روما -&تسعى كافة الاندية الرياضية المحترفة الى زيادة ايراداتها المالية بشتى السبل كالرعاية المالية او بيع السلع التجارية التي تحمل شعار النادي او بناء المراكز الرياضية- التجارية كما هو الحال بالنسبة للاندية الكبيرة مثل ريال مدريد وبرشلونة او يوفنتوس الذي تعاقد اخيرا مع بلدية مدينة تورينو واشترى منها حقوق ادارة ملعب "ديللي آلبي" لمدة 99 عاما مقابل 25 مليون ايورو.
وهو يخطط لتهديم الملعب الحالي وبناء ملعب جديد الى جانب المركز الرياضي التجاري. وهناك ايضا الطرق التقليدية للحصول على الموارد المالية وهي ريع المباريات والمشاركة في البطولات الدولية المهمة التي تدر الكثير من الارباح على الاندية ولا سيما دوري ابطال اوربا. غير ان اهم تلك المصادر المالية هو بلا شك عملية بيع حقوق البث التلفزيوني لمباريات الاندية الى شبكات التلفزيون.
كانت رابطة الاندية الايطالية المحترفة، ولحين اعوام قليلة مضت هي المسؤولة عن عملية بيع حقوق البث التلفزيوني نيابة عن كل الاندية الايطالية التي كانت توزع عليها ارباح ذلك العقد. غير ان الامور تغيرت في الاعوام الاخيرة واصبح كل نادي من اندية ايطاليا قادرا على التعاقد بطريقة انفرادية مع شبكات التلفزيون. والامر الاخير ادى الى زيادة الايرادات المالية للاندية بصورة ملحوظة. ومن جراء ذلك اصبحت قادرة على ابرام عقود خيالية مع بعض نجوم الكرة.
&وبدلا من ان تنتعش اوضاع الاندية المالية بهذه الزيادة، لاحظنا ان المصروفات ازدات هي الاخرى بطريقة مبالغ بها، بل انها ( المصروفات ) تجاوزت في اغلب الاحيان الايرادات. ولتغطية هذا العجز، لجأت الاندية في الاعوام الماضية الى حيلة مالية تسمى "القيمة الاضافية" ( plus valenza ) اي رفع قيمة اللاعبين في الميزانية بطريقة تسمح بتعادل مطلوبات النادي مع موجوداته. واذا كانت هذه الحيلة ناجحة في تغطية العجز على المدى القصير، الا انها فشلت في عملية توفير السيولة المالية التي تحتاج الاندية اليها على المدى الطويل لتسيير امورها المالية. ولهذا السبب بصورة خاصة، ونتيجة لعجز الاندية عن خلق موارد مالية جديدة، نرى ان اغلبية الفرق الايطالية تمر في اوضاع مالية متردية جدا.
وكان نادي فيورينتينا الذي كان يملكه تشيكي غوري وهو اكبر منتج سينمائي في ايطاليا، اول ضحايا هذه الازمة. اذ اضطر الى اعلان افلاسه، وبسبب اعساره هبط الى الدرجة الثالثة (ب) ثم رقي الى الدرجة الثانية في الصيف الماضي بقرار حكومي.
والحاجة الملحة الى السيولة المالية تدفع بعض ادارات الاندية الى التخلي عن اهم جواهرها الكروية، مثلما تخلى لاتسيو عن المدافع الايطالي اليساندرو نيستا الذي انضم الى ميلان بعد ان كان يعتبر رمزا للنادي، كما تخلى لاتسيو ولنفس السبب عن لاعب الوسط التشيكي بافل نيدفيد المرشح الان للفوز بالكرة الذهبية، والذي كان مستعدا لتقليص راتبه في لاتسيو من اجل البقاء في العاصمة الايطالية. وكذلك فعل فيورينتينا مع حارس المرمى تولدو، الذي انضم الى انتر، ومع صانع الالعاب البرتغالي روي كوستا الذي انضم الى ميلان. اما الارجنتيني عمر غابريل باتيستوتا فقد امتاز ببعد النظر، اذ ترك فيورينتينا قبل افلاسه. ولم يكن انتقاله الى نادي روما، في بادىء الامر، بسبب رغبته في الحصول على راتب اعلى، بل انه كان يرغب في اللعب مع فريق قوي يسمح له بالفوز ببعض الالقاب المهمة وبالاخص باللعب في بعض البطولات المهمة مثل دوري ابطال اوربا. ولم يكن نادي فيورينتينا في تلك الفترة وفي ظل الاوضاع المالية المتردية قادرا على الفوز باي لقب او المشاركة في اي بطولة مهمة.
