الحالية عازمة كل العزم على المساهمة في إيجاد حل عادل وشامل لقضية الشرق الأوسط،
إلا أن الحل النهائي يبقى بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكانت للعاهل المغربي فرصة للحديث مع الرئيس بوش خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، وقد استمع الرئيس باهتمام كبير لتحليلات الملك محمد السادس، كما أن الملك محمد السادس والرئيس بوش أجريا عدة مكالمات هاتفية حول نفس الموضوع خلال السنة الأخيرة التي قضيتها في المغرب.
-& تعتقد بعض الأوساط أن الولايات المتحدة الأمريكية تولي أهمية كبرى إلى حربها ضد الإرهاب وأنها تركت جانبا قضية الشرق الأوسط، ما هو ردكم على هذا القول؟
- يجب التذكير أن الإدارة الأمريكية قادرة على إدارة أكثر من ملف واحد في نفس الوقت، فهي تتوفر على رجالات دول من صنف كولن باول ودونالد رامسفلد ومن الطبيعي أن تعطى الأولوية إلى بعض الملفات في أوقات معينة، لكن الولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا البيت الأبيض ووزارة الخارجية قادران على تدبير أكثر من ملف وعلى أكثر من واجهة وقضية الشرق الأوسط من أهم الملفات بالنسبة للإدارة الأمريكية.
- هناك من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت ضرب العراق لأنها فشلت في حربها ضد القاعدة في أفغانستان. فالعراق قد يكون لقمة سائغة مقارنة مع الحرب ضد الإرهاب. والمشكل هو أن القوات الأمريكية لا تكترث لوقع الضربات الجوية على المدنيين في حين أن الرئيس العراقي لا يصيبه أي أذى. ما هو تحليلك لهذا الوضع؟
- إنني أعيش في هذه الضفة من المحيط الأطلسي ولي القدرة على متابعة مستجدات الأوضاع وما تقوم به الإدارة الأمريكية. وكما تعلمون فإن وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي كوندليسا رايس ووزير الدفاع دونالد رامسفلد، بالإضافة إلى نائب الرئيس ديك اتشني صرحوا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي عبر قنوات التلفزيون الأمريكية عن نية واشنطن الوقوف بحزم من أجل جعل حد للتجاوزات التي يرتكبها النظام العراقي. هذه التصريحات يمكن اعتبارها رفعا للستار قبل الخطاب الذي سيوجهه اليوم الخميس الرئيس جورج بوش إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وما سمعته يؤكد أن النظام العراقي يتوفر على أسلحة للدمار الشامل وأن العالم لن يغفر للولايات المتحدة الأمريكية إذا لم تقم بواجبها أمام خطورة الوضع للحد من المخاطر التي تهدد المنطقة والعالم أجمع بسبب حماقات النظام العراقي.
هناك حقائق لا يمكن تجاهلها فيما يتعلق بالرئيس العراقي، فهو من استعمل أسلحة بيولوجية ضد شعبه وضد جيرانه، كما أن صدام حسين استغل الإحدى عشرة سنة الأخيرة لتصنيع هذه الأسلحة كما أكدت ذلك لجنة من الخبراء البريطانيين. ولم يحترم صدام قرارات الأمم المتحدة.
ليس لنا مشكل مع صدام حسين كإنسان فبإمكانه أن يمكث في العراق إلى أن يموت موتة طبيعية، مشكلتنا معه تكمن في كونه يوجد على رأس نظام أظهر مرة تلو الأخرى أنه لا ينصاع إلى قرارات المجتمع الدولي وأنه يهدد جيرانه باستمرار فهو لم يظهر في مرة واحدة استعداده للتصرف كزعيم مسؤول، فإذا لم يكن له ما يخفيه فلماذا يرفض باستمرار عودة المفتشين الدوليين ولماذا إذن وخلال الإحدى عشر سنة وهو يلعب هذه اللعبة الخطرة والقاتلة.
- العراق ليس هو الدولة الوحيدة التي تصنفونها من ضمن الدول المارقة لماذا التركيز على العراق فقط؟
- السبب هو الرئيس صدام حسين. أعتقد أن أي رئيس مسؤول يهتم أولا وقبل كل شيء بصالح ومصير شعبه، ولا أعتقد أن صدام يدخل ضمن هذه الخانة. الرئيس أو الزعيم الذي يتحلى بخصال المسؤولية هو الذي يوفر ظروف العيش الكريم لشعبه وهذا لا ينطبق على صدام حسين. إنني متأكدة أن صدام أرسل جنوده إلى ساحة الحرب وهو يعلم مسبقا أن مصيرهم سيكون الموت. لا يمكنني أن أتفهم كيف يمكن لرئيس أن يتصرف بهذا القدر من التهور فالهزيمة بالنسبة للجيش العراقي كانت حتمية ولم يكن أمامه أدنى حظ في انتزاع فوز في هذه المجابهة. لقد كانت فرصة حضور لقاء وزير الخارجية جيمس بيكر مع نظيره العراقي طارق عزيز في جنيف دام ست ساعات و45 دقيقة ولم يقتنع الطرف العراقي بضرورة الانسحاب من الكويت رغم التحذيرات شديدة اللهجة والاستعدادات العسكرية الضخمة لقوات التحالف الدولية. وأتساءل اليوم ماذا استفاد العراق من تعنته؟ لا أتفهم الذين يتهمون الولايات المتحدة الأمريكية بمسؤولية ما آلت إليه أوضاع الشعب العراقي. المسؤول الأول والأخير هو صدام حسين الذي جر الويلات على شعبه بسبب تعنته واستعلائه.
