سليمان يوسف يوسف
&
مع اقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب في سوريا المقرر أجراءها في مطلع العام القادم، وفي أجواء من التفاؤل بدأت مختلف القوى السياسية، والفعاليات الاجتماعية والثقافية على الساحة السورية، التحرك والتشاور فيما بينها حول طبيعة الانتخابات القادمة، ودراسة صيغ للتحالف في قوائم انتخابية تعطيهم الفرصة للفوز والوصول إلى البرلمان.
و على ضوء بعض المعطيات والمؤشرات الإيجابية التي تشير بأن انتخابات هذه الدورة ستكون أفضل من الدورات السابقة، يتساءل الشارع السوري؟ هل أن العهد الجديد في سوريا سيسير في العملية الديمقراطية إلى النهاية لضمان انتخابات أكثر حرية وديمقراطية،وبما يحقق عدالة سياسية واجتماعية أفضل في المجتمع، وإنهاء احتكار السياسة من قبل الحزب الحاكم و إطلاق حرية العمل السياسي لجميع القوى والفعاليات السياسية الوطنية. من خلال إصدار قوانين جديدة ترخص الأحزاب وتعدل في نظام الانتخابات البرلمانية، بما يتلاءم مع الروح الديمقراطية التي هي من سمات هذا العصر، وبما يعزز من مكانة وأهمية سوريا الحضارية و دورها في المعادلات السياسية الإقليمية والدولية.
لا شك أن الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية، كشاب طموح، طموحاته في التغيير والتطوير هي أكبر من طموحات الكثير من الأحزاب والقوى السياسية السورية وهو يدرك أن المطلوب هو أكثر مما تحقق بكثير ويؤكد على حاجة المجتمع السوري لمزيد من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والإدارية وإيجاد حل لعديد من المشكلات الاجتماعية، في مقدمتها مشكلة البطالة وتحسين مستوى الدخل للمواطن ومكافحة الفساد والبيروقراطية في مؤسسات الدولة. لكنه بالمقابل يدرك مدى وحجم مسؤولية قيادة دولة مثل سوريا في ظروف سياسية إقليمية ودولية صعبة. سوريا التي قال عنها الرئيس الأسبق(شكري القوتلي) للرئيس (جمال عبد الناصر ) عند توقيع ميثاق الوحدة مع مصر عام 1958م:((لا تنسى سيادة الرئيس جمال بأنك ستحكم سوريا بلد الثلاث ملايين سياسي))فرد عليه جمال مازحاً :))لماذا لم تقلها قبل التوقيع على الميثاق)) علماً أن سكان سوريا اليوم يقترب من العشرين مليون نسمة.
&عبر سنوات طويلة من الممارسة في مناخ ساده شيء من الجمود السياسي والركود فكري& تر سخت الكثير من التقاليد في السياسية الداخلية السورية، حتى باتت هذه التقاليد بمثابة ( طقوس سياسية ) لدى البعض من الجيل السياسي القديم مما يجدون صعوبة في التخلي عنها و تغييرها، لهذا& أصبحت عائقاً أمام عملية التطوير والتحديث. فلم يعد بالأمر السهل تغيير هذه التقاليد السياسية و تبديلها دفعة واحدة وهنا يأتي دور حكمة القيادة في تأمين التوازن في عملية التغيير والتحول بما يكفل التحديث و يضمن الاستقرار في المجتمع و الحفاظ على الثوابت الوطنية. إذ لا يمكن تطوير المجتمعات بمجرد سن القوانين وتحديث الدساتير، فالشعوب تخضع لسلطة العادات والتقاليد، قبل أن تتمثل لحكم القوانين والمؤسسات. يقول (غوستاف لوبون): (( الشعوب تبقى محكومة بخصائصها وطباعها لعهود طويلة. وكل المؤسسات التي لم تتلبس كلياً هذه الطباع لا تمثل إلا رداءاً مستعاراً،وقناعاً مؤقتاً)). فهذه تركيا بعد أكثر من ثمانية قرون من قوانين الدولة العلمانية التي وضعها كمال أتاتورك نجد الشعب التركي عاد إلى أخلاقه العثمانية وثقافته الإسلامية رافضاً مؤسسات وقوانين الدولة العلمانية،وانتخب حزب(العدالة والتنمية ) ذات التوجهات الإسلامية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
