عبد الرحمن الناصري
&
&

المزارع الفرنسي جوزيه بوفيه، المحكوم عليه بالسجن، كان قد قاد مجموعة من المزارعين لمهاجمة وتدمير بعض مطاعم الأكل السريع الأمريكية بحجة أن لحمها غير صحي وهذه المطاعم تنافس الجبن واللحوم الفرنسية. كما هاجم وجماعته مزارع كانت تستخدم أغذية كيميائية وقاموا بالعبث فيها. وبعبارة، فإنه سمح لنفسه بأن يكون صاحب الدعوى والمدعي العام والحاكم والمنفذ في مسألة ليست موضع اتفاق، وهي على أية حال لا تعالج بالاعتداء والعنف ضد ممتلكات الآخرين. والمزارعون الفرنسيون، وبصرف النظر عن بعض مطالبهم العادلة، هم في الوقت نفسه لا يحترمون أحيانا قرارات الاتحاد الأوروبي مع تنعمهم ببركاته الأخرى. إنهم في هذه الازدواجية يتخذون موقف الصيادين ذوي اللوبي الانتخابي القوي [كثيرون من المزارعين صيادون أيضا]، الذين يحتجون كل عام على قرارات الاتحاد الأوروبي بتحريم صيد الطيور المهاجرة في مواسم بعينها، ويقومون بغلق الطرق وتعطيل السير لفرض مشيئتهم بالقوة.
&والسؤال هو: هل يجب السماح لبوفيه وأمثاله بانتهاك القانون والأمن لمجرد كونهم مزارعين ولهم صوت قوي في الشارع اليساري؟ وماذا يحدث لو برر كل منتهك للقانون وممارس للعنف بمثال التسامح القانوني مع أمثال بوفيه؟
&ولابد لنا أيضا من ذكر أن الرجل، العاشق للضوء الإعلامي، كان من النشيطين في حملات اليسار الفرنسي و الأوروبي ضد الحرب على صدام، وأن هؤلاء قد التزموا ما يقارب الصمت [مع وجوب ذكر أنه نشرت وبثت أحيانا أخبار وتقارير صحفية جيدة عن عراق ما بعد صدام] إزاء كشف المقابر الجماعية والسجون الخفية في العراق، ومدى النهب الوحشي الذي مارسه صدام وزمرته من الفاشيين لثروات شعبنا ووطننا. ولم أقرأ لبوفيه أو أسمع أية إدانة لتلك الجرائم.
&إن الملاحظ عن الوضعين السياسي والنقابي في فرنسا سيادة أساليب العنف في ممارسات اليسار وأقصى اليسار في العملين السياسي والنقابي. وما شهدناه مؤخرا من إضرابات ومظاهرات ضد مشروع قانون لإصلاح نظام التقاعد جاء المثل الأخير على الظاهرة. فقد نزلت نقابات غير معنية أصلا بمشروع القانون، كنقابات السكك وقطارات تحت الأرض وسيارات نقل الركاب، وكادت إضرابات المعلمين تهدد امتحانات البكالوريا لهذا العام. وعندما ذهب وزير التربية للحوار مع تجمع للمعلمين المضربين رشقوه بالطماطم وغيره أمام تلاميذهم كدرس في الأدب ولغة الحوار الهادئ!
&وباختصار، فإن ضجة وسائل الإعلام المرئية، التي يعمل فيها يساريون كثيرون، وضجة أحزاب اليسار، حول اعتقال بوفيه تنفيذا لقرار المحكمة المدنية المستقلة لا تصبان في خدمة احترام سيادة القانون، بل هما مدفوعتان باعتبارات وحسابات سياسية بحتة.