نجاح يوسف
&
مما لا ريب فيه, إن الاستراتيجية الأمريكية حيال دول العالم ومنطقة الشرق الأوسط, ومنها العراق, كانت وما تزال تهدف بالمقام الأول إلى حماية المصالح الأمريكية, وبكل الوسائل القانونية منها وغير القانونية.. وتعزيز هذه المصالح يساعدها على الهيمنة السياسية والإقتصادية من خلال السيطرة على منابع النفط, مما يجرد منافسيها الأوربيون واليابانيون من سلاح المزاحمة الإقتصادية لها وبالتالي تتفادى التراجع الذي قد يحصل في الإقتصاد الأمريكي, أو على الأقل التخفيف من وطأته..
ومنذ أحداث 11 أيلول الإرهابية, حدد الرئيس بوش موقفه من العراق, والذي عززه عمليا بالضغط على الأمم المتحدة لاتخاذ موقف متشدد من بغداد وإصدار قرار دولي جديد يفرض على العراق الإذعان له وتطبيقه, وحصل بوش على ما أراد.. وفي هذا السياق تم الإستغناء عن سياسة الإحتواء التي انتهجها الرئيس السابق كلينتون, واستبدالها بسياسة المواجهة والتصعيد, التي تستهدف بالنهاية إلى تغيير النظام السياسي في العراق..
وباتت هذه السياسة أكثر وضوحا في..
أولا: تصعيد الضربات العسكرية الجوية الشبه يومية على مواقع الدفاعات العراقية في الشمال والجنوب و كما استهدفت ولأول مرة, حسب علمي, المواقع العسكرية في غرب العراق كما حدث في معسكر الرطبة والذي شاركت بها& أكثر من مائة طائرة حربية أمريكية وبريطانية من أجل شل أو إضعاف فاعلية الدفاعات الجوية, لكي تستطيع القوات الأمريكية القادمة من الغرب, كما يشاع, التوغل داخل الأراضي العراقية دون أية مقاومة جدية..
ثانيا: التحضيرات والتحركات العسكرية الأمريكية والبريطانية, والتي بدأت بعد أحداث أيلول مباشرة, حيث وسعت (قاعدة العديد) في دبي, وارسلت أعداد كبيرة من القوات والمعدات العسكرية بسرية تامة إلى العديد من المناطق المحيطة بالعراق, والتي يقدرها بعض المحللين العسكريين باكثر من 150 ألف جندي .. وفي الندوة التي أقامها دعاة السلام في اميركا قبل شهرين, حذر جون ريتر رئيس مفتشي أسلحة الدمار الشامل السابق, وهو الضابط الكبير في القوات البحرية الأمريكية, من ان الوقت ليس في صالح حركات السلام, لأن الإستعدادات العسكرية الأمريكية تسير بخطى حثيثة وسريعة, ومن الصعب جدا التراجع عن الأهداف المرسومة لها , في ظل الضجيج الإعلامي المناهض للإرهاب, وطبول الحرب التي تفنن صقور بوش بالعزف عليها.. فإذن لابد لهذه القوات من القيام بعمل عسكري كبير قبل رجوع (قسم منها) إلى ثكناتها..(موقع زيتz-net& )
ثالثا: رغم ما تردد على ألسنة أقطاب النظام العراقي, من أن العراق سوف (لن يسمح أبدا) بعودة المفتشين الدوليين إلى العراق, إلا ان النظام العراقي, الذي يهمه فقط البقاء على دست الحكم , قدم التنازل تلو الآخر وأذعن للشروط التعجيزية التي تضمنها القرار (المصيدة) 1441 !! ويبدو جليا أن دائرة مناورات النظام العراقي أصبحت ضيقة جدا, ورهانه على تقديم التنازلات بشرط بقائه في السلطة, قد أصبحت هي الأخرى, من عداد أمنيات الماضي..فسياسة إدارة بوش المتشددة تجاه العراق, أصبحت أكثر وضوحا بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير, وموافقة النظام العراقي عليه وبدون شروط!! فلم يتوقف إرسال التعزيزات العسكرية والبوارج وحاملات الطائرات إلى منطقة الخليج والمناطق المحيطة بالعراق, ولم يتوقف القصف الجوي للدفاعات العراقية, كما لم تتوقف التهديدات الأمريكية والبريطانية بشن هجوم على العراق فيما لو أخل بالتزاماته وتعهداته..
