د. شاكر النابلسي
&
منذ نشبت حرب الخليج الثالثة أمطرني كثير من القراء باسئلة مختلفة ومتعددة، حول حرب الخليج الثالثة. وقد آثرت أن أجمعها، واجيب عليها دفعة واحدة. أما لماذا نصفُ هذه الأجوبة على اسئلة القراء بالسواد، فلأنها ضد "التيار العربي" الجارف، الذي ما زال يعيش بنفس عقلية الستينات وكوارثها، ولأنها تقض المضاجع الدافئة، ولأنها ضد رغبات ما يطلبه القارئون، ولأنها لا تقول ما يُرضي غرور سواد الناس، ولأنها لن تشفي غليل أحد من السائلين، ولا تدعهم ينامون في العسل والخدر اللذيذ، كما اعتادوا في حرب 1956، وفي حرب 1967 ، عندما وعدتهم وسائل الإعلام العربية على أنغام هدير صوت أحمد سعيد وفرقة "صوت العرب" الضاربة بالعشاء في تل أبيب، فباتوا بدون عشاء ولا غذاء، لا في تل أبيب، ولا في أي عاصمة عربية أخرى!
فهل التاريخ يعيد نفسه؟ أرجو ألا يُعيد هذا التاريخ اللعين نفسه هذه المرة.
&
***
&
والآن، إلى اسئلة القراء البيضاء، وأجوبتي السوداء!
س: هل ستستطيع قوات الحلفاء أن تقضي على صدام حسين؟
ج: إن لم تقض قوات الحلفاء على صدام، فهذا يعني أن يحوّل صدام حسين الخليج كله إلى عراق ثانية.. هل تفهم جيداً ماذا يعني "عراق ثانية". خاصة بعد أن "غدر" به "الأخوة" العرب، واجتمعوا على اسقاطه سراً وجهراً!
&
س: لماذا يقف معظم الإعلام الخليجي على وجه الخصوص هذا الموقف المؤيد ضمناً لحكم صدام حسين، وما هي مصلحته في ذلك؟
ج: سؤال جميل. موقف جزء كبير من الإعلام الخليجي إلى جانب صدام حسين موقف ذكي للغاية. فإذا هُزم صدام حسين فلهم أجر أنهم دافعوا اعلامياً عن شعب العراق، وليس عن نظام صدام كما سيقولون فيما بعد. وان انتصر صدام فلهم أجران: أجر دفاعهم عن نظام صدام، وأجر دفاعهم عن شعب العراق. أليست هذه منتهى الذكاء والحصافة؟!
&
س: لماذا يمتدح الإعلام العربي المقاومة العراقية؟
ج: غريب فعلاً! علماً أن الإعلام العربي يدرك تماماً بأن هذه المقاومة ليست مقاومة الشعب العراقي للدفاع عن الوطن، وانما هي مقاومة أجهزة صدام العسكرية المختلفة للدفاع عن نظام صدام. لقد حوّل صدام حسين من خلال هذه المليشيات الشعب العراقي كله إلى ميليشيات لحماية النظام، وليس لحماية الوطن!
&
س: ما تفسيركم لاصرار صدام على القتال حتى آخر قطرة من الشعب العراقي؟
ج: ألم يخاطر كل من هتلر وموسوليني بحياة الشعبين الألماني والايطالي لآخر قطر من دم هذين الشعبين، ثمناً لبقائهما في السلطة؟
وألم يفعل ذلك ميلوسفيتش في كوسوفو؟
هذه هي الديكتاتورية: إما أنا، وإما الشعب وأنا!
أليس صدام هو العراق والعراق هو صدام. وكذلك باقي الحال في معظم العالم العربي ؟
&
س: كيف ترى العراق في ظل احتلال الحلفاء له؟
ج: ليس أسوأ مما كان في عهد صدام!
&
س: هل أنت مع الحلفاء أم ضدهم؟
ج: أنا مع الشيطان، إن كان سيخلصني من أي ديكتاتور!
ألم يتحالف الغرب الرأسمالي مع الشرق الشيوعي من أجل الاطاحة بهتلر وموسوليني في الحرب العالمية الثانية. وعندما سُئل تشرشل عن هذا التحالف قال:
أنا أتحالف مع الشيطان من أجل أن أهزم عدوي.
وها هي سوريا تتحالف مع صدام (شيطان سوريا السابق) من أجل أن تهزم عدوتها أمريكا!
&
س: لماذا لا ندع صدام لشعب العراق، ليتخلص منه؟
ج: صدام حكم ثلاثة عقود ويزيد حتى الآن. وهو بنى العراق سياسياً لكي يحكمها إلى الأبد من خلال أبنائه وأحفاده والمنظمات العسكرية التي أنشأها لحماية نظامه. فماذا يستطيع شعب أن يفعل في حاكم يختبئ في مخابئ مُصفَّحة تحت الأرض، بعمق مائة متر، لا تقدر عليها القنابل الذرية أو النووية التي ضُربت بها اليابان في العام 1945. وإذا كانت أقوى قوى الأرض تجتمع الآن على خلعه وانتزاعه، وهي تعاني مما تعاني منه، فما بالك بالشعب الأعزل من السلاح، والذي ألقى صدام في قلبه الرعب حتى الموت؟!