وتجدر الاشارة الى ان عملية التخلي عن اهم اللاعبين من اجل الحصول على موارد مالية جديدة، تفيد في اغلب الاحيان في تغطية العجز المالي، ولكنها تكون مضرة على صعيد اداء الفريق في المباريات لان التخلي عن اهم واغلى اللاعبين يؤدي بصورة حتمية الى هبوط مستوى اداء الفريق من جهة والى تقوية الخصوم من جهة اخرى. فلاتسيو على سبيل المثال لا يستطيع الاعتماد بعد على خدمات نيستا في حين يتمتع ميلان بتلك الخدمات واصبح، النادي الاخير، بالتالي اقوى مما كان عليه. وكذلك هو الامر بالنسبة لنيدفيد الذي يتالق كثيرا بين صفوف يوفنتوس.
وبالرغم من بيع اهم النجوم لم ينج لاتسيو بعد من الازمة المالية التي يعاني منها، وبسبب هذه الازمة اضطر سيرجو كرانيوتي رئيس النادي سابقا الى ترك تلك الوظيفة ويعجز مجلس الادارة الحالي الذي قدم استقالته في الايام الاخيرة عن ايجاد حل سريع لهذه الازمة.
وكما يقول المثل الايطالي القديم ": اذا بكت روما فان اثينا لا تضحك." نستطيع القول بانه اذا بكا لاتسيو فان نادي روما، غريمه التقليدي، لا يضحك، لانه هو الاخر يعاني من ازمة مالية حادة دفعت رئيسه سينسي الى القول في الايام الاخيرة:" لا بد من تقليص المصروفات." علما ان نادي العاصمة الايطالية لم يدفع رواتب اللاعبين منذ عدة اشهر وقد هدد بعضهم باللجوء الى الاجراءات القانونية من اجل الحصول عليها. ولا يخفى علينا ان نادي روما وبسبب اوضاعه المالية كان معرضا لعدم امكانية تسجيل فريقه في هذا الموسم. والتسجيل لدى رابطة الدوري الايطالي للمشاركة في دوري الدرجة الاولى يفرض على الاندية تقديم ضمانات مالية تؤكد من خلالها امكانية النادي على مواجهة كافة الالتزامات المالية الناجمة عن المشاركة في بطولة الدوري. كما لا يخفى علينا ان روما واجه بعض الصعوبات في انتقال المدافع الروماني كريستيان كيفو من نادي اياكس الهولندي الى صفوفه، بل ان النادي الهولندي منع المدافع الروماني من اللعب مع روما قبل ان يحصل على ضمانات مالية (مصرفية) تؤكد امكانية تسديد روما لما تبقى من كلفة العقد في الموعد المحدد.
