امير الدراجي&
&
ابكي يا وطن الفرات
طوفانك من دون نوح

&
مطاحن دائمة الدوران للغة والخطاب، ودورات مياه مزدحمة باصحاب القرارات والكلمات الانشائية والخيالات المعلبة، لا سياسة موجودة ولا ثقافة تواجد نفسها في الا في حضور الغائب ابدا، او غياب الحاضر دائما. . صحراء مقفرة من الانتظام الفكري والمنطق التدقيقي المتخصص، فهم للحريات همجي، وهمجية في تصور الحضارة وتوصيف الديمقراطية، محمولات هائلة لعقل المنتظر والمخلّص حيث المنتظرين يجلسون في مقاهي قاتلة للوقت، ويعيشون العمر كزمن للوقت الضائع، لانهم شلوا تماما تحضير انفسهم وانتاجها، لذا آثروا تهميشها بطوطمية الفهم المغلوط لفلسفة الامل، مجسدة بشخص المنتظر والمخلّص، لان بعض السحرة والدراويش المخادعين رسموا صورة الأمل بصيغة الياس ورسموا صيغة الجمال الكوني بشكل قبيح، بل وانتجو وصايا القبح في مناهجهم، كما لو انه نظام صلاة وكفارة وجزية إيمانية للتوصل الى الحقيقة الحاكمة لا الحقيقة التي نحن البشر نتحكم بها وننتجها، فالقدرية مكان التوليدية!! هذا الإرث العتيق يرتدي أزياء العصر والموضة، كمن يلبس القرد ربطة عنق وبدلات سهرة.
قواعد مشوهة لم تعاد صياغتها كي نتخلص من لغتنا اللامفكر بها على مستوى الخطاب الشعبي والحكومي، وهي سكتة تحمل كل إثقال الخطاب اليومي، وقدرنا ان لا يفهمنا المريض كيف نقوم بمزج العناصر الكيمياوية، لانه لا يعرف الا شربها، ولاننا نخشى عليه من طب مخادع يقدم له السم، آثرنا تعريفه بما لا يختص به او يعرفه، ذلك لاننا نخشى على انفسنا من جرعة السم ذاتها. اصر على رئاسة الثقافة على كل حكومات العالم، لانها مقود المشروع البشري، فيما تبقى كل الوزارات المهمة بعقائد البشر هي ادارة المصير المتبقي من الحيوان في كياننا البشري!!وزارت الحرب والداخلية والامن، اهم الوزارات ، لكنها أدارو طارئة لبقايا الحيوان، لان الهدف الاخير هو سلام البشر، وهذا يجعل وزارات توليد الالم والكوارث والعذاب هي وزارات تطفل محكومة بالبطالة ما ان يحل السلام، ومهما طالت مدتها او أمدها، فهي طارئة اضطرارية وليس هدفية او نهائية، انها مجرد ادارة سفينة في احتمال الغرق، وبالتالي يبقى الربان والامل هو النجاة والسلامة مما لم تعد لحاجتها شيء.
الصيام ليس هدف ذاته، والحرب ليس غرض ذاتها، والدواء، وكل المكربات، لان اضداد هذه الاستلابات هي الغرض، لذا لا بد من لغة تكرس الغرض ولا تكرس ما طرأ. ونحن نعيش الطوارئ لكنا ندير ظهرنا لها، ونغلق أسماعنا لنعيقها المشابه لأغنية ثور او رقصة دب او مزاح فيل. "يا ايها الذين لم يؤمنوا لا نقصد ما تقصدون ولم تقصدون ما نقصد!!" كلانا غريب عن بعض، وكلانا يصر على غربته وبراءته من الآخر، فالسكاكين وادوات الموت ارخص سعر، فاكثروا شرائها وهدموا ما يشبع ملذاتكم وامتاعكم، سنبقى غرباء في مخاصمتكم وغرباء في محبتكم، بحيث لم تستطيعوا تهجي كلمة مسمار لعقل الحائط، لانه لا يمانع ولم يقبل بآن!ولكم تتمنوا من اقناع شجرة على ان تصرخ حين تهدمون عمرها وحضورها لنيرانكم الدافئة، وسر ما يهزم امتاعكم وشهيتكم الشاذة هو ما يقدمه الضحية من صمت وشجاعة في عدم الإعلان عن خوفه او توسلاته تلك التي تحتاجها امتاعاتكم السادية، فلم تستثار اكثر، ولم تفجر داخلها ثورة كيمياوية تطمح لبكاء الضحية وخوفه وتوسلاته، فتكون دائرة الشهوة مكتملة. . ما أسوءكم وانتم تحملون كرامة الانتماء البشري؟ما اكثر الإهانة التي تقدمونها لانفسكم؟ وهل يحسد المهان من نفسه لنفسه؟ انه قصاص الحلول في اقصى التوازن والبهجة العليا، تلك التي لم تقدم نفسها للغريزة ولا للحيوان المنتصر، بل للانسان المهزوم ، وهزيمة ما كان إنسانيا هو الشرف الوحيد لنصر الحقيقة من زيف الحيوان الكامن في لعبة النصر والهزيمة السائدتين في عالم البشر.&