- صرح الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان أن السؤال الذي يجب طرحه هو أي عراق سنجد بعد تعرضه للضربات الأمريكية وماذا ستكون العواقب على دول الجوار؟ هل لك أجوبة على هذه الأسئلة؟
-& هذا يفترض أن القرار قد يكون قد اتخذ لضرب العراق. والحقيقة هي أن هذا القرار لم يتخذ بعد. علينا أن ننتظر خطاب الرئيس بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبكل أمانة ليست لي أجوبة على هذه الأسئلة، لكن خطاب الرئيس الأمريكي سيأتي بعد يوم واحد فقط من ذكرى 11 سبتمبر، والسؤال الذي سيطرح بحدة هو هل نتدخل أم نترك الأمور على عواهنها؟ وإذا لم نتدخل فما هي العواقب؟
أنا لست خبيرة في مجال أسلحة الدمار الشامل وخصوصا البيولوجية والكيماوية، لكنني أعرف أنها من أخطر الأسلحة على الاطلاق ويصعب التعامل مع عواقبها ومخلفاتها لأنها تؤثر على الأرض والهواء والماء وكل مكونات الحياة، كما أنها لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولهذا فإن مفعولها يطال حتى الدول البعيدة. فلنتذكر اتشرنوبيل ومخلفاتها. إنها أسلحة مخيفة وفتاكة لأنها لا ترى بالعين المجردة، وإذا هبت الرياح في اتجاه الغرب فإن المغرب سيتأثر بهذه الأسلحة رغم بعد المسافة. إنه كابوس مخيف.
- لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا حاسما في حل أزمة جزيرة ليلى بين المغرب وإسبانيا، لماذا لا تقوم أمريكا بنفس الدور الحاسم لإنهاء مشكلة الصحراء التي مر عليها أكثر من ربع قرن؟
- أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت وتقوم بدور حاسم في هذه القضية، إن واشنطن جندت واحدا من خيرة رجالات الدولة لديها في شخص جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق الذي يحظى باحترام كبير والذي لم يدخر جهدا خلال خمس سنوات الأخيرة من أجل إيجاد حل مقبول لهذا الملف. ولهذا أعتقد أن الولايات المتحدة قامت بدور فعال في هذا المجال، لأن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، أعني جيمس بيكر، هو مواطن أمريكي، فهو شخصية حظيت باحترام المجتمع الدولي لأنه أبان عن حنكة واتزان في تدبير عدة ملفات وقضايا، كما أنه وسيط نزيه يحظى باحترام الجميع. ولهذا يمكن القول إن أمريكا وفرت أحسن ما يمكن أن توفره من أجل حل هذه القضية المعقدة. إن الحكومة الأمريكية تساند كل حل عادل يقود إلى السلم في المنطقة.
- هل لك أن تطلعينا عن آخر تطورات ملف مشروع منطقة التبادل الحر بين المغرب وأمريكا؟
- لا يمكنني إلا أن أتفق تماما مع ما جاء في تصريحات العاهل المغربي والرئيس الأمريكي من أن التوقيع على اتفاقية التبادل الحر هو مظهر آخر لتعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين. ولحد الآن فالموضوع مطروح أمام الكونغريس، وهناك نقاش كبير وعميق حول إعطاء صلاحيات إبرام مثل هذه الاتفاقيات للسلطة التنفيذية أي للرئيس. ولقد أرسل السفير زيليك بتقرير مفصل عن آخر تطورات الموضوع إلى أعضاء الكنغريس، كما التقى أخيرا مع كاتب الدولة الطيب الفاسي الفهري حول هذا الموضوع.
كما أن الحكومتين المغربية والأمريكية عينتا خلال هذا الصيف عددا من الخبراء الذين سيبحثون مختلف أوجه تطبيق هذه الاتفاقية. ومن المنتظر أن تحل بالمغرب خلال شهر أكتوبر المقبل لجنة تقنية لمتابعة ومناقشة الموضوع مع الطرف المغربي.