رابعا: الدول العربية, بدات تتأقلم مع الوضع الجديد وتحاول لملمة ذيول خيبة قراراتها واتفاقاتها, (والاتفاق) على ضرورة تطبيق العراق للقرارات الدولية لكي يجنب العراق (وشعبه), مخاطر الحرب التي سوف تلقي بظلالها الثقيلة , إن شنت هذه الحرب, على المنطقة بأسرها , بحيث (تفتح أبواب الجحيم), كما صرح بذلك عمرو موسى, وكأن الشعب العراقي وطيلة ثلاثين عاما من القهر والعسف والحروب والجوع والمرض , إلى جانب صمت العرب والعالم, كان يعيش في (جنة) النظام الدكتاتوري !! فالجميع أدرك الآن, أن المراهنة على بقاء النظام في ظل الظروف الحالية , هو مقامرة لا يمكن حساب خسائرها , خاصة وأوراق اللعب أصبحت مكشوفة..
خامسا: أما على صعيد المعارضة العراقية, وخاصة تلك المنضوية تحت مظلة المشروع الأمريكي, فعلى الرغم من الاجتماعات الكثيرة التي عقدتها مع الإدارة الأمريكية , فلم تستطع تجاوز الدور المرسوم لها, وهو تنشيط دورها الإعلامي من خلال تقديم المنح المالية لها, وبدورها تقدم الدراسات والبحوث والإشتراك في مؤتمرات تخصصية (دستورية, تنموية,نفطية, صحية ..الخ).. وعندما تواجه مهمة عقد مؤتمرها , والذي من المفترض ان يناقش ويقر ميثاق عمل وطني, من أجل تعبئة وتحشيد طاقات الشعب العراقي , والمشاركة الفعالة في التغيير الديمقراطي المرتقب, نجدها تتلكأ, لا بل تبرز الخلافات بين فصائلها , وكأن العملية مبرمجة ومرسوم لها ان تنتهي بهذا الشكل!! والهدف من ذلك هو تقزيم دورها, بحيث تبقى تابعة فقط للمخطط المرسوم, والذي ستنفذه الإدارة الأمريكية وحدها!!والسبب في ذلك برأيي,& ان الإدارة الأمريكية تعي جيدا, من هي القوى الفاعلة والتي لها تواجد وتأثير على الأوضاع السياسية في داخل العراق, لو حدث التغيير, إذ أن معظم القوى المنضوية تحت خيمة المؤتمر الوطني العراقي ليس لها تواجد فعلي على الساحة الداخلية , عدا الحزبين الكرديين والمجلس الإسلامي الأعلى.. لذلك نجد إهتمام الإدارة الأمريكية بتقريب وجهات نظر الحزبين الكرديين, الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني باتجاه المصالحة والتي قطعت أشواطا جيدة, له ما يبرره, إذ ان& له أهمية كبيرة في دعم وإسناد أي تحرك عسكري قد تقوم به الولايات المتحدة ضد النظام العراقي..&
ومهما فعل النظام العراقي, ومهما قدم من تنازلات مذلة للإدارة الأمريكية , فإن شبح الحرب سيبقى مخيما فوق العراق ..إذ أن اهداف هذه الحرب, هي أكبر بكثير من إسقاط النظام العراقي,..أنها وباختصار السيطرة الكاملة على منابع النفط ورسم مستقبل المنطقة , والهيمنة على مقدرات شعوبها , وبما يخدم الأهداف الستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية .. ومهما تكن الإفتراضات المطروحة, لا تزال مخاوف إبرام صفقة سرية بين الإدارة الأمريكية والنظام العراقي واردة , إن حققت للأمريكان المكاسب والأهداف التي من أجلها تخطط للضربة العسكرية..إذ أن كل شيء وارد في زمن الإفتراضات!!!
صحيح ان الحرب الباردة قد انتهت بتفكك وسقوط الاتحاد السوفيتي, ولكن& الصراع بين الدول الرأسمالية حول مراكز الطاقة والتبادل والتنافس التجاري والصناعي ستحتل الصدارة في المستقبل المنظور ..أزاء ذلك لا يمكننا إلا ان نتوقع معارضة شديدة من معظم الدول المتطورة صناعيا, وخاصة ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين واليابان لدور القطب الواحد الذي تلعبه الولايات المتحدة.. وقد لا يشهد الكهول مثلي زمن بروز أقطاب اخرى منافسة للقطب (الأوحد), ولكنه سيأتي ذلك الزمان لا محالة ..فحركة التاريخ ستبقى, وسيستمر صراع المصالح والأضداد..!! فالحرب العالمية الأولى إندلعت بين الدول الرأسمالية بسبب تعارض مصالحها والتنافس والجشع والسيطرة على الدول الضعيفة, ولم تكن هناك بعد, حرب باردة ولا ساخنة!!
&فحلم العراقيين في عراق ديمقراطي فيدرالي موحد, لن يأتي ورأسنا مستريحة على وسادة مشروع الحرب الأمريكي. فأجمل الأحلام تتحقق عندما يسود السلام، سلام الشعوب المضطهدة!!&&
&&&&&&&