&وعلى صعيد الاندية الايطالية الكبيرة: يوفنتوس وانتر وميلان وروما ولاتسيو، نلاحظ ان الاول فقط ينجو في الوقت الحاضر من هذه الازمة. فقد حقق في ميزانية الموسم 2002-2003 ارباحا صافية زادت بقليل على المليوني( ايورو)، وبمعدل زيادة يبلغ 9و22 % قياسا الى ارباح العام الماضي. والجدير بالذكر ان نادي السيدة العجوز يحقق الارباح للسنة السابعة على التوالي. وقد قرر النادي عدم توزيع الارباح على المساهمين بل تخصيص نسبة 10% لقطاع المدارس الكروية الخاصة بالنادي (على مختلف الاعمار )، وتوزيع ما تبقى على صناديق الاحتياط. وتجدر الاشارة الى ان اغلبية الارباح جاءت على التوالي من حقوق البث التلفزيوني ( 9و %56)، وايرادات المشاركة في دوري ابطال اوربا، والرعاية المالية والعمليات التجارية (بيع السلع الخاصة بالنادي) وبالتالي ريع المباريات
كما تجدر الاشارة الى ان ليبيا ومن خلال شركة "لافيكو" اي شركة الاستثمارات الليبية الخارجية تملك نسبة سبعة ونصف بالمئة من اسهم نادي يوفنتوس.
اما نادي ميلان فهو يعتمد بصورة رئيسية على الامكانيات المالية الهائلة لسيلفيو بيرلوسكوني رئيس النادي ورئيس الحكومة وهو اغنى رجل في ايطاليا. وغالبا ما يلجأ النادي الى توزيع خسائره على شركات التلفزيون التابعة لبيرلوسكوني ايضا. في حين ان انتر يعتمد بصورة رئيسية على ثري آخر وهو ماسيمو موراتي الذي يعمل في مجال النفط. وكان النادي الاخير قد ابرم صفقة مربحة ماليا في العام الماضي عندما باع النجم البرازيلي رونالدو الى ريال مدريد مقابل 45 مليون ايورو. المبلغ الاخير ساهم تحسين اوضاع خزينة النادي بعض الشيء.
اما اصحاب كل من نادي روما ولاتسيو فهم ليسوا فقراء ولكنهم لا يملكون الثراء الذي يملكه اصحاب الاندية السابقة الذكر ولهذا غالبا ما يعتمدان على المصارف لتمويل احتياجاتهم وللحصول على القروض المصرفية.
واذ كانت اغلبية الاندية الايطالية قد اساءت التصرف ماليا فان بعضها تدارك الامر منذ مدة طويلة من الزمن وبالاخص بعد ظهور اول مؤشرات الازمة. ومن بين الفئة الاخيرة نذكر كييفو وبولونيا وبارما. ويعتبر الاول مثال الادارة المالية الرشيدة. اذ يكفي ان نذكر ان اجمالي كلفة لاعبيه قد لاتتجاوز كلفة نجم واحد من نجوم الاندية الكبيرة، والامر الاخير لم يمنع هذا النادي الذي اعتبر ظاهرة كروية على الصعيد العالمي لانه يمثل حي صغير من احياء مدينة فيرونا( مدينة روميو وجوليتا حسب مسرحة شكسبير ) ومع ذلك استطاع الوصول الى دوري الدرجة الاولى والتالق فيه رغم قلة امكانياته المالية قياسا الى اندية المدن الكبرى. بل انه اتبع سياسية ذكية جدا كتلك التي نهجها اودينيزي في الماضي او تلك التي يقوم بها بيروجا في الوقت الحاضر، ومفادها اكتشاف المواهب الكروية المجهولة والقليلة الكلفة ثم منحها فرصة التالق في الدوري الايطالي وبالتالي بيعها باسعار مغرية، مثلما حدث لفابيو ليفراني الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثالثة قبل ان ينضم الى بيروجا في الدرجة الاولى وقبل ان يستدعى للانضمام الى المنتخب الوطني وبالتالي تم بيعه الى لاتسيو.
