نضال حمد&
&
&
منذ عدة أيام سجلت غياب عن الكتابة وعدم حضور في ساحة القلم والكلمة، ذلك بسبب انشغالي في نشاطات تخص التضامن مع القضية الفلسطينية في النرويج، وكنت منهمكا في العمل مع ضيوفنا الكرام، الذين جاءوا من كل صوب وحدب ومن الكثير من الديار والقفار.
&جاءوا ليعلنوا مواقفهم من مسألة العولمة، هذه التي تعني بكل بساطة الأمركة ، والأمركة تعني بكل بساطة أيضاً الصهينة، والصهينة تعني المزيد من السيطرة الاسرائيلية على عالمنا العربي بشكل مباشر وعلى العالم الأجنبي بشكل غير مباشر..
كان من بين الضيوف الكُثر في المؤتمر المذكور، الصديق الكاتب الفلسطيني وليد الفاهوم، صاحب رواية مدار الحمار، بالمناسبة لقد تعجبت من العنوان المذكور، لأنه مثير وغريب نوعا ما ،وتعجبت أكثر من الإهداء الذي خصني به الصديق وليد،فقد دعاني لركوب مدار الحمار حتى يكون كل في مداره.
&وقررت منذ الآن أن أركب حماري في مداره وأن لا أخرج من دائرة مداري حتى لا أستبدل دوري بدور حماري.
رواية مدار الحمار لوليد الفاهوم تحكي عن فترة عمله في بلدية الناصرة سوية مع الشاعر الراحل توفيق زياد.
في هذه البلاد التي استضافت وليد وغيره من ضيوف مؤتمر مناهضة العولمة، هناك مكانة محترمة لكل أنواع الحمير، الوطنية والأجنبية، وكذلك للأتان من ذوات النزعات الليزبيسية أو الفينومينوستية، ألسنا في نهاية الأمر حيوانات ناطقة ونعيش في دولة أو مزرعة ديمقراطية ؟
ألسنا في ياخور ديمقراطي وإسطبل حضاري؟
كان تعارفي مع وليد بالصدفة& وقد جاء عبر صديق فلسطيني مشترك يقيم في شمال أفريقيا، حيث كنت في زيارته الصيف الفائت، وقد لفت انتباهي كتابه المُعنون مجموعة أقاصيص 2002"& وطن الثدي " ،الذي هو أحدث مؤلفات& وليد الفاهوم،الغلاف الخارجي خارج عن المألوف ، أماز وني الطابع والطبيعة، في الصفحة قبل الأخيرة& نبذة عن وليد وصورة له، أما الصفحة الأولى كان فيها إهداء بخط يد وليد لصديقه صديقي أي صديقنا المشترك أبو إبراهيم ياسين.
قلبت صفحات الكتاب ، قرأت قليلا من المحتويات قبل أن يعود صديقنا ياسين& من المطبخ حيث كان يعد قهوة الصباح العربية و" أركيلته " الصباحية المعتادة.
سألته عن الوليد صاحب الثدي الشهيد ، فقال أنه كاتب فلسطيني من الناصرة ولازال في الناصرة.
&ثم وبعد حديث موسع، استشف ياسين من كلامي رغبتي بمعرفة وليد فقدم عرضه الداعي للتعرف عليه ، ثم أعطاني هاتف وليد وعنوانه في مدينة السيد المسيح، وبعد عودتي من رحلتي اتصلت بوليد، وهكذا تعارفنا.
طبعا معرفتي بوليد ليست طويلة العمر، لكني وبعد لقاءي معه وبه أشعر وكأني أعرفه من زمن الحصار واستعمال الحمار في نقل العدة والأسرار، وفي تسلق التلال وعبور السهول وشق الوديان، ففي زمن الفدائي الفلسطيني في بيروت وجنوب لبنان ،كان للحمار دوره الطليعي في بعض الأحيان، وكان أفضل من بعض حميرنا الآدمية.
علمت من الصديق وليد أن الحمار كان أول مهندس طرقات عالمي، حيث كان المهندسون يستعملونه في شق الطرقات، إذ يسير الحمار أولا لأنه بغريزته وذكاءه يختار أسهل الطرق، وكانوا هم خلفه يقومون بشقها.
لقد اكتشفت والفضل في ذلك يعود للمحامي وليد الفاهوم أن الحمير ليست مهددة بالانقراض مثلما كان الحال مع من أنقرض من الحيوانات مثل الديناصور.
واكتشفت أن في داخل كل شخص يوجد حمار أحيانا يكون ظاهرا وأحيانا أخرى يفضل أن يكون مستوراً.
بقيت مع ضيفنا وليد لمدة خمسة أيام متتالية كانت جميلة ومفيدة ، تحدثنا فيها عن كل شيء يخصنا ، نبشنا التاريخ وتمددنا نحو الحاضر وبحثنا قليلا عن المستقبل،حاولنا نبش الماضي وكمش الحاضر، اتفقنا واختلفنا لكنا لم نخرج بلا حد أدنى وحدود منطقية لكل ما يجب أن يكون في هذا الزمن المجنون.
تحدث وليد في مؤتمر مناهضة العولمة عن فلسطين والعراق ،فقد كان موضوع ندوته " من القدس الى بغداد"، وتحدث ضيوف آخرون عن مشاكل البلدان الأخرى في عالمنا الذي يشهد هيمنة واستبداد أمريكي على الدول والشعوب، كما يشهد وهراء& وزيف وجبن وتقاعس من الدول الأخرى ، حيث أصبحت ادارة مشاكل العالم بيد الذي يخترعها "الولايات المتحدة" بدلا من أن تكون بيد الأمم المتحدة التي عليها حل تلك المشاكل سلميا.
إذا كانت العولمة تعني شيئا آخرا غير الأمركة والصهينة فأنني أعترف بأنني كنت مخطئا ، لكن العولمة تعني السيطرة على الشعوب والدول واستبداد الأغنياء والأقوياء وخاصة شركات أمريكا وحلفاءها من لصوص العالم الذي تتم عولمته بالقوة ، والذي بدأت عملية تدجينه من بغداد الرشيد.
هذا العالم يشبه المدار الكبير والواسع للحمير والأنات ، وهؤلاء& تجدهم أينما ذهبت وكيفما ألتفت ..
عاد وليد اليوم الى البلاد التي كانت تسمى فلسطين وأصبحت بالقهر والقوة تسمى اسرائيل، والتي لازالت بالنسبة لنا نحن أبناءها المشتتين في العالمين فلسطين...
عاد صديقي الجميل ولم يعرف أن الشابة النرويجية الناشطة في لجان التضامن مع الشعب الفلسطيني أنغريد بارتزين، التي قالت له الى اللقاء في البلاد، قد تمت أعادتها ليلة امس من مطار تل أبيب بحجة أنها تشكل خطر على أمن اسرائيل.
كان الله في عون بني آدم وفي عون الحمير..