&يقال اجتمع مجلس الامن، وقرر!!!ويقال ان وزارة الخارجية العراقية، ومعها أطقم الخيال التحريري، تقوم بحماية مسبقه لخطاب البطولة، ذلك الذي لا يكلفها الا بضعة نعاج من العراقيين يموتون وفاءا للايمان بخطاب بطولة يخلقونها هم، فيحصدها فاسد وجبان تمرس في خبرة الغدر وعلم المكيدة، ولعمري ان الفرسان والأبطال، على الدوام مغفلون، يخدعهم طفل او جاهل، لانهم يفهمون العالم كنظام للإيثار والتضحية والبذل والجزل. مقالات هائلة تحتفل بوجود مادة لحشو الدوريات:تبدا من [ان]، وتنتهي بـ [ختاما] وتمر بشتى الوصايا والواعظات وعظا، والشارحات شرحا... الخ. والنتيجة شتم الشيطان وتملق الإله، لا محبته كما تقتضي أخلاقيات الحب,أما خارطة الشيطان والرحمان، فهي لم تمتلك أي مرجعية طبوغرافية واحدة، هناك مئات الخرائط للشياطين والأرباب، حتى لتجد الشيطان هنا بوصفه رحمانا هناك، والعكس. . أما نحن الجالسون كالأطفال في صالة هذا السيرك الذي ينتظر مسرحيات المهرجين، لا علم لنا بشيء، ولم نعرف الا كوننا بانتظار قبض ثمن التذكرة المقطوعة وهو بعض الرفاه، لكننا نفاجئ بمكيدة المخرج، وهو يطلب منا ان نكون المهرجين فيما هو يفرج على مسرحية من دون خدعة، مسرحية بأحداث فعلية حقة، نموت بها، نقتل بعضنا، نتذابح كعبيد روما، كي نمتعه، مع اننا لا نريد ان نكون ممثلين. هكذا ندفع تذكرة لموتنا وتحقير قيم العداوة والحب فينا، حيث يفرضوا علينا قتال من نحب، كما يفرضوا علينا حب من نكره. . وهلم جرا.
المفتشون جاؤوا، المفتشون غادروا، العراقيون يسقطون المخلّص والمنتظر على جحش من الشر، بل على حلم واثغاث احلام، على حركة الريح، وعلى قوة الغيب، الخلاص يصل لمحاكاة شجره او مراهنة على تسابق النمل او الصراصير، فالالم يوصل الناس للخرافة. . المفتشون وصلوا، وصل الفرج، صدام وافق، وصل الفرج، الاميركان سيضربوا وصل الفرج، الهنود الحمر سيقومون بثورة، وصل الفرج.. الفرات طاف، انها علامات الخلاص، النخيل لم يثمر هذا العام، ربما اليائس يفسرها بدنو النهاية، لان الهاوية اكثر ايلاما من الياس.. طائرة جديدة تضاهي حجارة من سجيل، قنبلة ذكية لها انتماء ايديولوجي، تفرز بين ألبعثي وغير ألبعثي فتصيب الأول وتسامح الثاني!!غريب هذه قنبلة رومانسية، ربما ستحصد نوبل بقصائدها.&الايرانيون يحضرون وكيل المهدي بعد خراب البصرة، الاتراك يجهزون سلام الانكشارية، والخليج تتربص بخيال الخوف ممن يكون قادما للسلطة، المعارضة قبل ان تدخل الحكومة وتستلم السلطة فاحت روائح فسادها الكبير، وخذلة اميركا باخلاقياتها، والطاغية يحصد من أخطائنا بطولاته ومبررات بقائه، شعبنا يبحث عن مذلة اقل خسارة، وكرماء كبار تحولوا لمتسولين، حتى وان تحركت عظام المتنبي داخل القبر لتصرخ،& واكبرياءاه!!الشعراء مصابون بالعقم، يبحثون في حروف العلة وليس في لحم الالم.. السياسيون يدخلون دورات اخلاقية في احترام الناس وتهذيب الكلام، واميركا تجري عليهم تعقيما كاملا من خطاب الشتائم والتهم المجانية. اسرائيل تعلمت اخيرا احد اهم الدروس ان لا تستقبل عملاء تافهين كعادتها!!