&لهذا تتميز الانتخابات في دول العالم الثالث المتأخر بعدم اهتمام المواطنين بها، و بعزوف الكثير منهم عن النشاط السياسي والانتخابي وعدم الإدلاء بأصواتهم بسبب غياب الممارسة الديمقراطية الصحيحة، و لقناعتهم بعدم فعالية وأهمية هذه الانتخابات في التأثير على التوجهات السياسية والاقتصادية لحكوماتهم. أما بالنسبة لمن ينخرط في الأنشطة السياسية واللعبة الانتخابية، لا يعود لقناعتهم بأهمية مشاركتهم، بل لكونهم واقعون تحت تأثير الضغط الاجتماعي أو النفسي للولاءات الاجتماعية البدائية التي تثيرها الحملات الدعائية للانتخابات أو تحت ضغط السلطات ذاتها. خاصة في مجتمعاتنا الشرقية، حيث مازالت بنية هذه المجتمعات تخترقها الانقسامات العمودية، و هناك عقدة أو مشكلة تعدد الولاءات والانتماءات البدائية مثل (العشائرية المذهبية الجيهوية الطائفية الدينية.. ) جميعها ولاءات ما قبل الدولة ودون الوطن.
&إذا نظرنا إلى التجارب الماضية للانتخابات البرلمانية في سوريا، خاصة الدورة الأخيرة، نجدها لا تشجع كثيراً القوى السياسية التي هي خارج الإتلاف الحاكم(الجبهة الوطنية التقدمية) على المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة لأسباب عديدة، في مقدمتها وجود قوائم الجبهة والمرفقة بقوائم الظل التي تضم مستقلين يختارهم حزب البعث الحاكم الذي خصص لنفسه غالبية المقاعد البرلمانية، هذه القوائم فرضت بشكل أو أخر على الناخب السوري، ورفض غيرها من قوائم المستقلين في بعض المحفظات والدوائر الانتخابية، لقطع الطريق أمام مرشحي الأحزاب خارج (الجبهة الوطنية التقدمية)،وأحزاب الأقليات.
لكن مع استمرار نهج الإصلاح والانفتاح في سوريا بات الكل اليوم مقتنعاً - وإن بقي من يشكك- بأن انتخابات هذه الدورة ستكون على خلاف الدورات السابقة، لهذا فهي تأتي لتؤكد وتختبر سقف الحريات السياسية وتحدد القوى لتي ترغب الحكومة في إشراكها في العملية السياسية.ولهذه الانتخابات أهميتها الخاصة كونها تأتي في ظروف سياسية (محلية وإقليمية ودولية ) بالغة الأهمية.
محلياً:
هي الأولى في العهد الجديد الذي بدأ مع تولي الدكتور بشار الأسد رئاسة الجمهورية قبل حوالي السنتين،الذي حمل لواء الإصلاح والانفتاح و بادر إلى أطلاق مسيرة التحديث والتطوير في سوريا، حيث أقدم على العديد من الخطوات الإيجابية باتجاه توسيع هامش الحريات السياسية، وأكد على ضرورة احترام كل الآراء، ووعد بتحقيق المزيد من الحياة الديمقراطية في البلاد وتفعيل الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية.هذه الإصلاحات دفعت معظم القوى السياسية والفعاليات الثقافية في المجتمع السوري، بما فيها بعض فصائل المعارضة السياسية في الداخل السوري التي كانت تقاطع الانتخابات في المراحل السابقة، للتحرك وظهور على المسرح السياسي .
عربياً وإقليمياً:
&انحسار وتراجع المد القومي العربي وتنامي المد الأصولي الإسلامي في المنطقة العربية والإسلامية.وتعثر عملية السلام في المنطقة بسبب استمرار التعنت الإسرائيلي ورفضه للحق الفلسطيني في أقامة دولته على أرضه(فلسطين) و الانسحاب من باقي الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السورية.مما دفع إلى تصعيد الانتفاضة الفلسطينية واستمرارها في وجه الاحتلال الإسرائيلي والتي تتطلب المزيد من الدعم المادي والسياسي العربي.ثم تأتي الأزمة العراقية وتداعياتها الخطيرة على المنطقة و دول الجوار،مع استمرار التهديد الأمريكي بضرب العراق.