&
س: ما هو تفسيرك لاسقاط المزارع العراقي "منقاش" لطائرة الأباشي الأمريكية ببندقية صيد؟
ج: لو كانت التكنولوجيا العسكرية تصنع طائرات لكي يتم اسقاطها ببندقيات صيد من أيام العثمانيين، لقرأنا على العلم والتكنولوجيا السلام، وألغينا العقل، ولعدنا إلى الغزو على ظهور الخيل، وبالسيوف اللوامع!
&
س: ما هو تفسيرك لهتاف العراقيين "بالروح بالدم نفديك يا صدام" وهم يتخاطفون الأطعمة الكويتية المرسلة لهم في صفوان وأم قصر والبصرة؟
ج: لقد طبع صدام على قلوب وعقول& الشعب العراقي الخوف حتى الموت. فما هو الأكثر مرارة: الموت، أم الهتاف لصدام؟
&
س: ما هو تفسيرك لتأييد الأكراد المعلن لحملة "حرية العراق" وتأييد الشيعة المبطن لها ومعارضة السُنَّة لها، وكلهم يجمعهم وطن واحد هو العراق؟
ج: من المعروف أن النظام العراقي لم يستطع تجنيد الأكراد في ميليشيات صدام حسين (فدائيو صدام، الأشبال، كتائب القدس، جيش الشباب، ميلشيات البعث) كما رفض الشيعة الانخراط في هذه المليشيات. وهم الذين ذاقوا مع الأكراد مرَّ العذاب من نظام صدام. وهذه المليشيات هي التي يطلق عليها نظام صدام (المقاومة العراقية) وللأسف فقد رددت الفضائيات العربية من وراء إعلام نظام صدام هذه الأسطوانة.
&
س: ما هو تفسيرك لاقحام سوريا لنفسها في الحرب؟
ج: للدفاع عن مستقبل حزب البعث الحاكم في سوريا. وهو ما يذكرنا باستنهاض همة الاتحاد السوفياتي للدفاع عن الأحزاب الشيوعية الأخرى في أنحاء متفرقة من العالم. فمهما بلغت النـزاعات بين أجنحة الحزب الواحد المتصارع، فإن جروح هذا الصراع تلتئم عندما يتهدد الخطر كيان الحزب وقواعده الأساسية، ولا يصبح الدم الواحد عندها ماء، كما كان في السابق!
&
س: ما هو تفسيرك لموقف الأردن من الحرب؟
ج: لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين، رغم أنف الأصوليين!
&
س: لماذا لا تتدخل جيوش الدول العربية لانقاذ العراق؟
ج: فاقد الشيء لا يعطيه!
&
س: هل سينتصر صدام أن سيهزم؟
ج: سينتصر الحق، وسيهزم الباطل !
&
س: هل تعتقد أن الله مع صدام؟
ج: الله مع الحق. ألم تسمع قول ابن تيمية: "إن الله سينصر الكفار إن اقاموا العدل، وسيهزم المسلمين إن أقاموا الظلم".
&
س: ما رأيك بما قاله الشيخ جمال البنا من أن حملة "حرية العراق" التي يقوم بها الحلفاء جهاد "فرض عين"؟
ج: ما رأيك بما قاله الشيخ يوسف القرضاوي بأن الجهاد ضد الغزو الأمريكي على العراق جهاد و "فرض عين"؟
&
س: ما رأيك بما قاله الشيخ سيّد طنطاوي شيخ الأزهر في لندن بعد مقابلة توني بلير، بأن حملة "حرية العراق" ليست حملة صليبية؟
ج: الشيخ سيّد طنطاوي شيخ "عقل الإسلام"، وليس شعاراته التي زيفها الأصوليون.
&
س: ما تعليقك على أن الإعلام الكويتي يغرّد خارج السرب الإعلامي الخليجي؟
ج: يبدو أن دول الخليج لن تفهم حقيقة صدام حسين إلا إذا غزاها صدام حسين، وفعل فيها ما فعل في الكويت. وساعتها فقط سوف يُغرّد كل الإعلام الخليجي معاً كسرب واحد. فالذي ذاق ضرب العُصي ليس كمن عدّها فقط!
&
س: هل سترمي أمريكا وحلفاؤها العراق بقنبلة نووية؟
ج: من المحتمل أن يتم ذلك، لأن صدام يختبيء بمخابيء تحت الأرض. وقد وصف المهندس الألماني كارل إيزر Esser الذي بنى هذه المخابيء، وكان يعمل في شركة المقاولات الألمانية Boswau & Knauer& التي نفذّت بناء هذه المخابيء في العام 1984 بتكلفة 60 مليون دولار، وبمساحة 19400 قدم، وعلى عمق 650 قدم، وبأسقف يصل سمكها إلى ستة أقدام ونصف، وتتحمل درجة حرارة تصل إلى 570 درجة فهرنايت، بأن هذه المخابيء بُنيت بحيث لا تتأثر حتى بالقنابل النووية التي ضرب بها الأمريكيون اليابان في العام 1945!
&














التعليقات