لانه لا حل في ان ياتي العميل بثقافة وتربية متراكمة عنهم، فينقلب على ذاته بلحظة دولار.. التاريخ لم يدخل محو الامية، بقي مغولي وتتري وصحراوي على ضفاف دمعتين دونتهما النصوص المقدسة كسجل لأحزان الله. فلن يشربوا نص السلام من دجلة ولا اغتسلوا بنص الغضب الكريم من ماء الفرات. . فاستمروا عطشى ومتخسين، يخافون النظافة ويخافون الارتواء بنبيذ دجلة الدامع. العراق طائرة يتقاتل على خطفها مجموعات إرهابية، جارية في مزادات فحول&الاقاليم والدول المتربصة تعرض نفسها للبيع كي تمارس حبا مكرهة عليه. انها حبلى بطفلين ساحرين اسمهما: النفط& والعبقرية، وكل ما تخشاه ان يكون الإرهابيين& مثقفون، فيدركون الفرق الكبير بين العبقرية والنفط، فيختارون العبقرية ويهملون النفط، لانها تفضل ان يكون الإرهابيين جهلة يأخدون النفط ويتركون ام النفط وأبو التمر. . لان النفط وليد غير شرعي، وليد اسفار الصدفة اللامحسوبة والعبقرية إنتاج ألذات اللامتصادفة.
لست وزيرا لاقرر، لست قائدا لاتحدث بهذه الخلطات الصحفية العجيبة، حيث تقرا كاتب مبتدا، يتحدث تحت شعار حرية الراي، كما لو انه وزير خارجية او رئيس مخابرات او محقق، او نائب في برلمان، فهو يصيغ العراق حسب اهواءه، مقدما النصح لأميركا، او بعض الخبرة ، ثم يقرر مصير النفط والزيوت وسياسة القمح والتمن، فياتي بنهاية "الهبي اند" على طريقة الافلام الهندية، وقد حل مشكلة عمرها الاف الاعوام ببضعة دقائق. فبين صنع القرار ومراقبته ورصده وعرضه، مساحة سلطات الوردة على سلوك الدبابة!هذا ليس شعر انما حقيقة خرساء وطرشاء لا تسمع للأحلام ولا للاماني كخلفية محقة للتحليل والكلام المؤثر، لان صلاحية الكلمة هي فقط ما نملك من ادوات خصوصا وان قائلها:ليس جبران خليل جبران، ولا شكسبير، ولا كيسنجر ولا الام تيريزا& ولا غاندي او غوبلز. . الخ. فليتعود السحاب على جمع المطر كي يكون رعدا او زلزلة!!هناك ما يجب ان نعرفه قبل ان نكتب او نؤسلب افكارنا؟من نحن؟ما هو الاعلام؟كيف نتصرف بصلاحيات الكلمة؟ وهل ان مفرداتنا صحيحة وهي مدفوعة للمتلقين؟ هل انتجنا لغتنا ام تلقيناها بتلقيم مدرسي وحزبي وتعليمي او فقهي معتقدي ، وكل هؤلاء لم يبنوا المدينة الفاضلة، بل المدينة القاحلة ؟وهل نعرف ما نقصد ببعض المفردات التي لم تحسم أمرها عند المفكرين واللغويين والعلماء، من امثال مصطلحات ودلالات هائلة؟وهل عرفنا ما نريد؟هل تعرفنا على مافي انفسنا قبل ان نتوجه للاخر؟ هل قرانا التاريخ المستور في نوايانا وتصرفنا مع المدون كبيان نهائي لهذه النوايا دون ان نحترز لعدم كفاءة هذه القراءة؟ اطلاقا لم نعترف بشيء، اذ بقينا نخوض حروبا تنكرية، وخطابا تنكريا، نبحث عن كرنفال من خطا، ونمارس تبتلنا وطهارتنا على حفلة رجم الشيطان والخاطئ والمجدليّ!نقرا كلمات عن الاستقلال الوطني، والامة، والثورة، والتحرير، والفضيلة، والحقيقة المترددة كل لحظة كرغوة الصابون. كلها لا نعرفها، ولم نتفق عليها، لا لغويا ولا كدلالة جوهرية، ومعظم الخلاف هو في عدم الاتفاق على رموز الخلاف ذاتها. نحن مختلفون، ولكن لا نعرف ولم نتفق على قواعد المخالفة ولا على معناها الدلالي وحتى القاموسي. . افتراضات عدة للمتلقي بكونه متفقا معنا على كل كلمة موجودة. انا مجرم، خائن، هل لك ان تصف لي البراءة والوطنية ؟لا ادري ان كنت بوضع محايد وعادل كي تسن قانون اتهامي بطريقة اتقبلها انا لا انت!!وربما ستظلم الكلمة واللقب حين تطري علي كلمات المدح، لانه من الاهانة ان تمدحني خاطئا ومن الصحيح ان تشتمني بما يشعرني انت محق وعادل. .