- هل هناك تاريخ محدد للتوقيع على هذه الاتفاقية؟
- ليس هناك أي تاريخ محدد، لكن وكما جاء على لسان العاهل المغربي والرئيس بوش خلال لقائهما في البيت الأبيض لابد من تسريع وتيرة المفاوضات حتى يتم التوقيع على الاتفاقية في أقرب الآجال الممكنة. إنها اتفاقية مهمة ومن واجب البلدين أن يدرسا كل جوانبها بعناية ودقة متناهية قبل الشروع بالعمل بها.
إن مرحلة التحضير مهمة جدا وليس هناك لدى الحكومتين ما يؤشر على حدوث أي تأخير في التوصل في آجال معقولة إلى صيغة نهائية لهذه الاتفاقية.
- انطلاقا من تجربتك كخبيرة في مجال الاتصال المؤسساتي ومجال الاستثمار، ما هي النصيحة التي يمكن أن تقدميها للمغرب في ميدان جلب الاستثمارات؟
- أحسن وسيلة لجلب رؤوس الأموال هي تسهيل السبيل أمام رجال المال والأعمال من أجل تحقيق أكبر قسط أو نسبة من الأرباح.
هناك معادلة سهلة مفادها أن رؤوس الأموال تذهب إلى حيث تجد أرباحا مضمونة، فالأمر بسيط للغاية كما ترون. رؤوس الأموال لا تعترف بالحدود ولا الجنسيات، المستثمر لا يهمه إلا الربح. وهذا ما استخلصته من تجربتي في مجال المال والأعمال الذي اشتغلت به لمدة سبع سنوات.
وإذا استمر المغرب في تطبيق مسلسل الاصلاحات الاقتصادية والتنظيمية التي تجعله أكثر جاذبية بالنسبة للمستثمرين الذين لا يعترفون بالحدود التقليدية. وتأكد لهؤلاء المستثمرين إمكانية تحقيق أرباح فسيحجون إلى المغرب من أوربا وأمريكا وآسيا.
- ما هو تقييمكم للتغيرات التي عرفها المغرب منذ وصول جلالة الملك محمد السادس إلى الحكم؟
- لا أعتقد بأني في وضع يمكنني من إصدار أحكام حول ما يقع في المغرب، لكنني سأنقل لكم ما أسمعه باستمرار من لدن المغاربة أنفسهم.
المغاربة يقولون لي، لأنني أسألهم كلما سمحت لي الفرصة، إن المغرب يتمتع بهامش أكبر من الحرية وأنه يعيش على إيقاع إصلاحات عميقة وهناك كذلك انفتاح في مجال الإعلام وهناك تقدم ملموس في مجال حرية المرأة، وأبرز مؤشر على ذلك هو ترشيح ثلاثين في إطار لائحة وطنية وهذا أمر غير مسبوق. إنه انفتاح جاء بإرادة عليا.
ويقول لي المغاربة كذلك إن عددا من القطاعات يعرف تحولات جذرية. وليس من اختصاصي أو من حق الدولة التي أمثلها أن تملي على المغرب أو أية دولة أخرى ما يجب أن تقوم به أو ما لا تقوم به.
وما أسمعه من المغاربة كذلك أن أمامهم خيارات أكثر وأنهم يتمتعون بحرية أوسع. وبغض النظر عن كوننا من المغرب أو أمريكا أو اليابان فإن طموحاتنا ومتطلباتنا واحدة. كلنا نسعى إلى التمتع بحرية العقيدة والحق في التعلم وضمان حظوظ العيش الكريم لأبنائنا والعيش في أمان وسلام.
- المغرب مقبل على إجراء انتخابات تشريعية في 27 سبتمبر، كيف ترين هذا الاستحقاق وما هي انتظاراتك؟
- لست في موقع من تكون له انتظارات معينة، لكننا نعلم جميعا ما يمكن جنيه من أرباح إذا مرت هذه التجربة في ظروف ملائمة من النزاهة والشفافية، كما تعلمنا ذلك في تجربتنا الديمقراطية طيلة أكثر من قرنين.
فالمواطن له الحق أن يقترع أو لا يشارك في الاقتراع ولكنني أقول دائما إن الذين لا يشاركون في الانتخابات لا يحق لهم أن ينتقدوا المسؤولين والمنتخبين الذين تفرزهم صناديق الاقتراع. وأتمنى أن تشهد نسبة عالية من المشاركة كما أعرب عن ذلك العاهل المغربي في إحدى خطبه الأخيرة وأود التذكير بأن الولايات المتحدة الأمريكية ساهمت بغلاف مالي يناهز مليون دولار لمساعدة المغرب في التحضير لهذه الانتخابات، حيث تم تدريب أكثر من ألف مراقب مغربي لتتبع العمليات الانتخابية وتلقين تقنيات التصويت لمجموعات من النساء وكذا تنظيم ندوات لفائدة بعض المرشحات.
صحيفة الصباح