دولياً:
هبوب رياح التغير على العديد من دول العالم شرقاً وغرباً،وانطلاق قطار العولمة في عالم يعج بالصراعات الدولية والإقليمية واشتداد التنافس بين القوى العظمى على منا طق النفوذ في العالم، خاصة على هذه المنطقة الحيوية من العالم.
&كل هذا يحتم على سوريا العودة إلى ألذات والعمل على تقوية جبهتها الداخلية وتعزيز وحدتها الوطنية، بمزيد من التلاحم الوطني من خلال الالتفاف حول الحكم والوطن في هذه الظروف العصيبة و إشراك جميع القوى السياسية والفعاليات الثقافية والاقتصادية في المجتمع السوري وتمثيل هذه الفعاليات تمثيلاً صحيحاً، وبما يضمن انتخاب برلمان وتشكيل حكومة قادرين على اتخاذ قرارات وخطوات تكون بمستوى التحديات التي تواجهها سوريا.
القوميات وهاجس الانتخابات:
&لا نكشف سراً عندما نقول: أن المجتمع السوري يتميز بتنوعه القومي والثقافي، فهو يضم إلى جانب القومية العربية العديد من القوميات الأخرى والتي تشكل بمجموعها غنى ثقافي وحضاري لسوريا، فهناك الآشوريين بطوائفهم(الكلدان والسريان)،وهناك الأكراد والأرمن والشراكس وغيرهم .... أن حالة الاستقرار والتعايش السلمي بين مختلف هذه الفئات والقوميات التي نعم وينعم بها المجتمع السوري منذ عهد الاستقلال، تؤكد على مدى الشعور بالمسؤولية الوطنية وعلى مستوى الوعي الوطني المتقدم لدى جميع أبناء هذا المجتمع. من هنا باتت الحاجة اليوم إلى توسيع هامش الحريات السياسية والثقافية ليشمل حقوق الأقليات في تشكيل أحزابها وإقامة مؤسساتها الثقافية وإصدار قوانين وتشريعات دستورية تضمن تحقيق تكافئ الفرص في الترشيح والتصويت والاستفادة من وسائل الإعلام الوطنية في الدعاية الانتخابية. وتمثيل جميع فئات وقوميات المجتمع السوري تمثيلاً صريحاً.وتعديل نظام الانتخابات بحيث يضمن وصول مرشحي الأقليات إلى البرلمان.
&أن الاعتراف بالأقليات واحتضانها من قبل الأغلبية ومنحها حقوقها الثقافية وتمثيلها في مؤسسات ومجالس الدولة وحل مشاكلها على قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات في الوطن الواحد، يدفعها للانفتاح على الأغلبية والتقرب منها والتفاعل الإيجابي في المجتمع. وينمي الشعور الوطني لديها ويجعلها أكثر استقراراً واطمئناناً ويحصنها من الانكماش على ألذات.
لا شك إنه لا يوجد في سوريا قوانين أو مواد في الدستور تمنع أو تحرم أي مواطن أو فئة اجتماعية أو دينية أو قومية من المشاركة في الانتخابات، فهذا الحق هو لكل المواطنين السوريين دون استثناء. لكن لا ضمان لتمثيل الأقليات في أي مجتمع وبأ رقى الدول الديمقراطية إلا من خلال الضمانات القانونية والتشريعية والدستورية. لهذا تعيش الأقليات في سوريا هاجس الخوف من عدم فوز مرشحيها وبالتالي من غياب ممثليها عن مجلس الشعب، بسبب غياب مثل هذه القوانين والتشريعات الدستورية.أن المجتمع السوري أحوج ما يكون اليوم إلى انتخابات ديمقراطية.الديمقراطية التي تؤمن بأن الاختلاف الفكري والتباين السياسي والثقافي والتنافس الاقتصادي على أساس وطني ضرورة لتقدم وازدهار المجتمع وتحركه نحوى الأمام.&
&
الكاتب من سوريا، مهتم بمسألة الأقليات