&اما نادي بارما فانه صرف الكثير من الموارد المالية في الاعوام الاولى من وصوله الى دوري الدرجة الاولى وبالاخص اثناء رئاسة كاليستو تانزي، صاحب شركة المواد الغذائية الشهيرة "بارمالات" وكان يطمح بالفوز بلقب الدوري في اقصر وقت ممكن. ولكنه وبعد فشله في عدة مواسم تخلى عن ذلك الطموح وحل محله ابنه ستيفانو تانزي الذي قام بتحجيم الطموحات وبترشيد المصروفات وتبني سياسة تقشف صارمة من اجل اعادة التوازن الى ميزانية النادي. ويعتقد ستيفانو تانزي ان جميع المعنيين بادارة الاندية الايطالية ارتكبوا خطأ اهمال التكاليف المتزايدة باستمرار وبالاخص تلك التكاليف الباهظة الخاصة ببعض اللاعبين الذين اثبتت الملاعب انهم لا يستحقون ما يتقاضوه من رواتب خيالية. وارتكزت سياسة نادي بارما الجديدة على تقليص عدد اللاعبين من 37 الى 22 لاعبا، كما هبط اجمالي رواتب اللاعبين من 70 مليون ايورو الى ثلاثين مليون والنادي يطمح بوصوله الى عشرين مليون في المستقبل القريب. كما ينوي النادي تخصيص ما يسمى بمكافأة الاداء اي ان كل من يحسن القيام بعمله سيحصل على مكافأة وذلك لتحفيز اللاعبين على بذل قصارى جهدهم من اجل الفريق وبغض النظر عن الرواتب التي يتقاضونها. وفي ذات الوقت تخلى النادي عن فكرة شراء كبار نجوم الكرة الاجنبية وتبنى فكرة الاستثمار في المدارس الكروية "لانتاج" اللاعبين المحليين. وبهذا الخصوص يعتقد تانزي انه لو صرفت الاندية الايطالية على اللاعبين المحليين نسبة 10% مما صرفته على النجوم الاجانب لما وصلت تلك الاندية الى الحالة المالية التي تمر بها الان.
ولكي يمد يد العون للاندية الايطالية، قام سيلفيو بيرلوسكوني، رئيس الحكومة الايطالية ونادي ميلان ايضا، باصدار قرار حكومي يتنافى مع المفاهيم المالية الخاصة بالاتحاد الاوربي. وينص ذلك القرار على امكانية استهلاك الاندية الايطالية لديونها (اي كلفة عقود اللاعبين) على مدى عشرة اعوام وذلك بغض النظر عن مدة عقد اللاعب مع النادي التي لاتتجاوز عادة العامين او الثلاثة اعوام. وقد اثار هذا القرار حفيظة لجنة مكافحة الاحتكار الاوربية التي قالت انه غير شرعي لانه يعتبر بمثابة تقديم الحكومة المساعدات للشركات التجارية. والامر الاخير غير مسموح به على الصعيد المالي والاقتصادي الخاص بالاتحاد الاوربي.
وللخروج من هذه الازمة التي تعاني منها الاندية الايطالية لابد من اتباع سياسة ترشيد المصروفات من خلال تقليص رواتب اللاعبين والمدربين والمدراء. علما ان هذا البند هبط في ميزانيات الاندية الايطالية بنسبة 4و2% في العام الماضي. وهذا يعني انه من الصعب القيام بصفقات خيالية في الدوري الايطالي في الاعوام القليلة المقبلة مثلما حدث بالنسبة للمهاجم فييري الذي انتقل من لاتسيو الى انتر مقابل مبلغ كان يبدو تعجيزيا في تلك الفترة. غير ان تقليص الراواتب يتناقض مع مصلحة اللاعبين وبصورة خاصة مع مصالح وكلاء اعمالهم الذين يسعون دائما الى زيادة اجور اللاعبين لان تلك الزيادة تعني ايضا زيادة نسبة عمولتهم.
على كل حال يبدو ان الاندية فطنت الى اهمية توازن ميزانيتها وتقليص التكاليف خاصة في ضوء قرار( ويفا) الاتحاد الاوربي لكرة القدم الذي سيصبح نافذ المفعول منذ عام 2006 والذي سيضع معايير مالية صارمة لابد للاندية من احترامها ان كانت ترغب المشاركة في البطولات الدولية.
***************
&