&& وكآخر موجه في تاريخ الانحطاط نضع رحالنا على شواطئ مهملة متسخة بقيء النهر والبحر، وكل الآباء الذين شرعوا مصطلحاتنا الاولى في العصر الحديث لم ينجحوا في امكانية تعريفنا على الذات، بل زادوا من اجنبيتها وتغريبها، وخلقوا قواعد لقياساتها في مساحة الخطأ الاول ، بل كرسوا خلط الفلفل مع العسل، وزادوا من فوضى الظلام وقدموا المزيد منه في مناهج تنويرهم وخطأ ارتكبوا الانارة بالاسود على الباقي من البياض!!!، كما لو ان المشكلة لغوية وبلاغية، وليست مصائر بشر وذوات. اصبح كل شيء يستعيد ما تأجل في التاريخ من محاولات ظلامية، الى حد كان التاريخ اكثر تنورا من لاهوت التنوير والحداثة والثورة. . الخ. . كل شيء محاط بالظلام المقدس، ذلك بعد ان تكرست تربية وثقافة الجندرمة والمغول، كقوة تعزيل وجدانية لاي استنار، لان الحروب كعقيدة ثقافية تحتاج الى جهل& وظلام، وعقل متوتر مكثف ،& يحارب أي نزعة تامل استرخائية، وهكذا منع العقل من الوظيفة، وأصبح في حلة التحريم والاثم، وقد جاء الحداثة بكل هذا التراكم التربوي، عقلا& متصحرا، يبحث عن الزوايا الحادة، لكي يحافظ على محرومية التأمل، ويمنع أي جرعة نور، فهو شجاع العضلة وجبان العقل، كاي مغفل اختار قدر العضلات والغضب ولم يهزم بهذا القياس اكثر الحيوانات وضاعة، كما لو انه ينافس بغل وليس علم. فلقضية التبغيل المنهجي تاريخ منذ ابن الرشد، الى حداثة الواجبات الثورية المناطة بملحن او شاعر او فيلسوف يطلب منه نوبة حراسة، او بعض قتال وطني على جبهات الحرب، فالالوية لقياس الاحتراب والمعركة، ومثل هذه الاولويات والشرائع، هي حتما ستجعل الشقاوات وابناء الشوارع وقطاع الطرق ومحترفي القتل والجريمة اسبق من في المجتمع، واكثرهم أولوية وسلطة على الناس. . هكذا كان خطاب حداثتنا، وهكذا ان مقولات الخلط الجاهلة جعلت كاريزما وهيبة السلطة لأبناء الشوارع والزعران والشقاوات، لانه منطق انتخابي جماعي لا احد بمنأى عن اختياره، الى حد فقدنا حتى الأصول الاستلابية في سياق انتظام الوعي لتقبل منطق سلبي، أي نقبل السلب بمنطققه وليس بفوضى، بمعنى ان دولة الحرب والردع ممكنة كاقل مرارة من دولة الفوضى الدموية. فدولة الاستلاب تلك التي يحكمها الجنرالات والعسكر وليس العصابات المنفلتة التي جعلت للجريمة معتقدا فاضلا!!وقد بالغة بخوارجية الجريمة حتى اختراق منطق وقوانين العصابات، والمناهج اللاكريمة. اليس هذا غير مصادفة؟ انها مقولات اسست لشرعية هذا الانتاج العارم من ايديولوجيا الجريمة، وقد تدرجت من حرير مقولات التحرير الى بنية مجتمع خدره العنف حتى حكمه اباء العنف وبابوات الجريمة، الى حد تكوين نظاما مثاليا له. وبقيت مقولات التحرير في مساحة الضد والاعتراض، تستخدم اثم الولاء وتحريمه وحلال الاعتراض وتفاضله الطوطمي، أي مرة جديدة اعماء العقل بذات المقولات، وبالتالي فنون جديدة لخيال الجريمة والقمع، جولة جديدة من شرعيات القتل الغاشم ومحاكمات التحرير والخيانة باحجية المقدس لا عرف القانون العقلي ، هكذا تحيل المفردات والمقولات ناتجها الى تحضير جماعي ينتخب قوى الجريمة والظلام، وشرعية الاستخفاف بالكرامة وشتى دونيات تكوين المواطن العبد لا المواطن الحر.